حلول ضعفاء إدلب لعلاج الأسنان: مسكنات وقلع

29 يوليو 2023
تكاليف علاج الأسنان أكبر بكثير من المداخيل الشهرية (نظير الخطيب/ فرانس برس)
+ الخط -

يفتش محمد زينو، وهو موظف يقيم في مدينة إدلب شمال سورية في محفظته عن علبة دواء "بروفين" اعتاد أن يبقيها في محفظته كي يتناول حبة واحدة منها لتسكين كل نوبة ألم أسنان جديدة يتعرض لها. يقول لـ"العربي الجديد": "اعتدت منذ عامين على التعايش مع هذا الألم الذي أستعين بمسكنات لمدة يومين لوقفه حين يشتد كثيراً قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها، وأنا استبعدت منذ مدة طويلة فكرة الذهاب إلى طبيب أسنان، فأجور علاجات الأسنان أكبر بكثير من مدخولي الشهري، ما يدفعني إلى تجاهل علاجها، والاكتفاء بتناول مسكنات، مع علمي بأنني سأخسر أسناني تباعاً، لكنني لا أملك أي وسيلة أخرى". ويعتبر محمد بين آلاف المرضى الذين يتعمدون تجاهل مشاكل الأسنان التي يعانون منها نتيجة ضعف إمكاناتهم المادية، وندرة المراكز الصحية التي تقدم هذا النوع من العلاجات في شمال سورية. ويخبر أنه حاول الاعتماد على مراكز صحية تتضمن عيادات أسنان، لكنها مزدحمة دائماً، ولا تستطيع إلا استقبال عدداً محدوداً من المرضى، في حين لا يمكن أن يتجاهل مريض ألمه، ويجلس في انتظار دوره في عيادة مجانية تقدم غالباً خدمات علاج بسيطة واقتلاع فقط.
ويشير إلى أنه لجأ مرة إلى عيادة خاص حيث عالج ضرساً واحداً فقط، ثم لم يستطع الاستمرار بعلاج بقية الأسنان، "لأن كلفة معالجة ضرس واحد مع سحب عصب هي 20 دولاراً، وهذا مبلغ يصعب على موظف مثلي أن يؤمنه في مثل هذه الظروف".
وتتفق أحلام اليوسف مع ما ذكره محمد، وتقول لـ"العربي الجديد": "تعتبر آلام الأسنان من أصعب المشاكل، في حين لا توجد أي عيادة أسنان مجانية في المنطقة التي أعيش فيها غربي إدلب. ودخول عيادة خاصة يتجاوز إمكانات زوجي، لا سيما أن عائلتنا تضم سبعة أفراد، والأمر لا يتعلق بأسناني فقط".
تتابع: "ننفذ اليوم سياسة التجاهل، ونحاول أن ننسى كل درجات الألم، ونعتمد على وسائل بدائية مثل وضع حبة قرنفل مكان الألم إضافة إلى مسكنات. وفي حال اشتد الألم بشكل لا يطاق قد نستعمل حقنة ديكلون التي تعتبر الحل الأخير. أما زيارة عيادة طبيب الأسنان فيبقى حلاً غير مطروح في الوقت الحالي، رغم أننا نعلم أن التجاهل يفاقم المشكلات. وشخصياً قد يجبرني هذا التجاهل على التخلي عن بعض أسناني التي تآكلت، وتكسرت".

تقدم عيادات مجانية خدمات علاجات بسيطة واقتلاع أسنان (نظير الخطيب/ فرانس برس)
تقدم عيادات مجانية خدمات علاجات بسيطة وقلع أسنان (نظير الخطيب/ فرانس برس)

تضيف: "تتمثل المشكلة الأكبر في أن الأطفال أضعف قدرة على احتمال الأوجاع، وأيضاً على الابتعاد عن الأسباب التي تزيد آلام الأسنان. ونحن لا نستطيع إقناع طفل بعدم تناول قطعة حلوى نعلم أنها ستتسبب له بآلام أسنان بعد قليل من تناولها، كما أن تجاهل العلاج أدى إلى ظهور آثار تسوس على أسنان طفلي الذي لم يتجاوز العاشرة من العمر، وأخشى أن يخسر أسنانه في سن مبكرة".

