في عام 2015، كانت الصحافيتان علياء ومنى في مهمة صحافية في مدينة الإسكندرية التي تبعد عن مقر إقامتهما في العاصمة القاهرة قرابة أربع ساعات. لم تكن المهمة في قلب المدينة، وإنما في الضواحي، حيث مدينة "وادي القمر" التي تشتهر بتواجد عدد من مصانع الإسمنت.
تحركت علياء ومنى (تم تغيير الاسمين بناءً على رغبتهما) من القاهرة إلى الإسكندرية في قطار السابعة صباحاً. وصلتا عند الحادية عشرة بواسطة القطار السريع. ومن "محطة الرمل" حيث محطة قطار الإسكندرية، استقلتا سيارة أجرة إلى "وادي القمر" التي تبعد نحو نصف ساعة بالسيارة.
بدأت الشابتان مهمتهما الصحافية متنقلتين في أنحاء المدينة الغارقة في غبار الإسمنت. تنقلتا من منزل إلى آخر، ومن بناية إلى أخرى. أجرتا أحاديث مع السكان، والتقطتا صوراً للأضرار الظاهرة على المدينة بأكملها من جراء وجود مصانع الإسمنت.
استغرق بقاؤهما في "وادي القمر" نحو 8 ساعات، وكان من الضروري أن تستكملا حواراتهما الصحافية مع عدد من المسؤولين في مجلس المدينة والمحافظة، فقرّرتا المبيت ليلة في فندق لضمان استكمال الشق الرسمي من مهمتهما الصحافية في اليوم التالي. عندها بدأت المشكلة، إذ لم يوافق أي من فنادق الإسكندرية الكبرى على السماح لهما بالمبيت، باستثناء فندق واحد فخم، لكنه طلب منهما قيمة الحجز بالدولار الأميركي، وليس بالجنيه المصري.
اكتشفت علياء ومنى أنهما تكبدتا عناء التنقل من فندق إلى آخر على طول كورنيش ثاني أكبر مدينة في مصر من دون جدوى. حتى أنّ الفنادق المملوكة للجيش رفضت الحجز لهما على الرغم من أن شقيق منى، الضابط في القوات المسلحة المصرية، أجرى اتصالاً بأحد الفنادق التابعة للجيش لحجز غرفة باسمه، لتتمكن شقيقته وزميلتها من المبيت فيها، لكنّ الأمر لم يكتمل أيضاً بسبب إجراءات إدارية.
حلّت الساعة الحادية عشرة مساءً، فلم تجد الصحافيتان الشابتان بديلاً عن التحرك نحو محطة القطار بحثاً عن قطار متوجه إلى القاهرة، وهو ما حدث بالفعل. استقلتا أحد القطارات المتجهة نحو الوجه القبلي (جنوب) مروراً بالعاصمة، لكنّه كان يقف في كلّ محطات المدن والمراكز، ما يطيل من مدة الرحلة، ويجعل القطار مزدحماً للغاية.
وصلت الصحافيتان إلى القاهرة في الخامسة فجراً، وكان شقيق منى في انتظارهما على باب المحطة بعد الرحلة الشاقة.
تذكرت علياء أحداث هذه الرحلة بالتزامن مع الحديث الجاري في مصر، عن السماح للنساء بالإقامة في الفنادق، والتي دفعت محاميين إلى تقديم دعوى أمام القضاء الإداري ضد رئيس الوزراء ووزيري الداخلية والسياحة ورئيسي المجلس القومي للمرأة وحقوق الإنسان المصريين، لتمكين النساء دون سن الأربعين من الإقامة في الفنادق بمفردهن من دون محرم.
استندت الدعوى إلى أنّه "لا توجد تعليمات أو قرارات مكتوبة بالمنع، وإنّما تعليمات شفهية بمنع المصريات ونساء دول مجلس التعاون الخليجي اللاتي لم يتجاوزن الأربعين، من الإقامة في الفنادق بدون زوج أو محرم".
وتعزو تلك التعليمات الشفوية المعممة على فنادق مصر، القرار إلى "الحدّ من الأعمال المنافية للآداب، أو العمل في تجارة الجنس". لكنّها في الوقت نفسه، تقتصر على سيدات الطبقة المتوسطة والأقل من المتوسطة، ولا تطبق كثيراً في فنادق النجوم الخمس أو السبع، التي تحرص على الحفاظ على سمعتها الدولية، وتخشى المساس بقضايا التمييز السلبي ضد النساء.
بالعودة إلى الدعوى القضائية، فقد أقامها المحاميان هاني سامح وصلاح بخيت، أمام القضاء الإداري، والهدف منها بحسب المحاميين هو "إلغاء القرار والتعليمات الأمنية والتنبيهات الصادرة عن وزارة الداخلية للفنادق وجميع المنشآت ذات الصلة، وبالأخص فنادق النجمة الواحدة والثلاث نجمات، بعدم السماح للسيدات المصريات، أو مواطنات دول مجلس التعاون الخليجي اللواتي تقل أعمارهن عن 40 سنة، بتسجيل الوصول بمفردهن، أو الإقامة من دون أزواجهن، أو أقاربهن من الذكور".
