كنتيجة لغياب شبكة صرف صحي، يلجأ فلسطينيون في قرى وبلدات الضفة الغربية، إلى إنشاء حفر امتصاصية قريبة للمنازل، وذلك على أساساتها بالذات، وعلى آبار المياه أيضاً، ما يمكن أن يعرض حياتهم لخطر جدّي
ليس سهلاً على السيدة الفلسطينية، انتصار الشوامرة، من بلدة دير العسل في مدينة دورا، جنوبي الخليل، جنوبي الضفة الغربية في فلسطين المحتلة، أن يلتئم جرحها وألمها العميقان، حتى بعد سنوات، بعد الحادث الأليم الذي أودى بحياة زوجها فوزي (43 عاماً)، وابنها (محمد 16 عاماً)، وثلاثة من أشقائها؛ حماد (31 عاماً)، وبدوي (33 عاماً)، وأمجد (37 عاماً)، وابن عمها؛ محمد وائل الشوامرة (31 عاماً)، بعد انهيار حفرة امتصاصية للصرف الصحي بهم، أثناء عملهم فيها، نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي.
انتصار الشوامرة لم تتمكن حتى الآن من العودة إلى منزلها، فالحادثة وقعت بالقرب منه، حيث كانت تعيش مع أطفالها الخمسة قبل أن يصبحوا أربعة أيتام، وفق ما يؤكد شقيقها، رياض الشوامرة لـ"العربي الجديد". ولم يزر أيّ مسؤول في سلطة المياه، أو محافظة الخليل، عائلة الضحايا، واقتصر الأمر على حضور وزير سابق إلى بيت العزاء. يقول ابن انتصار، رسمي الشوامرة لـ"العربي الجديد": "المسؤولون لم يكلفوا أنفسهم عناء إغلاق الحفرة الامتصاصية التي ابتلعت أرواح ستة من العائلة، ومنعوا العائلة من الاقتراب منها". يوضح الشوامرة بصبر وتماسكٍ لافتين، ويقول: "أطالب بتمديدات صحية لمنطقة دورا، فنحن منطقة منكوبة، ولا خدمات جيدة تقدم للسكان، لم يجئ إلينا أي وزير، ولا مُحافظ الخليل زارنا عقب الحادثة، جاء إلى بيت العزاء وزير سابق، ألقى كلمة وغادر، ولم ندرِ عمّا كان يتحدث؟ لا أظن أنه قد سمعه أحد"!
من جهته، يقول الصحافي والناشط، إياد الرجوب، من دورا لـ"العربي الجديد": "الحفر الامتصاصية التي يبنيها السكان بمحيط منازلهم قد تؤدي بمرور الوقت إلى تآكل أساسات المنزل، وبالتالي زيادة احتمال انهياره، عدا عن تصدعات في جدران المنزل، والوصول إلى النتيجة نفسها". ويوضح الرجوب: "ما يحدث هو أنّ مياه الحفر الامتصاصية قد تتسرب إلى الآبار القريبة، وهذا ما يؤثر على طعم المياه، وعلى صحة الإنسان، أي إنّ الضرر والموت لن يقعا بالضرورة، لكن كما حدث مع الضحايا الستة في قرية دير العسل مؤخراً فمن المحتمل وقوعهما".
وشكلت فاجعة دير العسل ردة فعل صادمة لدى السكان، ليجددوا مطالبهم للمسؤولين بالاهتمام أكثر بحال القرى والأرياف، إذ يقول المواطن، ياسر الشوامرة، من قرية دير العسل لـ"العربي الجديد": "الحادثة شكلت رعباً لدى السكان، فهم لا يجرون تخطيطاً عند بناء الحفرة، كما أنّ مناطقنا في دورا جبلية، وليس أمامنا مجال لبناء الحفرة بعيداً عن منازلنا. نحن نطالب المسؤولين بالبدء بمشاريع لمعالجة مسألة الحفر الامتصاصية".
