حكاية بشرى وجمال الطويل في سجون الاحتلال

23 يونيو 2021
جمال الطويل مندّداً باعتقال بشرى قبل أن يُعتقل بدوره (فيسبوك)
+ الخط -

 

من أجل حريّة ابنته، حرم نفسه الطعام غير آبه باحتمال خوار قواه. هو القيادي في حركة حماس الأسير جمال الطويل (59 عاماً) المتحدر من مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة. هو يرفض أن تضيع أعوام من عمر ابنته في سجون الاحتلال الإسرائيلي، لذا يواصل منذ نحو ثلاثة أسابيع إضرابه عن الطعام في سجنه كوسيلة ضغط على سلطات الاحتلال من أجل الإفراج عن ابنته الصحافية الأسيرة بشرى الطويل (28 عاماً)، وإنهاء الاعتقال الإداري في حقّها المستمرّ منذ التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

اختبرت بشرى كما والدها السجون في سنّ مبكرة، فهي أخذت منه عناده وثباته ضدّ سياسات الاحتلال التنكيلية في حقّ الفلسطينيين لا سيّما الناشطين منهم. ويحاول الاحتلال الانتقام من والدها عبر سجنها، بحسب ما تقول الوالدة والزوجة منتهى الطويل (56 عاماً) لـ"العربي الجديد". وتوضح منتهى أنّها "ليست المرّة الأولى لبشرى التي تُعتقل فيها بشرى. فالمرّة الأولى التي وُضعت الكلبشات (الأصفاد) في يديَها كانت في عام 2011، وقد حكمت عليها سلطات الاحتلال حينها بالسجن 16 شهراً، قضت منها خمسة أشهر قبل أن تتحرّر بموجب صفقة تبادل للأسرى عُرفت باسم وفاء الأحرار، أُبرمت بين حركة حماس وسلطات الاحتلال في العام نفسه، قبل أن تُعتقَل من جديد في عام 2014 وتنفّذ بقيّة حكمها. أمّا والدها فقد كان معتقلاً كذلك في تلك الفترة".

تضيف منتهى أنّ "حكاية بشرى لم تنتهِ حينذاك، فقد اعتقلها الاحتلال من جديد في عام 2017 لتقضي تسعة أشهر في سجونه. وفي عام 2019 اعتُقلت كذلك وقبعت في السجون لمدّة ثمانية أشهر، ليأتي الاعتقال الأخير في عام 2020 والذي ما زال مستمراً حتى اليوم". يُذكر أنّ الأسير جمال الطويل يرفض من جهته القرار الأخير لاستخبارات الاحتلال القاضي بتمديد الاعتقال الإداريّ في حقّ ابنته لمدّة ثلاثة أشهر إضافية، مؤكداً أنّه مستمر في إضرابه عن الطعام المتواصل منذ نحو ثلاثة أسابيع.

الصورة
جمال الطويل وابنته بشرى الطويل في فلسطين 2 (فيسبوك)
تربطهما علاقة مميّزة مذ كانت هي صغيرة (فيسبوك)

