جهود دولية مكثّفة لدعم ليبيا بعد الفيضانات

14 سبتمبر 2023
مشهد جوي للأضرار الناجمة عن الفيضانات في درنة (فرانس برس)
+ الخط -

تسارعت الجهود الدولية لمساعدة ليبيا، الخميس، بعدما أودت فيضانات أشبه بتسونامي بنحو أربعة آلاف شخص على الأقل، فيما ما زال الآلاف في عداد المفقودين، بينما أرجعت الأمم المتحدة حجم الحصيلة إلى الحرب والفوضى التي تعيشها البلاد منذ سنوات.

أدّى التدفّق الهائل للمياه الناجمة عن العاصفة دانيال إلى انفجار سدّين في وقت متأخر الأحد، ليصبح المشهد في مدينة درنة أشبه بنهاية العالم إذ جرفت المياه أبنية بأكملها وأعدادا غير محددة من السكان إلى البحر المتوسط.

وقال ناج أصيب بجروح: "ارتفع منسوب المياه فجأة في غضون ثوان"، مشيرا إلى أن المياه جرفته مع والدته عندما حصلت الفيضانات ليلا قبل أن يتمكنا من التشبّث بمبنى خال والاحتماء فيه.

وتابع الرجل الذي لم يتم التعريف على هويته وفق الشهادة التي نشرها مركز بنغازي الطبي: "ارتفع منسوب المياه إلى أن وصلنا للطابق الرابع، كانت المياه بارتفاع الطابق الثاني".

وأضاف: "سمعنا أشخاصا يصرخون. رأيت من النافذة سيارات وجثثا تجرفها المياه. استمر الوضع هكذا مدة ساعة أو ساعة ونصف ساعة بدت بالنسبة إلينا كأنها سنة".

وتصطف حاليا مئات أكياس الجثث في شوارع درنة الموحلة بانتظار الدفن، فيما يبحث السكان الذين ما زالوا في حالة صدمة عن أحبائهم المفقودين في الأبنية المدمّرة بينما تزيل جرّافات الركام وأكوام الرمل من الشوارع.

"محيت من الخريطة" 

وقال منسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، إن "حجم كارثة الفيضانات في ليبيا صادم ويفطر القلب.. مُحيت أحياء بأكملها من الخريطة. جُرفت المياه عائلات كاملة فوجئت بما حصل. لقي الآلاف حتفهم وتشرّد عشرات الآلاف الآن بينما ما زال كثر في عداد المفقودين".

تسببت عاصفة بقوّة إعصار أُطلق عليها "دانيال" بالفيضانات وفاقمت الكارثة سنوات الاضطرابات التي هزّت البلاد بعد انتفاضة 2011 التي دعمها حلف شمال الأطلسي وأدت لإطاحة معمر القذافي.

باتت ليبيا منقسمة بين حكومتين متنافستين: واحدة في الغرب معترف بها دوليا وتدعمها الأمم المتحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة وأخرى في الشرق الذي ضربته الكارثة يرأسها أسامة حمّاد بتكليف من البرلمان ودعم من المشير خليفة حفتر.

وأكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة أنه "كان من الممكن تفادي سقوط معظم الضحايا" لو أن أنظمة التحذير المبكّر وإدارة الطوارئ تعمل كما يجب في البلد الذي عانى من الحرب.

وقال الأمين العام للمنظمة بيتيري تالاس إنه من خلال التنسيق بشكل أفضل، "كان بالإمكان إصدار إنذارات وكانت هيئات إدارة الحالات الطارئة تمكنت من إجلاء السكان، وكنا تفادينا معظم الخسائر البشرية".

وأفاد الصحافيين في جنيف بأن النزاع المستمر في ليبيا منذ سنوات يعني أن شبكة الأرصاد التابعة لها "مدمّرة إلى حد كبير وأنظمة تكنولوجيا المعلومات مدمّرة".

وأضاف: "وقعت الفيضانات ولم تجر أي عمليات إجلاء نظرا لعدم وجود أنظمة تحذير مبكر مناسبة".

تعهّدت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى عدة بلدان من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إرسال فرق إنقاذ ومساعدات تشمل مواد غذائية وخزّانات مياه ومراكز إيواء طارئة ومعدات طبية إضافة إلى مزيد من أكياس الجثث.

"تغيّر المناخ" 

 

ما زال الوصول إلى درنة الواقعة في شرق البلاد صعبا للغاية إذ دمّرت الطرقات والجسور، فيما انقطعت خطوط الطاقة والهاتف عن مناطق واسعة حيث تشرّد 30 ألف شخص على الأقل.

ولم تُعرف حتى الآن الحصيلة الفعلية للقتلى فيما أفاد المسؤولون عن أعداد متضاربة.

وقال الناطق باسم وزارة الداخلية في الحكومة التابعة للسلطات في شرق البلاد الملازم طارق الخراز إنه تم حتى الأربعاء العثور على 3840 جثة.

لكن يُعتقد بأن عددا أكبر بكثير من الأشخاص جرف إلى البحر أو دفن بالرمل نتيجة المياه الموحلة التي اجتاحت المدينة.

وحذّرت جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر من أن 10 آلاف شخص ما زالوا في عداد المفقودين.

أرسلت دول عديدة أو تعهّدت تقديم مساعدات بما فيها الجزائر ومصر والأردن والكويت وقطر وتونس وتركيا والإمارات العربية المتحدة إضافة إلى الفلسطينيين.

كما تعهّدت الولايات المتحدة تقديم المساعدة، بينما انضمت بريطانيا وفنلندا وفرنسا وإيطاليا ورومانيا إلى جهود المساعدة الأوروبية.

وربط خبراء المناخ الكارثة بتداعيات ارتفاع درجة حرارة الأرض إضافة إلى البنى التحتية الليبية المتهالكة.

وازدادت قوة العاصفة "دانيال" خلال صيف حار بشكل غير معهود وضربت تركيا وبلغاريا واليونان في وقت سابق لتحدث فيضانات على نطاق واسع أسفرت عن مقتل 27 شخصا على الأقل.

وقال مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إن "العاصفة دانيال هي تذكير فتّاك آخر بالتأثير الكارثي لتغير المناخ على كوكبنا".

ودعا تورك جميع الأطراف في ليبيا إلى "تجاوز الجمود السياسي والانقسامات والتحرّك بشكل جماعي لضمان وصول الإغاثة".

وتابع: "هذا وقت وحدة الهدف: على جميع المتضررين أن يحصلوا على المساعدة بغض النظر تماما عن ارتباطاتهم".

ناشدت الأمم المتحدة المانحين، اليوم الخميس، تقديم 71.4 مليون دولار خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لتلبية احتياجات نحو 250 ألف شخص تضرروا من السيول في ليبيا قائلة إن عدد الوفيات قد يرتفع ما لم يتوفر مزيد من المساعدات.

وجاء في وثيقة للمنظمة الدولية أن "هناك قلقا متزايدا من الارتفاع المحتمل في معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات إذا لم يتم إرسال مساعدات ملائمة على الفور للمناطق المتضررة".

ولا تستهدف المناشدة إلا نحو رُبع الأشخاص البالغ عددهم 884 ألفا والذين قالت إنهم تضرروا بشكل مباشر من الفيضانات.

وأضافت أن تحليلا بالأقمار الصناعية أظهر أن 2200 مبنى تضررت بسبب السيول في مدينة درنة الأشد تضررا، ووصفت الوضع في مدينة سوسة التي غمرتها المياه بأنه "حرج.

(رويترز، فرانس برس)

المساهمون