وبعد ساعات من حادثة دير العسل التي فجع السكان بها، خرج تصريح عن سلطة جودة البيئة الفلسطينية، تحدث فيه مديرها في الخليل بهجت جبارين، عن نحو 80 ألف حفرة امتصاصية في محافظة الخليل، جميعها يشكل قنابل موقوتة قد تودي بحياة مزيد من الضحايا، في ظل غياب شبكة صرف صحي في مناطق الضفة الغربية، أما نسبة تغطية الشبكة الموجودة فهي 55 في المائة، أغلبها في المدن، أما الخليل وهي كبرى محافظات الضفة الغربية، فحصتها من هذه التغطية 15 في المائة فقط.
عن منطقة دورا التي تضم أكر من 90 قرية وخربة، وتتبع لها قرية دير العسل، يقول عضو المجلس البلدي في دورا سابقاً، علي أبو زنيد، لـ"العربي الجديد": "ليس في منطقة دورا، أيّ شبكة صرف صحي، وقد مددت الأنابيب لمشروع شبكة، قبل أكثر من ثمانية أعوام، وواجهت البلدية حينها مشكلة نقل مياه الصرف الصحي، بتقاطعه مع الخط 60 الاستيطاني الإسرائيلي، فلم نستطع الحصول على تصريح من الجهات الإسرائيلية لتمرير الأنابيب إلى منطقة الفوار المجاورة لإتمام العمل". يوضح أبو زنيد أنّ بلدية دورا حاولت إنشاء محطة تنقية للصرف الصحي بالتعاون مع الحكومة التركية، لتشغيلها وإن بسعة 500 كوب يومياً، وذلك قبل نحو أربعة أعوام، ويقول: "انقطعت بعد ذلك عن معرفة الخطوات التالية في المشروع، لأنّني غادرت أنا وزملائي، وجرت انتخابات بلدية، تغير فريق العمل فيها".
في بلدية دورا، ينفي مسؤول لجنة المياه والصرف الصحي، سامر عمرو لـ"العربي الجديد"، علمه بأيّ مشروع فلسطيني - تركي حول المحطة، وأنّ المسألة منوطة بعمل سلطة المياه. وحول شبكة الصرف الصحي القديمة التي تغطي أجزاءً قليلة من منطقة دورا، وهي شبكة غير فعالة أنشئت عام 2000 بتمويل إيطالي، يوضح عمرو: "لم يكتمل عمل الشبكة، التي تغطي أصلاً 35 في المائة من مناطق دورا، وكان من المفترض أن تربط بمحطة تنقية، وأن يستكمل تمديد الأنابيب وهذا ما لم يحصل، لأنّ كلفة المشروع مرتفعة".
أنظمة الصرف الصحي في فلسطين، تعمل أقل من المطلوب، وليس كما يجري مع القطاعات الأخرى، خصوصاً في المناطق البعيدة عن مراكز المدن الرئيسية، والسبب يعود إلى أنّها أكثر مشاريع البنية التحتية كلفة، لا سيما إنشاء وتمديد الشبكات، بحسب ما يقول مدير مجالس الخدمات المشتركة في وزارة الحكم المحلي الفلسطينية، سليمان أبو مفرح، لـ"العربي الجديد". يوضح أبو مفرح أنّ معظم الجهات المانحة تحاول تجنب الإنفاق على قطاع الصرف الصحي، لأنّه يحتاج إلى مبالغ هائلة، بالإضافة إلى أنّ الأمر لا تبرز نتيجته بوضوح، ويقول: "الممول يفضل رؤية إنجازاته فوق سطح الأرض". وحول دور وزارة الحكم المحلي، يؤكد أبو مفرح أنّه مرهون بدور البلديات والمجالس المحلية التي تدير خدمات الصرف الصحي أحياناً، أما عمل الصرف الصحي كقطاع كامل وقائم فهو مسؤولية سلطة المياه.