منتهى الطويل التي تفتقد الزوج والابنة، تبدو فخورة بالاثنَين وبصلابتَيهما في سجون الاحتلال. تقول إنّ "بشرى اعتادت زيارة والدها في سجون الاحتلال مذ كانت في الثالثة عشرة من عمرها، فهو قضى أكثر من خمسة عشر عاماً في تلك السجون، بواقع يزيد عن 14 اعتقالاً منذ عام 1989، علماً أنّ فترة الحكم الأكثر امتداداً كانت في أثناء انتفاضة الأقصى في عام 2002". وتخبر منتهى أنه "في إحدى الزيارات تحمّلت بشرى مسؤولية أخويها يحيى ونصر الله اللذين كانا يبلغان من العمر أربعة أعوام وعامين، بعدما منعني الاحتلال قصداً من مرافقتهما للزيارة ومنع كذلك ابننا الأكبر عبد الله. وهي على الرغم من صغر سنّها حينها، أجادت التصرّف ورفضت تفتيشها بطريقة مهينة من قبل إحدى المجنّدات. وعندما التقت بوالدها حينها، عبّر عن إعجابه بموقفها ورفضها ذلك التفتيش وأوصاها بعدم زيارته من جديد في حال تعمّد جنود الاحتلال التنكيل بها". ولمّا كبرت بشرى، بدلاً من أن تزور والدها في السجن صارت شريكته في الأسر.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتبدو بشرى ووالدها كأنّهما الجسم وظله لا يفترقان. في المنزل، يستيقظان لأسابيع وأشهر إذ قرّر الاحتلال أن يرتاح قليلاً من اعتقالهما. وفي الصباح الباكر وعلى الريق، يبدآن يومهما في مناقشة القضايا السياسية ومنها قضايا الأسرى. وتقول منتهى إنّ الوالد لطالما حاول تصويب بعض أفكار ابنته، في حين "يخشى عليها الوقوع مثله في دوامة السجون. لذا شرع في إضرابه عن الطعام أخيراً من أجل الإفراج عنها، وهو بحسب ما يبدو لا ينوي المهادنة". وتؤكد منتهى: "زوجي أبو عبد الله معطاء وقد فاجأني بخطوة إضرابه عن الطعام من أجل حرية ابنتنا بشرى. حبّه لها كبير جداً وتربطهما علاقة مميّزة مذ كانت هي صغيرة". لكنّها تشير إلى أنّ مثل تلك الخطوة (الإضراب عن الطعام) ليست غريبة عليه، فهو معطاء كذلك مع أبنائنا الآخرين الثلاثة ومع الناس عموماً".

الصورة
جمال الطويل المعتقل في السجون الإسرائيلية (فيسبوك)
يخشى على ابنته الوقوع مثله في دوامة السجون (فيسبوك)

وتُعدّد منتهى الطويل المتأهّلة من جمال الطويل منذ 33 عاماً، مناقب زوجها وتبدأ بأنّه خلوق وصبور ويتّقي الله في معاملة عائلته والناس. وتشرح أنّه "خلوق وسلوكه يُدلّل عليه، وهو ملتزم بتعاليم دينه. كذلك فإنّه هادئ ومستقرّ ومتأنّ. وهو ليس زوجي فقط بل صديقي الذي أتحاور معه وأتعلّم منه وأتلقّى المعارف والمعلومات. وهو حنون عليّ وعلى كلّ أقاربه وأهالي الأسرى والشهداء والمرضى. وهو يحبّ المطالعة، خصوصاً في خلال اعتقاله، ويطلب منّي على الدوام كتباً معيّنة أرسلها إليه في سجنه". أمّا بُشرى، فهي بحسب والدتها "صاحبة شخصية قوية ولا تخشى قول الحقّ. وهي مُحبّة لمهنتها الصحافة وتحرص على تغطية ما يتعلّق بانتهاكات الاحتلال أو قضايا الأسرى".

تجدر الإشارة إلى أنّ جمال الطويل الذي اعتُقل أخيراً من قبل قوات خاصة إسرائيلية، محتجز حالياً في زنازين عزل سجن هشارون، وقد حُوّل إلى الاعتقال الإداري لمدّة ستة أشهر، علماً أنّه كان مرشّحاً في قائمة حركة حماس "القدس موعدنا" للانتخابات التشريعية التي أُجّلت بقرار رئاسي بعدما كان من المقرر إجراؤها في الثاني والعشرين من مايو/ أيار الماضي. وكان جمال الطويل قد شغل منصب رئيس بلدية البيرة بين عامَي 2008 و2012، في حين يسعى كذلك إلى إنهاء دراسته لنيل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة بيرزيت منذ عام 2012. فإنهاؤها يتطلب ما بين عامٍ واحدٍ وعامَين في الوضع الطبيعي، إنّما بسبب اعتقاله المتكرر لم ينهِ بعد الفصل الأخير ولم يبدأ برسالته.

وتلفت منتهى التي اعتُقلت بدورها في سجون الاحتلال في عام 2010 لمدّة تقارب عاماً واحداً، إلى أنّ "اعتقال زوجي أخيراً جاء عقب إيصاله رسالة استنكار ورفض قاسية لمسؤولين متنفذين في السلطة الفلسطينية، على خلفية تكثيف الأجهزة الأمنية الفلسطينية اعتقالها الناشطين والمؤيّدين للمقاومة والمنتقدين نهج السلطة وتنسيقها الأمني المستمر مع الاحتلال في خلال عدوان الاحتلال الأخير على غزة والتصعيد في القدس والضفة الغربية".

المساهمون