ويقول زياد نجار، من أهالي كفرتخاريم، لـ"العربي الجديد": "يحتاج ابني البالغ 15 من العمر إلى تقويم أسنان، بحسب ما أخبره الطبيب، وحالة أسنانه ستسوء أكثر مع بدء ظهور أضراس العقل، لكنني لا استطيع أن أوفر له هذا النوع من العلاج الذي تصل كلفته إلى 500 دولار". يضيف: "بدأت الحالة السيئة لأسنان ابني تشكل ضغطاً نفسياً عليه. أراقب من بعيد كيف يحاول تغطية فمه عندما يضحك، خاصة بوجود ضيوف. باتت تغطية الفم وطأطأة الرأس نحو الأسفل أمران يلازماه مع أي ضحكة تصدر عنه، ويخبرني أنه يخجل من شكل أسنانه لكنني لا أملك إلا حل الانتظار، فعملي في شركة خاصة لا يغطي مصاريف المنزل، وأفكر أحياناً باستدانة المبلغ لكنني واثق من أنني لن أستطيع تسديده في الظروف السائدة حالياً، لذا أتجاهل الفكرة بالكامل.

العيادات الخاصة مكلفة (نظير الخطيب/ فرانس برس)
العيادات الخاصة مكلفة (نظير الخطيب/ فرانس برس)

وليست حالة سناء محمد، وهي طالبة في كلية التربية، أفضل، وتقول لـ"العربي الجديد": "أملت في الحصول على جهاز لتقويم الأسنان قبل أن أدخل الجامعة، لكن الظروف المادية لعائلتي منعت ذلك. وكنت أشعر بحرج من زميلاتي في بداية الأمر، ثم تعايشت مع الحالي، وبت أتجاهلها باستمرار، خصوصاً بعدما شاهدت حالات عدة مشابهة". وفعلياً تتحكم عدة عوامل في تحديد رسوم العلاج، مثل خبرة الطبيب وتخصصه، والاختلاف في التجهيزات والمواد المستخدمة ومصدرها، علماً أن كلفة العيادة تتراوح بين 3500 و20000 دولار. ويتحدث أطباء عن أن "التكاليف مرتفعة من وجهة نظر المرضى ومداخيلهم، لكننا نرى أنها منخفضة للغاية مقارنة خدمات طبية أخرى. وأجور عمل طبيب أسنان، بغض النظر عن كلفة المواد المستخدمة، أقل بكثير من أجور حرفيين وفنيين في قطاعات صحية أخرى". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

من جهته، يقول الدكتور حمزة العمر، المتخصص في طب الأسنان لـ"العربي الجديد": "لم ترتفع الأسعار بشكل كبير مقارنة بسنوات ما قبل عام 2010، لكن ضعف المداخيل لدى غالبية السوريين جعلهم يعجزون عن متابعة علاجات الأسنان". وعن الأسعار التي يتقاضاها أطباء الأسنان مقابل بعض العلاجات، يقول العمر: "علاج السن بدون سحب عصب وبحشوة تجميلية يبلغ 8 دولارات، أما في حالات سحب العصب فتصل الكلفة إلى 15 دولاراً، وفي حال كانت حالة السن متأخرة قد تصل الكلفة إلى 20 دولاراً، أما قلع سن عادي فكلفته 4 دولارات، في حين تصل كلفة قلع ضرس عقل إلى 6 دولارات، وكلفة القلع الجراحي إلى 50 دولاراً. وهذه المبالغ كبيرة جداً مقارنة بمداخيل مواطني الشمال السوري، لا سيما إذا كانت تضم العائلة أكثر من فرد يعاني من أوجاع أسنان". وعموماً يأمل مرضى كثيرون في أن تزيد المنظمات الصحية دعم عيادات الأسنان، ما يسمح بعلاج أشخاص كثيرين، ولو بالحدّ الأدنى، بدلاً من تجاهلهم تمهيداً للوصول إلى مرحلة اقتلاع الأسنان، وخسارتها بالكامل".

المساهمون