تصف آن إليزا كانينغ-سكينر مشاركتها في تظاهرات "حياة السود مهمّة" في عام 2020 بأنّها المرّة الأولى التي "اختبرت فيها معنى التضامن". بعدها بثلاثة أعوام، تخرج الشابة البالغة من العمر اليوم 28 عاماً إلى شوارع نيويورك للتظاهر دعماً للفلسطينيين بعد مرور شهر على الحرب الإسرائيلية المستمرّة على قطاع غزة.
وكانينغ-سكينر من بين آلاف المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشارع في كلّ أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، مطالبين بوقف إطلاق النار في غزة وإنهاء التمويل الأميركي للجيش الإسرائيلي.
يربط المتظاهرون في الولايات المتحدة الأميركية، بصورة متزايدة، ما بين القضية الفلسطينية وحركة تحرّر السود.
وفي بروكلين أخيراً، خرجت كانينغ-سكينر مع متظاهرين رفعوا لافتات كُتب عليها "حياة السود من أجل فلسطين" و"الصمت الأبيض هو العنف". وتؤكّد الشابة لوكالة فرانس برس أنّ "كل شيء مترابط".
وتتشابك جذور تاريخية للتضامن ما بين المنظّمين السود والفلسطينيين، لكنّ خبراء وناشطين يرون أنّ الأحداث التي وقعت في الأعوام الماضية أدّت إلى بلورة أوجه التقاطع والتشابه الخاصة بالمتظاهرين.
ويقول المؤرّخ في "جامعة ميشيغان" الأميركية ديريك آيد لوكالة فرانس برس: "في ما يتعلق بالقيام بهذا النوع من العمل الأيديولوجي لإقناع الناس بأنّ فلسطين قضية يجب عليهم الانخراط بها، أعتقد أنّ حركة حياة السود مهمة كانت مهمّة جداً" في ذلك.
وأضاف آيد أنّ "ثمّة مزيداً من الناس في الشارع، وهذا بالتأكيد نتيجة نوع التنظيم الذي كان الناشطون السود يقومون به جنباً إلى جنب مع الجماعات والمنظمات الفلسطينية".
"حالة مشتركة"
واستلهم عدد من المفكّرين القوميين السود في القرن التاسع عشر من مسعى الصهيونية لإقامة دولة يهودية، معتقدين أن ذلك يناظر رؤيتهم الخاصة لوطن أسود.
ويشرح المؤرّخ سام كلوغ، الأميركي من أصل أفريقي الذي يركّز على إنهاء الاستعمار، أنّه مع بروز القوة السوداء والحركات المناهضة للحرب في منتصف القرن العشرين، "صار من الشائع أكثر بين الناشطين الأميركيين من أصل أفريقي أن يفهموا الفلسطينيين كشعب مضطهد".
ويقول كلوغ إنّ حرب 1967 شكّلت نقطة تحوّل مهمّة، مشيراً إلى أنّ لجنة التنسيق الطالبية اللاعنفية، التي كانت قوة تنظيمية رئيسية في خلال حركة الحقوق المدنية الأميركية، أصدرت نشرة "اتّخذت فيها موقفاً قوياً مؤيّداً للفلسطينيين". ويوضح أنّها "وصفت حالةً مشتركةً من القمع والاحتلال ما بين الأميركيين من أصل أفريقي والفلسطينيين، ونوعاً من المجتمع الاستعماري العالمي".
وبعدها بعقود، أثار مقتل مايكل براون في فيرغسون في ميزوري على يد الشرطة، في أغسطس/ آب 2014، احتجاجات جماهيرية ضدّ العنصرية وعنف الدولة، وبدأت حركة "حياة السود مهمّة" في جذب اهتمام أميركي.
وفي صيف عام 2014 نفسه، شنّت إسرائيل عدواناً عسكرياً على قطاع غزة استمرّ سبعة أسابيع، فيؤكد المؤرخ آيد أنّ "رؤية هذَين الأمرَين يحدثان في وقت واحد (...) عزّزت (فكرة) أنّهما نضالان موحدّان" بالنسبة إلى ناشطين كثيرين.
