حملة "القلب الأزرق" لمكافحة الاتجار بالبشر

30 يوليو 2023
60 في المائة من إجمالي ضحايا الاتجار بالبشر نساء وفتيات (منير الزمان/ فرانس برس)
+ الخط -

يعود التنديد بجرائم الاتجار بالبشر إلى الواجهة في الآونة الأخيرة، من خلال فضح ممارسات متعدّدة تصبّ في هذه الخانة، تحت عناوين مختلفة، من دون استثناء أيّ بقعة من العالم. ولعلّ الرصد المتزايد لرحلات الهجرة غير النظامية التي يتورّط فيها متاجرون بالبشر يسلّط الضوء أكثر على الجريمة البشعة، إلى جانب استفحال النزاعات المسلّحة وغير المسلحة، وما يرافق ذلك من نزوح وهجرة وهشاشة.

ووسط الظروف القائمة، اختارت الأمم المتحدة عنوان "لنصل إلى كلّ ضحايا الاتجار بالبشر ولا نترك أحداً خلف الركب" من أجل الاحتفال بـ"اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص" في الثلاثين من يوليو/ تموز من هذا العام، وذلك بعدما كانت قد أقرّته الجمعية العامة للمنظمة الأممية في عام 2013.

وأُدرج هذا اليوم على روزنامة الأمم المتحدة، بعد إقرار الدول الأعضاء بأنّ "كل بلدان العالم تعاني من الاتجار بالبشر". ووُصف الاتجار بالبشر بأنّه "جريمة تُستغلّ من خلالها النساء والأطفال والرجال لأغراض عديدة، بما في ذلك السخرة والجنس". ويوضح القائمون على هذا اليوم أنّه منذ عام 2003، جمع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة معلومات عن 225 ألفاً من ضحايا الاتجار بالبشر الذين كشفت عنهم التحقيقات في كلّ أنحاء العالم.

وتستعيد الأمم المتحدة في عام 2023 حملة "القلب الأزرق" التي كانت قد أطلقتها في وقت سابق، بهدف التوعية بمحنة ملايين الأشخاص حول العالم ضحايا الاتجار بالبشر، بالإضافة إلى تعبئة الرأي العام لمكافحة هذا الشكل من أشكال العبودية المعاصرة. بالنسبة إليها، فإنّ ثمّة جهلاً كبيراً بأشكال العبودية المعاصرة.

وإذ شرح مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أنّ "القلب الأزرق يمثّل حزن ضحايا الاتجار بالبشر وقسوة الذين يرتكبون تلك الجريمة، وكذلك التزام الأمم المتحدة بمكافحتها"، شدّد على أنّ حملة "القلب الأزرق" سوف ترفع التوعية بالجريمة المشينة وتؤكد التضامن مع الضحايا.

وفي الأعوام الأخيرة، اكتُشف مزيد من ضحايا الاتجار بالبشر حول العالم، وراحت الدول تبلّغ عنهم وتدين المتاجرين بهم. ويرجع المعنيون ذلك "ربّما إلى زيادة القدرة على تحديد الضحايا"، أو "ربّما إلى زيادة عدد الضحايا المُتّجَر بهم".

وتتفاقم مخاطر الاتجار بالبشر بسبب الأزمات العالمية والصراعات وحالة الطوارئ المناخية، وفقاً لما يوضح القائمون على اليوم العالمي. ويضيفون أنّ النزوح وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية يؤثّران كذلك على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، ويجعلانهم عرضة للاستغلال من قبل المتّجرين بالبشر. ويبيّنون أنّ ثمّة فئات بحدّ ذاتها تمثّل هدفاً أساسياً للمتّجرين بالبشر، ومن بينها الأشخاص الذين لا يتمتّعون بأوضاع قانونية، والفقراء، والذين يفتقرون إلى التعليم أو الرعاية الصحية أو العمل اللائق، والذين يواجهون التمييز أو العنف أو الإساءة، وكذلك الذين ينتمون إلى فئات المجتمع المهمّشة.

