كانت الأفغانية وحيدة بيات طالبة في السنة الثالثة بكلية الحقوق في جامعة كابول، لكن حكومة طالبان منعتها من مواصلة الدراسة، وتقول لـ"العربي الجديد"، إن "التعليم حق لكل مواطن، رجلاً أو امرأة، ولا يمكن لأي شعب أن تتحسن أحواله بدون التعليم، كما أنه حق أعطته الأعراف الدولية لكل شاب وفتاة، ورغم كل ذلك حرمت حكومة طالبان المرأة من حق التعليم مؤخراً، في حين أن العرف الأفغاني لا يعارض حق المرأة في الحصول على التعليم".
تضيف الطالبة الأفغانية أن "طالبان تمنع الفتيات من التعليم بذريعة أنها تطبق الشريعة، في حين أن الشريعة الإسلامية تأمر بمنح المرأة والرجل حق التعليم، وبالتالي فلا يوجد مبرر للمنع غير مزاج الحركة" على حد قولها، مؤكدة أن "الشعب الأفغاني كان يتطلع إلى أن تسمح طالبان لمدارس البنات الثانوية بفتح أبوابها، ولكن قرار طالبان الجديد كان منع الفتيات من الذهاب إلى الجامعات، ما خيب آمال الجميع، والطالبات حالياً في أزمة نفسية كبيرة. أتذكر اليوم الذي منعنا فيه من دخول الحرم الجامعي. كانت الطالبات يبكين بشكل هستيري، ومسلحو طالبان سعداء كأنهم أنجزوا مهمة، أو حققوا نجاحاً كبيراً. قرار طالبان يعني أن مجتمعنا سيكون أمياً في المستقبل، لأن النساء يربين الأجيال، ويعني أيضاً أننا سنكون محتاجين في الكثير من القطاعات إلى الجيران، ولن نقف على أرجلنا من دون مساعدة".
تعرضت بعض الطالبات للضرب من عناصر طالبان لمنعهن من دخول الجامعات
وصدر مرسوم طالبان الجديد في 21 ديسمبر/كانون الأول، بمنع الطالبات من ارتياد الجامعات الحكومية والأهلية، في حين أن الكثير من الطالبات كانت لديهن امتحانات في ذلك اليوم، ولكن القرار منعهن من الدخول إلى الجامعات، حيث وقف مئات من عناصر طالبان على أبواب الجامعات لمنع الفتيات من الدخول إلى الحرم الجامعي، ولم يسمح لهن حتى بتقديم امتحان ذلك اليوم، كما تعرضت بعضهن للضرب، ما أثار غضب الأفغان في المجمل، وحتى المقربين من طالبان، بل واستهجان بعض من قيادات الحركة نفسها.
بعد يومين من صدور القرار، ظهر وزير التعليم العالي، المولوي ندا محمد نديم، ليبين عبر شاشة التلفزيون الرسمي، الدوافع وراء قرار طالبان بإغلاق أبواب الجامعات في وجه البنات بشكل مفاجئ، لكن التبريرات أثارت المزيد من الغضب.
قال المولوي نديم في المقابلة، إنه من بين الأسباب الرئيسية أن بعض الطالبات كن يدرسن في ولايات بعيدة، وكن يسافرن إلى الجامعات من دون رجل محرم، وهذا الأمر غير جائز في الشريعة الإسلامية، مضيفاً أن بعض الفتيات كن يدرسن بعض التخصصات التي لا داعي لها، مثل الاقتصاد والزراعة، كما أن بعضهن لم يكن يراعين ارتداء الحجاب الشرعي في الجامعات، ومن هنا لجأت الحركة إلى إغلاق الجامعات في وجه البنات.
ويعلق الناشط الأفغاني محمد نويد، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إن "كل ما ذكره الوزير غير منطقي أصلاً، إذ سمحت حكومته في عام 2022، للبنات من كل الولايات بالتسجيل في الجامعات، كما أنها سمحت لهن بالتسجيل في التخصصات المختلفة، وبالتالي الحكومة نفسها هي السبب في ما يعترض عليه، أما الحجاب فهو موجود باعتراف طالبان نفسها، والبنات يسكن في مساكن لا يمكن للرجال الدخول إليها، وبالتالي فإن ما قاله الوزير لم يؤد سوى إلى إثارة مزيد من الغضب".
