خالد اسبيته: كرة القدم متعتنا الوحيدة في غزة

خالد اسبيته: كرة القدم متعتنا الوحيدة في غزة

13 ديسمبر 2022
المشجع الفلسطيني أبو محمد اسبيته (محمد الحجار)
+ الخط -

يعرف الجميع في حيّ الشجاعية شرقيّ مدينة غزة، شغف أبو محمد اسبيته بكرة القدم، إذ يحرص على تشجيع كل كرة جميلة، ومستقر تشجيعه، منزله المتواضع الذي يجتمع فيه الكثير من جيرانه وأقاربه لمتابعة مباريات أبرز الدوريات العربية والقارية والعالمية، وحالياً مونديال قطر.
يعمل أبو محمد، خالد أحمد خليل اسبيته (57 سنة) حداداً، ولديه 6 أبناء و3 بنات، و20 حفيداً. لا يهتم بالسياسة أو الاقتصاد بقدر اهتمامه بكرة القدم وأخبارها، وهو يتابع جيداً تصريحات المدربين واللاعبين، وتفاصيل البطولات المختلفة، وقد بدأ حبه للعبة حين كان في الحادية عشرة من عمره، كان حينها في المرحلة الإبتدائية، وكان يعكف أمام التلفزيون "الأبيض والأسود"، أو ينصت إلى الراديو حين يذيع مباريات من الدوري المصري، ومن دوريات عالمية.

يقول اسبيته لـ"العربي الجديد": "كرة القدم هي العالم الرومانسي بالنسبة إليّ. كنت في طفولتي محباً للنادي الأهلي المصري، وكان ذلك في جيل يعتبر من الأجيال الذهبية للنادي الذي يُعَدّ أشهر وأقدم أندية الشرق الأوسط. وقتها، كان يضم لاعبين مثل محمود الخطيب وطاهر أبو زيد وربيع ياسين ومصطفى عبدو وخالد جاد الله، وبعدها أصبحت أتابع الكثير من الأندية العالمية ومنتخبات الدول".
كان لدى والد اسبيته تلفزيون أبيض وأسود بحجم 14 بوصة، يعمل على بطارية شحن كبيرة، وكان ينتظر مع أشقائه وشقيقاته عودة والدهم ليشغّل التلفزيون على البطارية، ويذكر أنهم كانوا يشاهدون المسلسلات الناطقة باللغة العربية، وخصوصاً المصرية، ومباريات كرة القدم التي كانت تقتصر على الدوري المصري وكأس مصر، وبعض مباريات المنتخبات العالمية في مناسبات مثل كأس العالم.
لم يكن في قطاع غزة خلال فترة السبعينيات التي شكلت نضج اسبيته الكروي أماكن ترفيهية، ويصف الحياة وقتها بأنها كانت صعبة، إذ كان الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على القطاع، والآباء والأمهات يخشون مغادرة أبنائهم للمنازل. لذا، كانت مشاهدة التلفزيون، وتحديداً مباريات كرة القدم، واقعاً يومياً، وكان يتبارى مع زملائه في المدرسة في معرفة التفاصيل والنتائج.

يعتبر اسبيته الوحيد في أسرته الذي يتميز بشغف تجاه كرة القدم، وكان يلعبها خلال فترة الدراسة مع زملائه، لكن في ذلك الوقت لم تكن الحركة الرياضية في قطاع غزة تتمتع بالحرية، ولا يتاح تأسيس النوادي، بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
يحب أبو محمد المنتخب الألماني، ويعتبره أول منتخب عالمي أولع بطريقة لعبه منذ طفولته، وخصوصاً في فترة السبعينيات التي كانت عصراً ذهبياً للألمان، التي فاز فيها بكأس العالم في مونديال 1974 الذي استضافته ألمانيا الغربية حينها، كذلك يحب المنتخب الأرجنتيني، لأنه أكثر المنتخبات التي تقدم فناً كروياً ممتعاً.
ويضيف: "أحب الكرة الحلوة الممتعة، وأتابع الكرة الإنكليزية خلال السنوات الأخيرة، لأنها الأكثر متعة بين الدوريات الأوروبية. كنت أعمل في الأراضي المحتلة، وأمشي مسافة كيلومترَين إلى صديق فلسطيني بالقرب من جنين، من أجل المشاهدة عندما تكون هناك مباراة مهمة في الدوري الإنكليزي، وخصوصاً مباريات فرق تشيلسي وأرسنال ومانشستر يونايتد والسيتي وليفربول".