لكنّ الاستجابات الوطنية آخذة في التدهور على الصعيد العالمي، بحسب ما يبدو، لا سيّما في الدول النامية. كذلك انخفضت معدّلات الكشف عن ضحايا عمليات الاتجار بالبشر بنسبة 11 في المائة في عام 2020، وانخفضت الإدانات التي طاولت المتّجرين بالبشر بنسبة 27 في المائة، الأمر الذي يدلّ على "تباطؤ عالمي" في مجال المحاسبة على جرائم الاتجار بالبشر.

ويلفت المعنيون إلى أنّ جائحة كورونا أدّت إلى تغيير خصائص الاتجار بالبشر، فصارت "أكثر سريّة". وقد زاد الأمر، ربّما، من المخاطر التي يتعرّض لها الضحايا من خلال تقليل احتمال لفت انتباه السلطات إلى الجريمة. ففي الواقع، بادر نحو 41 في المائة من الضحايا الذين تمكّنوا من الفرار من محناتهم إلى الاتصال بالسلطات، وهي علامة واضحة أخرى على أنّ الاستجابات لمكافحة الاتجار بالبشر غير كافية.

في ثلاث نقاط مختصرة، يجيب القائمون على "اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص" عن سؤال حول عنوانه لعام 2023، تحديداً معنى "ترك الناس وراء الركب في سياق الاتجار بالبشر". فيشيرون إلى "الفشل في إنهاء استغلال ضحايا الاتجار بالبشر"، و"عدم دعم الضحايا الناجين بمجرّد تحرّرهم من المتّجرين بهم"، و"ترك المجموعات الهشّة التي يمكن تحديدها عرضةً للمتّجرين بالبشر".

ويشرح هؤلاء أنّ حملة عام 2023 تهدف إلى زيادة الوعي بالمستجدّات والاتجاهات المزعجة التي حدّدها أحدث تقرير عالمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بشأن الاتجار بالبشر، وإلى دعوة الحكومات وأجهزة إنفاذ القانون والخدمات العامة والمجتمع المدني إلى تقييم جهودها وتعزيزها من أجل تعزيز الوقاية والتعرّف إلى الضحايا ودعمهم وإنهاء الإفلات من العقاب.

وتفيد بيانات أخيرة أصدرها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بأنّ عمليات الكشف في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل ساعدت في انخفاض ضحايا الاتجار بالبشر عالمياً بنسبة 11 في المائة. كذلك فإنّ الضحايا من الذكور يمثّلون الفئة الوحيدة التي زادت بنحو ثلاثة في المائة منذ عام 2019. أمّا الكشف عن الاتجار من أجل العمل الجبري في عام 2020 فأتى مساوياً للاتجار لأغراض الاستغلال الجنسي، مع أقلّ بقليل من 40 في المائة لكلّ منهما. وانخفض عدد الإدانات على الصعيد العالمي بجرائم الاتجار بالبشر بنسبة 27 في المائة في عام 2020 مقارنة بالعام الذي سبقه. في سياق متصل، فإنّ 60 في المائة من إجمالي ضحايا الاتجار بالبشر نساء وفتيات، و35 في المائة من إجمالي الضحايا أطفال من الجنسَين.

بالنسبة إلى القائمين على حملة عام 2023 الخاصة بـ"اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص"، فإنّه من أجل إنهاء الاتجار بالبشر لا يمكن السماح لهذه الجريمة بأن تُقابَل بلا مبالاة متزايدة وإفلات من العقاب. كذلك لا بدّ من تعزيز القدرة على الصمود في وجه الاستغلال والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الكامنة التي تؤدّي إلى الاتجار. تُضاف إلى ذلك توعية الجميع بموضوع الاتجار بالبشر، وزيادة لفت نظر وانتباه القادرين على إحداث فرق في ما يتعلّق بتغيير السياسات وإدارة الموارد الوطنية، بهدف تعزيز تدابير الوقاية من هذه الجريمة، وتحسين آلية التعرّف إلى الضحايا، وزيادة دعم الناجين، وإنهاء الإفلات من العقاب.

