حرائق تركيا... خمس ولايات "منكوبة" وخسائر كبيرة

01 اغسطس 2021
متطوع يشارك في إطفاء الحرائق (سيزغين بانكار/ الأناضول)
+ الخط -

لليوم الخامس على التوالي، يستمرّ اشتعال حرائق ضخمة في ولايات تركية عدة جنوبي البلاد وجنوب غربيها، بدأت شرارتها من الغابات الخضراء ضمن الأماكن السياحية الأشهر فيها، وامتدت لتلتهم عدداً كبيراً من القرى وتقتل البعض وتصيب المئات بجروح وحالات اختناق. وأدت الحرائق المشتعلة إلى خسائر كبيرة في المنازل والممتلكات الخاصة والثروة الحيوانية، ووصلت إلى أطراف الفنادق السياحية الشهيرة في هذه الولايات، خصوصاً في مناطق تابعة لولاية أنطاليا ومنطقة مرمريس السياحية الشهيرة، بولاية موغلا.
وأعلن وزير الزراعة والغابات التركي، بكير باك ديميرلي، أمس، السيطرة على 88 حريقاً من أصل 98 حريقاً اندلع في غابات 26 ولاية تركية مختلفة ما بين الخميس الماضي وأمس السبت. وعادة ما تشهد البلاد اندلاع حرائق محدودة في هذه الفترة من كلّ عام. إلّا أن كثافتها وحجمها وسرعة انتشارها كان لافتاً، في وقت ما زالت الجهود مستمرة براً وجواً وعلى مدار الساعة، بحسب المسؤولين، للسيطرة على الحرائق المشتعلة. 

مناطق منكوبة
من جهته، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولايات أنطاليا وموغلا ومرسين وعثمانية وأضنة "مناطق منكوبة" من جراء الحرائق. وتشمل الولايات 18 منطقة شهدت اندلاع حرائق، علماً أنّ بعضها ما زالت النار مشتعلة فيه. وأسفرت الحرائق عن مقتل 6 أشخاص وإصابة المئات بجروح وحالات اختناق.
وتُواصل فرق الإغاثة والطوارئ التركية "آفاد"، إخلاء عدد من القرى التابعة لمنطقة غيبيجة في ولاية أنطاليا، حيث ما زالت الحرائق مشتعلة مقتربة من قرية أحمدلار، ما أدى إلى إخلاء المواطنين منها عبر المركبات المتوفرة في القرية وسيارات فرق الإغاثة، وقد نقلوا إلى منطقة آمنة وحصلوا على مساكن خاصة، من بينهم 8 أشخاص ذوي إعاقة، ومسنون، فيما قُطعت الطريق البرية الواصلة بين منطقتي مرمريس وداتشا السياحيتين، بسبب الحرائق المستمرة. 

أضنة (إيرين بوذكورت/ الأناضول)
هذا ما فعلته الحرائق في أضنة (إيرين بوذكورت/ الأناضول)

وتتركز الجهود على إطفاء الحرائق بداية، تتبعها عمليات تبريد منعاً من اشتعالها مجدداً، بالإضافة إلى عزلها حتى لا تتمدد. 
وأعلنت وزارة الزراعة والغابات، في بيان، تسخيرها فرقاً كبيرة لعمليات الإطفاء منذ بدء اندلاع الحرائق، بعد انتقادات المعارضة بسبب ما قالت إنّه بطء في عمليات الإغاثة والإطفاء ونقص في المعدات، مشيرة إلى أنّ الوزارة سخرت 6 طائرات إطفاء، و45 مروحية، و9 مسيرات، ومروحية مسيرة، ودبابة إطفاء واحدة، و1080 سيارة إطفاء، و55 جرافة مختلفة الأحجام، فضلاً عن مشاركة أكثر من 4 آلاف عنصر في عمليات الإطفاء المتواصلة دون انقطاع. 
كما قال أردوغان إنّه جرت الاستعانة بطائرات إطفاء قادمة من أوكرانيا وأذربيجان وروسيا في جهود عمليات الإطفاء، من دون تحديد عددها، في حين وجهت المعارضة انتقادات شديدة لعدم وجود طائرات إطفاء كافية. ويقول رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كلجدار أوغلو، إنّ لديهم في الحزب مقترحات لعمليات الإطفاء، لكنّه فشل بالتواصل مع رئيس هيئة الطيران التركية، جناب أشجي.