يشترك أقارب وجيران اسبيته في مشاهدة المباريات (محمد الحجار)
يشترك أقارب اسبيته وجيرانه في مشاهدة المباريات (محمد الحجار)

اشترى اسبيته تلفازاً ملوناً في عام 1990، ليتابع مونديال إيطاليا، الذي أحرز لقبه المنتخب الألماني باسمه الجديد "ألمانيا الاتحادية"، إذ كان يشاهد المباريات عبر قنوات مصرية وأخرى أردنية، والقناة الإسرائيلية السادسة التي كانت موجهة للعرب، وتعرض بعض مباريات الدوريات العالمية بتعليق عربي.
لكنه يتذكر جيداً واقعتين مؤلمتين لكل الغزيين في أثناء مونديال كأس العالم. الأولى كانت خلال مونديال ألمانيا 2006 عندما قصف الاحتلال الإسرائيلي محطة تشغيل الكهرباء الوحيدة في غزة، مؤكداً أنه اضطر حينها إلى الاستعانة بمولدات للكهرباء لمتابعة دور الثمانية، ثم الأدوار التالية، وصولاً إلى المباراة النهائية التي تُوِّج فيها المنتخب الإيطالي. والواقعة الثانية كانت في عام 2014 خلال مونديال البرازيل، عندما نزح سكان حيّ الشجاعية إلى وسط مدينة غزة بعد القصف والمجازر الإسرائيلية.

الصورة
ينتظر أهالي غزة مونديال قطر (محمد الحجار)
ينتظر أهالي غزة مونديال قطر (محمد الحجار)

ويقول: "حتى وسط الحروب والقصف أحاول متابعة مباريات كرة القدم، فمشاهدة لعب ومهارة اللاعبين أفضل من متابعة حروب يسقط فيها الأبرياء، رغم أن العصبية واردة أيضاً خلال مباريات كرة القدم، وزوجتي أصبحت تشاهد معي، وتعرف أسماء اللاعبين والمدربين. كرة القدم أعطت نكهة لحياتي، فهي متعة تجعلني أتناسى بعض هموم الفلسطينيين والعرب المطحونين والفقراء".
يؤكد اسبيته تأييده لكل الفرق العربية في أثناء مونديال قطر، إضافة إلى المنتخبات التي يشجعها، ويأمل أن تتطور كرة القدم العربية بفتح مدارس تعليم كروية، ومن خلال اكتشاف المواهب الكروية، والعناية بها.

ورث أبناء خالد اسبيته عنه حب كرة القدم، لكن أكثرهم متابعة للمباريات نجله بلال (17 سنة)، الذي يرافق والده في جميع المباريات التي يشاهدها من غرفته التي يضع فيها التلفاز، ويحفظ أسماء اللاعبين، حتى تفاصيل أنديتهم، وبعض المحطات المهمة عن حياتهم.
يقول بلال اسبيته لـ"العربي الجديد": "أحببت كرة القدم بسبب والدي. أحببت ميسي في الدوري الإسباني، لكن لاحقاً اقتنعت عبر والدي ونظرته الكروية بأن الدوري الإنكليزي هو الأهم. وعيت على مونديال 2014، وقتها اندلعت الحرب، وكنت أتابع المباريات مع الشبان في ذات المنزل، حتى وسط الحرب كنا نتابع، وأظن أن كرة القدم أجمل ما في العالم الذي نعيش فيه".

المساهمون