ويبدو المعنيون بهذا اليوم العالمي جازمين وهم يشدّدون على أنّ الاتجار بالأشخاص جريمة خطرة، وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، إذ يمسّ آلاف الرجال والنساء والأطفال الذين يقعون فرائس في أيدي المتّجرين، سواءً في بلدانهم أو خارجها. ويؤكدون أنّ كلّ بلد في العالم يتأثّر بظاهرة الاتجار بالبشر، سواءً أكان البلد منشأً للضحايا، أو نقطة عبور لهم، أو مقصداً لهم.

في هذا الإطار، تتيح اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها المساعدة للدول في سياق جهودها الرامية إلى تنفيذ بروتوكول منع الاتجار بالبشر ومعاقبة المتّجرين بهم.

وبحسب المادة 3 من بروتوكول الاتفاقية، فإنّ الاتجار بالبشر يتضمّن بأشكاله المختلفة، تجنيد الأشخاص أو نقلهم وتحويلهم أو إيواءهم بدافع الاستغلال، أو حجز الأشخاص عن طريق التهديد أو استخدام القوة أو أيّ شكل من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو الابتزاز أو إساءة استخدام السلطة أو استغلال مواقف الضعف أو إعطاء مبالغ مالية أو مزايا، بدافع السيطرة على شخص بحدّ ذاته بهدف استغلاله.

ويشمل الحدّ الأدنى استغلال الأشخاص في شبكات الدعارة، وسائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو العمالة المجانية والسخرة، أو العمل كخدم، أو الاسترقاق، أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو استعباد الأشخاص بهدف الاستخدام الجسماني ونزع الأعضاء.

والاتجار بالبشر، الذي يُعَدّ جريمة قديمة بقدم البشرية، "يتطور" على مدى العصور، فاستخدم المتّجرون كلّ ما أُتيح لهم من "أدوات راهنة" بحسب الزمان. واليوم، في عصر التكنولوجيا، صارت الجريمة أخطر ممّا كانت عليه، إذ تُستغَلّ التقنيات المستجدّة لإيقاع عدد أكبر من الضحايا من فئات أكثر تنوّعاً.

وتحذّر الأمم المتحدة من أنّ المتّجرين بالبشر صاروا بارعين في استخدام منصّات الإنترنت المختلفة، بما في ذلك قنوات التواصل الاجتماعي، ومواقع التسوق، والصفحات الهادفة حصراً إلى تجنيد الضحايا وجذب العملاء. وتدعو إلى ضرورة الانتباه، واتّباع نصائح تقدّمها من أجل "صون سلامتكم وسلامة أحبائكم، ولتجنّب الوقوع في براثن الاتّجار بالبشر".

وفي رسالته الخاصة بـ"اليوم العالمي للاتجار بالأشخاص" لعام 2023، يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إنّ "الاتجار بالبشر انتهاك فظيع من انتهاكات حقوق الإنسان والحريات الأساسية"، شارحاً أنّه "يستغلّ ضعف البشر، ويزدهر في أوقات النزاعات والقلاقل". ويضيف أنّ "عدداً متزايداً من الناس، في الوقت الراهن، يواجه خطر السقوط في مخالب المتّجرين بالبشر في ظروف تستفحل فيها اللامساواة، ووسط تفاقم حالات الطوارئ المناخية، وبلوغ عدد النازحين (في الداخل وخارج الحدود) أرقاماً قياسية".

ويوضح غوتيريس أنّ "الضحايا الذين يُصار إلى التعرّف إليهم هم بغالبيتهم من النساء والأطفال الذين يتعرّض كثيرون منهم للعنف الوحشي، والذين يُجبَرون على العمل القسري، وتُمارَس بحقّهم أبشع أنواع الاستغلال والانتهاك الجنسيَّين". ويدعو إلى "اتّخاذ اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص فرصة لنضاعف جهودنا من أجل التعرّف إلى الناجين وحمايتهم ودعمهم، حتى لا يُترَك أحد من ضحايا ذلك الاتّجار خلف الركب".

المساهمون