واستندت الدعوى إلى "قواعد مكتوبة تضعها بعض الفنادق في مواقع الحجز الإلكتروني، وتنص على عدم السماح للنساء المصريات أو حاملات جنسية دول الخليج العربي تحت الأربعين بالإقامة لديها"، وإلى واقعة حدثت في أغسطس/ آب 2020، تم فيها منع بعض عضوات المركز المصري لحقوق المرأة، الذي تديره الحقوقية نهاد أبو القمصان، من الإقامة في فنادق بمحافظات مصرية، لأنّهن كنّ من دون مرافق، وكذلك تقارير وقصص صحافية كثيرة حول منع النساء تحت الأربعين من الإقامة.
وتعد هذه التعليمات الشفهية ضد النساء مخالفة للمادتين 11 و53 من الدستور المصري الخاصتين بالمساواة وعدم التمييز بين الرجل والمرأة، وكذلك المادة 62 التي تكفل حرية التنقل والإقامة، فضلاً عن مخالفتها للقانون المصري الذي ينصّ على عقوبات بشأن أي عمل، أو الامتناع عن عمل، من شأنه التمييز بين الأفراد، أو الإساءة لهم، أو الحط من شأنهم.
وأرجئت الدعوى القضائيّة التي تطالب بإلغاء القرار والتنبيهات الصادرة من وزارة الداخلية للفنادق والمنشآت ذات الصلة وبالأخص فنادق النجمة الواحدة والثلاث نجوم، بعدم السماح للمصريات أو مواطنات دول مجلس التعاون الخليجي اللواتي تقل أعمارهن عن 40 سنة بتسجيل الوصول بمفردهن والإقامة دون أزواجهن أو أقاربهن من الذكور، لجلسة 17 يوليو/ تموز المقبل للرد والاطلاع.
وأصدرت وزارة الداخلية بياناً جاء فيه: "نفى مصدر أمني ما جاء في دعوى قضائية بشأن طلب إلغاء القرار، والتعليمات الصادرة للفنادق والمنشآت السياحية، بعدم السماح للمصريات أو مواطنات دول مجلس التعاون الخليجي اللواتي تقل أعمارهن عن 40 عاماً بالإقامة بها من دون محرم. أضاف المصدر عدم وجود تعليمات أو قرارات للفنادق والمنشآت السياحية في هذا الشأن".
ووصل الجدال إلى البرلمان بعد تقديم النائبة عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي أميرة صابر قنديل، طلب إحاطة موجها إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير السياحة والآثار خالد العناني، بشأن التضييق على إقامة النساء بالفنادق. وقالت في بيان إنّ "عدم السماح للنساء بالإقامة في الفنادق يعد تمييزاً ضد المرأة وحجراً على أهليتها القانونية، وفرض وصاية قبلية تتنافى مع مدنية البلاد، وهدراً لحقوق المرأة الدستورية كمواطنة مكتملة الأهلية. كما يعد هذا تناقضاً صارخاً مع التقدم الذي يشهده ملف تمكين المرأة في كافة المجالات".
ونفت مصادر في غرفة المنشآت الفندقية وجود مثل تلك التعليمات. لكن يبقى السبب الحقيقي الخفي وراء هذه التعليمات هم رجال الشرطة والمباحث، إذ ليس خفياً على أحد أنّ الفنادق المصرية تورد كشوفاً بأسماء النزلاء وصور هوياتهم إلى أقسام الشرطة التابعة لها بشكل يومي، ورجال الشرطة والمباحث يتولون بعد ذلك تقسيم الهويات بين المطلوبين أمنياً والمطلوبين في مباحث الآداب.
ويتوقع مراقبون أن يصدر القضاء الإداري حكماً يخالف تلك العقيدة الأمنية الراسخة في عقل النظام الحاكم، من أجل الانتصار لحقوق المرأة.
ومؤخّراً، تم تداول منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، لموظفي استقبال في عدد من الفنادق المصرية الشهيرة، يتحدثون بسخرية عن عدم تمكين سيدة بمفردها، أو شابتين دون 25 سنة، من المبيت في الفندق، وسخرية من حق المرأة في المطالبة بالإقامة في الفندق أسوة بالرجال، وأن السماح للنساء بالحجز في الفنادق يعني تحولها إلى "بيوت دعارة مفتوحة".
لكن، يظلّ السبب الحقيقي الخفي وراء هذه التعليمات، هو رجال الشرطة والمباحث، فلا يخفى على أحد أنّ الفنادق المصرية تورد كشوفاً بأسماء النزلاء، وصور هوياتهم إلى أقسام الشرطة التابعة لها بشكل يومي، ويتولى رجال الشرطة والمباحث بعد ذلك تقسيم الهويات بين المطلوبين أمنياً، والمطلوبين في مباحث الآداب، وغير ذلك. ومن غير المتوقع أن يصدر القضاء الإداري المصري حكماً يخالف تلك العقيدة الأمنية الراسخة في عقل النظام الحاكم، من أجل الانتصار لحقوق المرأة.