يعيش الأطفال في مناطق شمال غرب سورية تحت تهديد الأمية، وذلك جراء الواقع المعيشي الصعب والظروف القاهرة التي تكابدها أغلب العوائل، خاصة المقيمة في المخيمات والعاجزة عن تأمين الحاجيات اليومية من الغذاء والحد الأدنى من المتطلبات، وحتى الأسر الفاقدة للمعيل والتي تعتمد على الصغار في كسب العيش.
وبحسب باحثين، لا تقتصر الأمية على جيل لم يتعلّم القراءة والكتابة، إنما تمتد لجيش دخل مرحلة التسرب المدرسي، وهو ما يشكّل تهديداً مباشراً بفقدان فرص التعليم.
عبد الله الدرويش باحث اجتماعي ومدير مركز رؤية للتمكين المجتمعي، بيّن من خلال حديثه، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ مشكلة الأمية تفاقمت بعد الثورة السورية 2011، مدفوعة بكثير من الأسباب منها النزوح والتهجير والقصف، وقال: "الأمية تتفاقم، وزادت خلال الثورة بفعل الحرب، ليست لدينا إحصائيات رسمية بالأعداد، لكن من خلال الملاحظة والإشراف التربوي نسجل زيادة واضحة".
وأضاف: "الحالة المعيشية للأسر بشكل عام ساهمت بزيادة معدلات الأمية، ودفع الفقر الأهالي لإرسال أولادهم إلى العمل بدل مقاعد الدراسة للمساهمة في تخفيف ثقل المصاريف، دون إغفال ظهور التعليم الخاص، والضعف الشديد في التعليم العام، وهذا له أثره على تسرب الطلاب وزيادة معدلات الأمية".
أما الحلول، وفق الدرويش، فتكمن في الاهتمام بالتعليم التعويضي عن طريق مدرسين مدربين على ذلك، وذلك للتنبيه للفروق بين الطلاب، كما يمكن تكثيف سنتين في سنة واحدة، ويعطى مثلاً منهاج الصف السادس والخامس بالعام نفسه. وتابع: "نحن نرى أنّ الأسر التي تشغل أطفالها بحاجة لتأمين لقمة العيش، والحل قد يكون بمشروع صغير أو أي مدخول مقابل العودة بابنه للتعليم، كون العامل المادي مهماً، وقد يكون الأب ميتاً أو عاجزاً عن العمل وهذا ما رأيته بحسب مشاهدتي، ويمكن أن يعالج الأمر عن طريق سدّ الاحتياج، والحل الأخير يكمن في تقوية التعليم العام الذي يضعف بسبب ضعف رواتب المعلمين".
بدوره أوضح المدرس سامر العلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ الأمية تبدأ بمشكلة سابقة وهي التسرب من التعليم، إذ يترك الطالب المدرسة دون أن تكون لديه القدرة على القراءة والكتابة أو تتطور بالشكل المطلوب الذي يساعده على تركيب الجمل بالحد الأدنى، وقد تكون عودته إلى صفوف الدراسة صعبة للغاية لارتباطه بعمل معين أو لأسباب كثيرة أخرى.
وتأتي الحالة المادية لأسر المتعلمين في مقدمة الأسباب التي تساهم في تفشي ظاهرة الأمية في المنطقة، ومن بين الحالات الطفل محمد خير الله (12 عاماً) من مدينة عندان بمحافظة حلب، الذي يفترض أن يكون في الصف السادس لكن الظروف المادية للعائلة أجبرته على العمل في ورشة لصيانة السيارات كما يوضح لـ"العربي الجديد" وهو في الوقت الحالي لا يكتب أو يقرأ أبداً.
ويقيم خير الله مع عائلته في تجمع مخيمات الكمونة التي يعاني معظم سكانها أوضاعاً معيشية صعبة في ريف إدلب الشمالي، تدفع بهم إلى إرسال أطفالهم لسوق الشغل وترك مقاعد الدراسة.
ووفق تقرير سابق صدر عن فريق "منسقو استجابة سورية"، سُلّط فيه الضوء على واقع التعليم في منطقة الشمال السوري الخاضعة لسيطرة المعارضة، كشف أنّ 930 مخيماً لا تحتوي على مراكز تعليم، ولم يتلق 193,843 طالباً التعليم في المنطقة، وتسرّب 36,848 طالباً من الدراسة في المخيمات، ما يعكس الواقع المأساوي للتعليم في المنطقة التي يعاني سكانها من الفقر، ويعيشون أزمات وتهديدات مختلفة.