بداية، اشتعلت الحرائق في منطقة مانافغات قبل أن تنتقل إلى مناطق أخرى، وتشتغل بالتوازي في ولايتي أضنة وموغلا. ويعزو خبراء سبب الحرائق وسرعة انتشارها إلى ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسبة الرطوبة بشكل كبير، وهبوب رياح جافة ساهمت في تهيئة البيئة المناسبة للحرائق، وانتشارها بشكل سريع. في الوقت نفسه، أكد وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، المتواجد في المنطقة، أنه جرى اعتقال 3 أشخاص مشتبه بهم في افتعال الحرائق، ويتم التحقيق معهم للتأكد من وجود شبهات بافتعال تلك الحرائق. 
وكانت هناك حالة من التعاطف والتعاضد على وسائل التواصل، أدت إلى تصاعد حملات التبرع من أجل إعادة تشجير الغابات الخضراء وإعادتها إلى حالها السابق، خصوصاً خلال بداية موسم الخريف المقبل والذي يرافقه هطول للأمطار.  

خسائر كبيرة
أظهرت اللقطات المصورة التي تداولتها وسائل الإعلام خسائر كبيرة في البيوت المحترقة، سواء التاريخية منها والعادية، فضلاً عن تضرر الآليات المختلفة والمزارع والأشجار المثمرة والبيوت البلاستيكية، بالإضافة إلى الثروة الحيوانية. 

الحرائق تلتهم منطقة في أنطاليا (مصطفى زيفتسي/ الأناضول)
الحرائق تلتهم منطقة في أنطاليا (مصطفى زيفتسي/ الأناضول)

وبحسب التقديرات الأولية، قضت الحرائق على نحو 150 ألف رأس من الثروة الحيوانية من أبقار وأغنام ودواجن وآلاف خلايا النحل. كما قضت الحرائق على عشرات القرى حيث تم إجلاء السكان، في ظل نقص الخدمات وتدمير البنى التحتية. وناشد الأهالي بتأمين الدعم الفوري لهم بسبب الخسائر الفادحة التي لحقت بهم. ووعدت الحكومة بتعويض المتضررين بعد انتهاء حصر الأضرار. وأظهرت لقطات متداولة اقتراب الحرائق من السواحل السياحية والفنادق الفخمة وخصوصاً في ولاية أنطاليا ومنطقة مرمريس، حيث شاهد السياح الحرائق في ظلّ جهود الإطفاء المستمرة.
إلى ذلك، يقول مختار قرية أحمدلار، شكري زور، لـ "العربي الجديد" إنّ الحرائق "اقتربت بشكل كبير من القرية (تقع في منطقة منافغات بولاية أنطاليا) فنقل الأهالي إلى مناطق أكثر أمناً، خصوصاً كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، في وقت بقي عدد قليل من الشبان فيها ليكونوا آخر من يخلي القرية، لا سيما أنّ الحرائق حالياً تقع على بعد 10 كيلومترات من القرية، إلّا أنّ الظروف المناخية قد تؤدي إلى سرعة وصولها إليها". يتابع: "الأمر مؤلم ومحزن، لكنّ أرواحنا أهم ونأمل ألّا تصل الحرائق إلى القرية، بل تنتهي عند هذا الحد، وألّا يتضرر أيّ شخص آخر، بالإضافة إلى تعويض جميع المتضررين مما حصل".

من جهته، يقول المواطن سردار إراي لـ"العربي الجديد": "للأسف، فقدتُ عدداً كبيراً من رؤوس الماشية خصوصاً الأبقار. لم أتمكن من إنقاذ سوى عدد قليل، إذ حاصرتنا الحرائق في كلّ مكان، وكانت أصوات الحيوانات تدلّ على حالة خوفها، من جراء الحرارة العالية الناتجة عن الحرائق، وقد دمرت البيوت البلاستيكية وأطناناً من الأعلاف والأسمدة والمؤن والأطعمة المخزنة، ولم يبق سوى القليل من الماشية والماعز، ونأمل تعويضنا بأقرب وقت ممكن".
أما المتطوع في فرق الإغاثة التابعة لإدارة الكوارث والطوارئ "آفاد" أوغوزهان يورك، فيقول لـ "العربي الجديد": "نعمل على تطبيق التعليمات الصادرة من عمليات الدعم المقدمة لفرق الإطفاء والإغاثة، ومنها عمليات الإخلاء أيضاً. الفترة الحالية تظهر مرور المنطقة بفترة من الحرارة العالية مع انخفاض في الرطوبة وضغط عال وجفاف. الحرارة الجافة والرياح تساهم باشتعال الحرائق. واعتباراً من اليوم، ستقل الرياح وترتفع نسبة الرطوبة، الأمر الذي يساهم في عمليات الإطفاء والتبريد. من المؤلم رؤية هذه المشاهدة الصادمة... حرائق كبيرة ودمار كبير". ويلفت إلى أنّ "فرق الإنقاذ والإطفاء تعمل ليل نهار من أجل السيطرة على الحرائق، وهناك تعاون من الأهالي. لكنّ المناخ يجعل ظروف العمل صعبة، خصوصاً أنّ الحرائق قريبة من القرى والمناطق السياحية، وهو ما يتطلب جهداً كبيراً للسرعة في السيطرة على الموقف قبل أن يتطور إلى أكثر من ذلك".

المساهمون