حِقَن التجميل... شكاوى من فوضى المهنة في بريطانيا

حِقَن التجميل... شكاوى من فوضى المهنة في بريطانيا

20 ابريل 2023
شكاوى كثيرة من علاجات التجميل غير الجراحي في بريطانيا (نيكولاس هالن/ فرانس برس)
+ الخط -

يحاول كثيرون في بريطانيا تقليد مظاهر المشاهير من خلال إجراءات التجميل غير الجراحية، مثل العلاج المضاد للتجاعيد، وأبرزه "البوتوكس"، في حين وصلت شكاوى الإجراءات الفاشلة إلى مستوى قياسي، وتلقت جهات عديدة بينها "أنقذوا الوجه"، وهو سجل وطني للممارسين والعيادات، ما يقارب 2824 شكوى العام الماضي، علماً أنّ الرقم الذي يشمل أيضاً مضاعفات العلاج أعلى بنحو الربع من عام 2020. ونجم عن الزيادة الكبيرة في الشكاوى مخاوف من نقص الحماية العامة، بينما تعمل الحكومة البريطانية على وضع نظام ترخيص جديد لهذه الصناعة، فبحسب القوانين الحالية المطبقة لا يحتاج ممارسو التجميل في المملكة المتحدة إلى مؤهّلات إلزامية، ما يعني أن أي شخص يستطيع أن يلتحق بدورة تدريبية تمهيداً للعمل في المجال. ورغم ذلك، لم تستجب وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية لدعوات أطلقت في فبراير/ شباط الماضي لتسريع تطبيق نظام جديد، ما أثار مخاوف من أن أي لائحة بأنظمة جديدة قد تصدر ستستغرق أكثر من ثلاث سنوات كي تطبّق بحسب صحيفة "ذا تايمز".

الصمت الحكومي
يقول الجرّاح واستشاري التجميل والترميم في بريطانيا، الدكتور فواز الحسني لـ"العربي الجديد": "في الحقيقة أحتار من الصمت الحكومي في مواجهة الإجراءات غير المنظّمة في بلد يتمتّع بأفضل الأنظمة وبروتوكولات الأمان في العالم في مختلف الميادين، علماً أن إنكلترا احتضنت أول عملية ترميم جراحي أجريت بعد الحرب العالمية الثانية". 
وفي شأن احتمال وضع نظام ترخيص جديد للمهنة أو الصناعة خلال هذا العام، يوضح أنّ "هذا الحديث يتكرّر منذ عام 2013، لكن الأمور ما زالت على حالها حتى اليوم. والدافع وراء هذا الصمت العام والتأجيل يجعلنا نطرح أسئلة عديدة عن  المستفيدين الفعليين من الفوضى التي يشهدها القطاع، هل شركات مستحضرات التجميل أم أطراف سياسية أم شخصيات نافذة في البلد؟ وفي ظلّ غياب التنظيم يبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه لكلّ من هبّ ودبّ، علماً أن حصر التنظيم بجرّاحي التجميل المؤهلين قد يقلّص حجم المبيعات في شكل كبير، في حين تضم المملكة المتحدة حوالي ألف جرّاح تجميل يتمتعون بمؤهلات ممارسة المهنة".  

الصورة
إقبال متزايد على جراحات التجميل في بريطانيا والعالم  (تينا ستالارد/ Getty)
إقبال متزايد على جراحات التجميل في بريطانيا والعالم (تينا ستالارد/ Getty)

