تواصل المدن العراقية تسجيل معدلات مرتفعة لضحايا حوادث السير التي باتت تعلن يومياً في البلاد، مخلّفة أيضاً إعاقات دائمة. ويلقي العراقيون باللّوم على الحكومات المتعاقبة في انهيار البنى التحتية وانعدام الخدمات وعمليات التأهيل والطرق التي يعود تاريخ تشييد بعضها إلى منتصف القرن الماضي.
وللشهر الثالث على التوالي تحتلّ حوادث السير الصدارة في أسباب سقوط الضحايا بالعراق، متقدمة بذلك على ضحايا العمليات الإرهابية والعنف، وكذلك حوادث الحرائق التي تسجّل معدلات مرتفعة بالبلاد.
وفي الأسبوع الحالي، كشفت دائرة الطب العدلي التابعة لوزارة الصحة العراقية ببغداد، عن تسجيل 99 وفاة خلال الشهر المنصرم نتيجة حوادث السير، مؤكّدة أنّ الحصيلة هي الأولى مقارنة بالأشهر الماضية.
وذكر مدير الدائرة زيد علي عباس، في بيان له أنّ "الضحايا 87 رجلاً و12 امرأة، وتفاوتت الحوادث بين انقلاب سيارات واصطدام ودهس، مؤكداً أنّ حوادث المرور باتت ذات خطورة كبيرة وتضاهي عمليات القتل الأخرى، إذ إنها آفة تشكّل هاجساً وقلقاً لدى جميع أفراد المجتمع".
وما زال العراق يعتمد على البنى التحتية الخاصة بالجسور والطرق التي شيّدت بين سنوات 1950 ولغاية 2000، دون أن تقوم الحكومات التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق بإنشاء مشاريع لتوسعة تلك الطرق أو إدامتها بشكل يمنح المسافرين قدراً كافياً من الأمان.
وتضرّرت تلك الطرق نتيجة العمليات العسكرية المتواصلة في البلاد التي سبّبت انهيار قسم كبير من الجسور أيضاً.
رئيس لجنة الخدمات في البرلمان العراقي المنحلّ، وليد السهلاني، قال لـ"العربي الجديد" إنّ الطرق الرئيسية في العراق باتت اليوم سبباً رئيساً للحوادث المميتة، وبات عدد ضحاياها لا يقلّ عن ضحايا الإرهاب. وتحدّث عن جملة من الأسباب، من بينها عدم التزام السائقين السرعة المحدّدة، وضعف الثقافة المرورية، وحاجة الطرق إلى صيانة.
لكن عضو نقابة عمّال وموظّفي النقل في العراق، أحمد الكناني، رفض إلقاء اللوم على السائقين، معتبراً أنّ "السلطات لا تريد الاعتراف بأنّ الناس يحصدون الآن بأرواح أبنائهم، نتيجة الفساد الذي بدأ بالعراق منذ سنوات". وتساءل متحدثاً إلى "العربي الجديد" عن إمكانية السير بسرعة في شارع مليء بالحفر والمطبّات أو من دون إنارة ولا إرشادات مرورية. وأكّد أنّ "السلطات تتحمّل مسؤولية هذا الواقع المأساوي، في الوقت الذي تحوّلت فيه الطرق إلى فخاخ، والعراقيون الآن يستخدمون عبارة الحمد لله على السلامة، حتى لو كانت مسافة الطريق نصف ساعة".
ماهر خالد، أحد سائقي النقل العام بين المحافظات، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "مديرية المرور في العراق تقتطع مبلغ 60 ألف دينار عراقي (نحو 40 دولاراً) بإيصال جباية لصيانة الطرق والجسور منذ سنوات، ولم نلحظ أي صيانة أو إكساء للطرق السريعة والطرق العامة الرابطة بين المحافظات".
ويضيف أنّ "الحوادث المميتة تحصل في كل محافظات ومدن العراق، حتى في تلك المستقرّة التي يجب أن تكون أفضل من غيرها".
علّق على ذلك المقدّم محمد الكعبي، وهو ضابط في مديرية المرور في بغداد بالقول إنه "تُجبى المبالغ من السائقين وتُرسل إلى خزينة الدولة، وهي تكون واردات ليس من حقّ مديرية المرور التصرّف بها في إعمار طرق أو غيرها".
وأقرّ الكعبي لـ"العربي الجديد" بأنّ الغالبية العظمى من طرق العراق اليوم، بحاجة إلى إعادة تأهيل، وبالأخصّ تلك التي هي بين المحافظات الشمالية، ومنها طريق العظيم، وطريق سامراء صلاح الدين، والطريق الذي يربط بغداد بالمحافظات الجنوبية، ويقع عاتق هذا الأمر على هيئة الطرق والجسور.