100 مليون دولار أميركي سنوياً، تحتاجها سلطة المياه على مدار العشرين عاماً المقبلة، لإتمام وإصلاح شبكات الصرف الصحي في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، بحسب مسؤول دائرة الصرف الصحي في سلطة المياه عادل ياسين. يقول ياسين لـ"العربي الجديد": "نحن نعطي الأولوية في إنفاق أموال المشاريع مع الجهات المانحة، لإصلاح واقع المياه، خصوصاً في جنوب الضفة الغربية، ومن 2011 حتى 2016، جرى إنفاق 500 مليون دولار، على مشاريع المياه بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي رفضت إنشاء شبكة صرف صحي لمنطقة دورا، جنوبي الخليل، خلال المشروع المذكور، بعد دراستها للجدوى المالية والتكاليف المطلوبة".
أما مشروع تمديد شبكات الصرف الصحي في دورا، الممول من إيطاليا، فيخالف عادل ياسين ما صرح به عضو مجلس بلدية دورا ومسؤول الصرف الصحي فيها سامر عمرو من أنّ "سبب وقف المشروع يتعلق بالجانب المالي" إذ يقول ياسين: "سلطة المياه أوقفت العمل بالمشروع لأنّه يؤدي إلى مشاكل صحية وبيئية في منطقة سكنية، وغير ملائم للتقنية المستخدمة" وهو ما يثير التساؤل حول طبيعة الإجابات المختلفة لجهات رئيسية في مشروع الشبكة؛ سلطة المياه أولاً ثم البلدية. وبالسؤال عن الدور الرقابي الاستباقي لسلطة المياه قبل بدء أيّ مشروع، وبالتالي تجنب الإنفاق وتجنب توقيع الاتفاقيات، وحول الأموال التي أخذت من المانحين ولم تصرف لأنّ المشروع لم يكتمل، يجيب مسؤول دائرة الصرف الصحي في سلطة المياه عادل ياسين: "من كان مسؤولاً عن المشروع والاتفاقية مع المانح الإيطالي، هو وزارة الحكم المحلي، وليس سلطة المياه، ونحن طلبنا عدم تشغيل الشبكة وأوقفنا العمل عليها". لكن وزارة الحكم المحلي تنفي، في المقابل، أن يكون لها دور في هذا القطاع.
يفجر رئيس بلدية دورا أحمد سلهوب، في تصريحات حصرية لـ"العربي الجديد" مفاجأة جريئة غير معهودة لرئيس بلدية يتبع مباشرة لإدارة إحدى وزارات الحكومة، ومكونات السلطة التنفيذية، بتكذيب سلطة المياه بالقول حرفياً: "سلطة المياه تكذب علينا، أضاعت أموالنا وتجب محاسبتها. المشروع الإيطالي لشبكة الصرف الصحي، غير صحيح أنّه مخالف للمعايير. سلطة المياه تكذب وهي من خططت وتسلمت الأموال، وهي الجهة القائمة على المشروع". ولا يرتبط الأمر فقط بأنّ سلطة المياه هي جهة رئيسية في مشروع الشبكة المزمعة، وهو ما نفته لـ"العربي الجديد"، ويؤكده رئيس بلدية دورا وأعضاء في مجلسها البلدي، بل أيضاً أنّ أسباب وقف العمل على الشبكة بالرغم من صرف أموال طائلة وهي مخالفة المعايير ومنها البيئية، هي ليست الأسباب نفسها التي تقدمها سلطة المياه، لبلدية دورا وأهالي المنطقة. ويعلق سلهوب، بغضب واضح: "نحن - أهالي دورا - يقدمون لنا، كلّ عام، وعوداً بإنشاء شبكة صرف صحي ولا يفعلون، ألا يستحق 150 ألف نسمة في مدينة دورا وقراها، يعيشون على مساحة جغرافية تقارب 145 ألف دونم، إنشاء شبكة صرف صحي؟ سأتحدث للإعلام واذكروا اسمي: سلطة المياه تكذب وتسرق أموالنا".