وأضاف نويد: "عند سؤال الوزير إن كانت الجامعات ستفتح أبوابها في وجه البنات قريباً، قال الرجل إننا نعطي للمرأة ما أعطته الشريعة، لكن يبدو أنه يفسر الشريعة كما يحلو له، وقد استدل بحديث نبوي يتفق معظم العلماء على أنه موضوع وليس صحيحاً، ومن العجيب أن يستند قرار مصيري إلى حديث غير صحيح".
يذكر الناشط الأفغاني حركة طالبان بما أعلنته حين كانت تتفاوض مع الولايات المتحدة على الانسحاب في العاصمة القطرية الدوحة، حينها قالت إنها لن تمنع البنات من التعليم، بل ستتيح لهن الفرصة المواتية لتعلم كافة التخصصات تماشياً مع متطلبات العصر، ويتابع: "طالبات تفعل الآن عكس ذلك، وستخسر كثيراً، وقراراتها الأخيرة تزيد الفجوة بينها وبين الشعب الأفغاني، كما تعرقل جهودها الرامية لانتزاع الاعتراف الدولي بها".
وتقول الناشطة زهراء أحمدي لـ"العربي الجديد"، إن "النساء يشكلن نحو نصف المجتمع الأفغاني، وهناك حاجة ملحّة لتعلم المرأة التخصصات المختلفة، لكن لا أدري بأي طريقة تفكر طالبان، وأي مستقبل تريده للشعب الأفغاني. حرمان نصف المجتمع من حق التعليم، وبالتالي من حق العمل، يعني أن الحركة لا تزال منظمة مسلحة، ولم تتحول بعد إلى حكومة، وربما هي لا تريد أصلاً أن تتعامل كحكومة توطد علاقاتها مع الشعب، في حين أنها وصلت بالفعل إلى سدة الحكم، واستطاعت أن تجبر الولايات المتحدة على الانسحاب بمساندة الشعب، لكنها الآن تقمع هذا الشعب الذي دعمها".
وحول الآثار النفسية لتلك القرارات، تؤكد أحمدي أن "طريقة تعامل طالبان مع الفتيات تخلف آثارا نفسية سيئة على هذه الشريحة الكبيرة، وعلى المجتمع الدولي دعم حقوق الفتيات والنساء، بعض الدول تساند طالبان، وترسل لها الأموال، ونحن نطلب من المجتمع الدولي وقف هذا الدعم، حينها ستضطر طالبان إلى أن تغير سياساتها إزاء النساء والفتيات".
في 24 ديسمبر، قررت حكومة طالبان منع النساء من العمل في المؤسسات غير الحكومية الدولية والمحلية، ما حرم الكثير من النساء من مصادر الرزق، في حين أن الكثير من العائلات تعولها النساء، وأثارت تلك الخطوة ردود أفعال دولية كثيرة، فأوقفت عدد من المؤسسات الدولية أنشطتها في أفغانستان، ما حرم آلاف الرجال من العمل أيضاً.
وتقول الناشطة الأفغانية معصومه كوشا، لـ"العربي الجديد"، إن "طالبان أغلقت جميع الأبواب في وجه النساء، خصوصاً فرص التعليم والعمل، حتى إنها أغلقت مدارس كانت مخصصة للنساء. الحركة ترغم مزيداً من قطاعات الشعب على مغادرة أفغانستان، أو الانضمام إلى المعارضة، ما قد يدفع البلاد نحو ويلات حرب أهلية لا تحمد عقباها".
في المقابل، قال وزير المعادن القيادي والعضو السابق في المكتب السياسي لحركة طالبان، المولوي شهاب الدين دلاور، في 27 ديسمبر الماضي، لوسائل إعلام محلية، إن طالبان ستفتح أبواب الجامعات والمدارس في وجه البنات قريباً، وتحديداً بحلول العام الدراسي الجديد، موضحاً أنه لا داعي للقلق.
لكن النشطاء وكثيرا من الطالبات يؤكدون أن تلك الوعود تكررت كثيراً منذ وصول طالبان إلى السلطة، ولم يتحقق أي منها، والشعب الأفغاني يتطلع إلى خطوات عملية، وليس إلى وعود بلا طائل.