ويتابع آيد: "رأينا موجة عمل وحوار بين المتظاهرين في فيرغسون وكذلك الفلسطينيين في غزة (...) مع تبادل التكتيكات والاستراتيجيات وقصص القمع ومقاومة القمع".
وفي مايو/ أيار من عام 2020، أثار مقتل جورج فلويد على يد الشرطة الأميركية في مينيابوليس مزيداً من الاحتجاجات العارمة، وعزّز جهود مكافحة العنصرية في الولايات المتحدة الأميركية.
ومرّة أخرى، نشر الفلسطينيون نصائح عبر الإنترنت حول كيفية التعامل مع التكتيكات التي تستخدمها شرطة مكافحة الشغب، بما في ذلك الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع.
ويرى كلوغ أنّه "من الصعب تخيّل" وصول الاحتجاجات الحالية في الولايات المتحدة الأميركية المتضامنة مع الفلسطينيين من دون حركة "حياة السود مهمّة". ويضيف: "بالتأكيد هي ليست العامل الوحيد (...) لكنّني أعتقد أنّها مهمة".
"تضامن عالمي"
ويتحدّث متظاهرون قابلتهم وكالة فرانس برس أخيراً عن "روابط" بين سلطات إنفاذ القانون الإسرائيلية والشرطة الأميركية، مشيرين خصوصاً إلى البرامج التي تشهد تدريب ضباط أميركيين جنباً إلى جنب مع نظرائهم الإسرائيليين.
ولا بدّ من التذكير بأنّ قبل الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة المستمرّة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اعتادت إسرائيل شنّ عمليات عسكرية على القطاع شملت استخدام القوة المميتة ضدّ المدنيين.
ويبيّن كلوغ أنّ ثمّة "لغة بصرية مشتركة واضحة يمكن للناس ملاحظتها عندما تقوم أجهزة الأمن الإسرائيلية بمعاملة المدنيين الفلسطينيين بوحشية، والتي صار الأميركيون على دراية بها من مشاهد رجال الشرطة البيض الذين يرتكبون أعمال عنف ضدّ المدنيين الأميركيين من أصل أفريقي".
وقد تساعد هذه العوامل على تقديم شرح جزئي لسبب تعاطف الرأي الأميركي المتزايد وتحسّنه في ما يخصّ القضية الفلسطينية، لا سيّما في صفوف الشبان في السنوات الأخيرة في بلد تؤكّد حكومته تقديمها دعماً لا يتزعزع لإسرائيل.
ويؤكد كلوغ أنّ الاحتجاجات، بسبب مقتل جورج فلويد وحركة "حياة السود مهمّة" التي سبقتها، أدّت إلى إحداث تحوّل في الحديث عن القضية الفلسطينية لعدد كبير من الناشطين السود، وكذلك بصورة أوسع "في صفوف الأميركيين الشبان من كلّ الأعراق".
ويشير كلوغ إلى النشاط المتزايد في اليسار، ما بين حركات يهودية معادية للصهيونية مثل "الصوت اليهودي للسلام" وحركة "إيف نوت ناو"، وكلتاهما لعبتا دوراً تنظيمياً قوياً في الأسابيع الأخيرة.
ومن جهته، يقول جو بيهانزين الذي خرج أخيراً في تظاهرة في مانهاتن، باستلهام من "حياة السود مهمّة"، إنّ الأمر يتعلق بما وصفه بـ"التضامن العالمي". ويضيف الشاب البالغ من العمر 25 عاماً أنّه يرغب في "الردّ بالمثل" على الدعم العالمي الذي حصلت عليه حركة "حياة السود مهمّة" في عام 2020، موضحاً أنّه يأتي في إطار "الحركة العالمية المتواصلة ضدّ التفوّق الأبيض والاستعمار".
(فرانس برس)