طبيب بمؤهل دورة تدريب
ويعتبر الحسني أنّ "ما يعقّد موضوع تنظيم الحكومة هذا القطاع هو أنّ الحشوات (الفيلر) لا تصنّف بأنها عقار طبي، بل جهاز طبي رغم أنه يحتوي على مادة مخدّرة". ويلفت إلى إنّ "غالبية الناس تجهل الاختلاف بين طبيب التجميل وجرّاح التجميل، ما يحتم رفع مستوى الوعي في شأن هذه التسميات والمؤهلاّت التي تفتقر بدورها إلى تنظيم". ويشرح أنّ "أي طبيب تخرج من الكلية يستطيع الالتحاق بدورة لتعلّم حقن الفيلر والبوتوكس وأساليب علاج أخرى، ثمّ يُطلق عليه ببساطة اسم طبيب تجميل، في حين أن هذه الصفة تتطلب فعلياً المرور بمراحل واختبارات عديدة، أبرزها اختبار العضوية للحصول على شهادة من كلية الجراحين الملكية، وهي شهادة تخصّصية تُمنَح لجراحين عن طريق الكليات الملكية الأربع في المملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا. وبعدها يجب التدرّب لمدّة ست سنوات للحصول على مؤهل زمالة الكلية الملكية للجراحين المطلوب لممارسة الجراحة في المملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا. وهكذا يقضي جرّاح التجميل بين 16 و17 عاماً من حياته في الدراسة والتدريب قبل التأهل والسماح له بإجراء عمليات من دون مراقبة. ورغم جميع التعقيدات التي يخوضها جرّاح التجميل نرى أناساً يتجاوزون كل هذه المراحل ويختصرون الطرق، ويفتحون عيادات تجميل قد تلحق أذى بالناس".
يضيف أن "ما يحدث في الواقع مهزلة غير أخلاقية تشكل مسألة قد تخلق أحزاناً كبيرة للمجتمع والناس، فالشركات تستقبل أي شخص وتمنحه تدريباً على حقن الناس بغض النظر عن مؤهلاته وحتى إن لم يكن طبيباً. وبالنسبة لي يشمل تعريف كلمة جراحة بأنها إجراء ينفذ لإزالة أو إصلاح جزء من الجسم أو لمعرفة وجود مرض، والحقن نوع من هذا الإجراء. ولو أراد الجرّاحون أن يتعاملوا مع المسألة في شكل قانوني ستثار قضية كبيرة في شأن ما يمكن وصفه بأنه خيانة الجرّاحين، حيث يُسمح لممارسين لا علاقة لهم بالطب أحياناً بحقن الناس من دون مراقبة". 

الصورة
تعمل لندن لوضع نظام ترخيص جديد لصناعة التجميل غير الجراحي (مايك كامب/ Getty)
تعمل لندن لوضع نظام ترخيص جديد لصناعة التجميل غير الجراحي (مايك كامب/ Getty)

منع استغلال المستضعفين
لكن الحسني يعتقد بأنّ "هذه الفوضى لن تبقى على هذه الحال، ففي المملكة المتحدة قد تمر سنة أو أكثر على وجود ممارسات غير منظّمة ثم توضع الأمور في نصابها في الوقت المناسب، خاصة في حال تسليط الضوء على حالة واحدة خاطئة في الرأي العام". لكنّه يتطرّق مجدّداً إلى مخاطر هذه الحقن خاصة "الفيلر"، في حال وقعت في أيدي ممارسين لا يملكون مؤهلات كافية. ويلفت إلى إنّه لا يوجّه أصابع اللوم إلى الناس، إذ يفترض أن تتأكد جهة تنظيمية من سلامتهم حين يتوجّهون إلى هذه المراكز والعيادات"، كما يدعو إلى توعية الناس من خلال الإعلانات أو أساليب أخرى.  
تستمرّ الدعوات التي تطالب الحكومة بالإسراع في إدخال نظام الترخيص الموعود لإجراءات التجميل غير الجراحية من أجل منع استغلال الأشخاص. وقال نواب إن "المخاطر التي تشكلها الإجراءات التجميلية غير الجراحية على الفئات الضعيفة كانت واضحة خلال التقرير الذي نُشر في 2 أغسطس/ آب 2022 بعنوان تأثير صورة الجسد على الصحة العقلية والجسدية". وفيما تؤكد البيانات أنّ سوق إجراءات التجميل غير الجراحية تزداد بسرعة وتجذب أعداداً كبيرة كل عام، سبق أن توقع خبراء أن يصل عدد الحقن في بريطانيا إلى مليون بحلول عام 2020، علماً أن عددها بلغ 900 ألف عام 2021، رغم أن بعضها استخدمها الأشخاص نفسهم.

وتنجذب بعض النساء والشابات اليافعات إلى حقن "بوتوكس" أو غيرها كونها أقلّ تكلفة وأقل خطراً من التعرّض لجراحة تجميلية، فضلاً عن أنّ التغييرات الناتجة عنها تبقى بسيطة في معظم الأحيان بخلاف الجراحة التجميلية التي تحدث تغييراً جذرياً في المظهر.

المساهمون