غالباً ما يتطلب ضبط موعد مع صاحب مهنة حرفية في الجزائر، بحسب اللهجة العامية "ماصو" أو "بلومبي" أو "صبّاغ"، أسابيع لتنفيذ أشغال قليلة، وإصلاح أضرار بسيطة، وذلك مقابل أسعار مرتفعة يُرغم رب العائلة على دفعها، والرضوخ للواقع.
ومع تزايد توسيع مواطنين مساكنهم وتحسينها، أو بناء أخرى جديدة، وتنفيذ مشاريع لتوزيع السكن الاجتماعي، وترحيل سكان إلى عمارات جديدة، أصبح البحث عن حرفيين لتنفيذ أشغال أمراً ملحاً وضرورة حتمية، إلا أن غالبية الجزائريين يشتكون من قلة اليد العاملة المؤهلة وأصحاب الحرف المحترفين، إضافة إلى صعوبة الحصول على مواعيد لتنفيذ أعمال، ومطالبة الحرفيين بمبالغ كبيرة خاصة في المدن الكبيرة، مثل الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة وعنابة.
وقد تمتد متاعب أصحاب المنازل إلى ما بعد موافقة الحرفي على تنفيذ الأشغال، باعتبار أنه يمكن أن يغيب أياماً بسبب ارتباطه بأشغال أخرى، أو يتحجج بالمرض وبمواعيد عائلية، ما يعني أن بناء جدران غرفة واحدة مثلاً قد يستغرق أياماً. كما قد يقضي الدهان ساعات طويلة لترميم جدار واحد، أو يتعمد مهنيون آخرون خرق المواعيد المتفق عليها لإنجاز شبكة للمياه أو الكهرباء، ما يدفعه إلى إعادة الأشغال من جديد، فيضاعف التكاليف بالنسبة إلى صاحب البيت.
يقول حمادة الطاهير، المسؤول في إدارة عامة بمحافظة تيبازة، لـ"العربي الجديد": "حصلت على مسكن في برنامج مدعوم، لكن الديكور الداخلي لم يعجبني فقررت إعادة تهيئة المسكن وتجميله، وتركيب جهاز تدفئة ذكية، فبدأت رحلة العذاب في البحث عن بنّاء محترف لمدة أكثر من شهرين، واضطررت إلى قبول السعر العالي المعروض علي لتنفيذ الأشغال، فكلفني المشروع 1500 دولار خلال مدة لا تزيد عن شهر".
أما سامي غبريني من محافظة البليدة، وهو صاحب شركة تنفذ مشاريع بناء، فيؤكد لـ"العربي الجديد" أنه اضطر أخيراً إلى مضاعفة رواتب الحرفيين الذين يتعامل معهم من أجل تنفيذ أشغال خاصة بمبنى يتولى تشييده بالتعاون مع قطاعات عامة ضمن الآجال المحددة خوفاً من التعرض. وهذا الوضع يعيشه كثير من المقاولين في الجزائر بسبب قلة الحرفيين وزيادة الطلب عليهم في السنوات الأخيرة، خاصة بعد إطلاق برنامج مليون سكن".
واللافت أنه رغم الإستراتيجية التي وضعتها الدولة في السنوات الأخيرة لتشجيع الشبان على تلقي التعليم المهني في مختلف الحرف تمهيداً لدخول عالم الشغل من بابه الواسع، وبينها تسهيل الإجراءات الخاصة بالتحاق التلاميذ المتسربين من المدارس بمراكز التكوين المهني، وإجراء دورتين كاملتين في سبتمبر/ أيلول وفبراير/ شباط، إلا أن الملاحظ عزوفهم عن التكوين في هذه الشعب، في مقابل التوجه إلى التجارة والربح السريع، أو التفكير في السفر إلى أوروبا لتحقيق هدف تحسين أوضاعهم.
وبادرت وزارة العمل، بالتنسيق مع وزارة التكوين المهني، أخيراً إلى تحديد المستفيدين من منح البطالة من أجل تكوينهم في مختلف التخصصات والحرف، وتحضير دمجهم في مناصب عمل بمختلف المؤسسات الاقتصادية العمومية والخاصة، ومنحهم فرصاً مناسبة لنيل شهادات وتعلّم حرف يعتمدون عليها في المستقبل للخروج من البطالة.
في المقابل، يجمع حرفيون تحدثت معهم "العربي الجديد" على أن المقابل المادي الذي يتقاضونه عن أعمالهم يبقى قليلاً مقارنة بالإرهاق والمجهود البدني الذي يقومون به، والأمراض المصاحبة لها مثل إصابات الظهر والمفاصل، سواء بسبب الوقوف أو الجلوس على الركبة لفترة طويلة".
ويقول توفيق مقراني، وهو بنّاء من الجزائر العاصمة، إن "إنجاز جدار من قرميد أحمر يكلف 4 دولارات على الأقل للمتر المربع الواحد، أما تركيب خزف فيكلف 6 دولارات على الأقل للمتر المربع الواحد، بحسب الحجم والنوع. وقد أتقاضى 50 دولاراً في اليوم الواحد، لكن رغم قيمة هذه الأرباح يدفعني الارتفاع الكبير في تكاليف الحياة اليومية وغلاء المعيشة وانعدام التأمين والطابع الموسمي لحرفهم وتكاليف علاج الآلام المصاحبة للمهنة، إلى رفع الأسعار لتعويضها، وضمان قوت عائلتي".
وكان الحرفيون عانوا مادياً من توقف المشاريع السكنية وإغلاق الورش في زمن جائحة كورونا، ما جعلهم في بطالة حتمت توجه كريم بن شامة، وهو صاحب مؤسسة صغيرة متخصصة في التجهيزات الصحي الى العمل في مدن كبيرة عن طريق وضع خدماته عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
الجزائر: "ألو خدمة" و"ألو حرفي"
مع تزايد استعمال تطبيقات الهواتف الخليوية ووسائل التواصل الاجتماعي، ابتكر شبان تطبيقات تسهّل حصول المواطنين على حرفي محترف للقيام بأشغال تحسينات وإصلاح أضرار داخل البيوت.
وأطلق يوسف دوحة تطبيق "ألو خدمة" الذي يلبي احتياجات المواطنين من الخدمات الحرفية بعيداً من الشكل التقليدي والبحث العشوائي، من أجل توفير حل سريع يختصر الوقت الذي يحتاجه رب المنزل أو صاحب العمل لإنهاء أزمة التصليح.
ويجمع التطبيق حرفيين في مختلف المجالات ومن جميع المناطق يحققون هدف الحصول على الزبائن.
أما دليلة بن تلمساني فأطلقت تطبيق "ألو حرفي" الذي يسهّل مهمة إيجاد حرفيين خلال مدة زمنية قصيرة، ويشكل منصة مناسبة لترويج الحرفيين خدماتهم، وعرضها إلكترونياً مقابل مبلغ اشتراك رمزي، ما يسهّل عملية اتصال الزبائن بهم.