أثار حريق اندلع في منزل عائلة أبو ريا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ضجة في قطاع غزة، وزادته الأحاديث المتداولة في شأن تفاصيله، وبينها قول أحد جيران الضحايا في لقاء تلفزيوني إن "أهالي المنطقة انتظروا أكثر من 40 دقيقة وصول جهاز الدفاع المدني إلى موقع الحريق في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، وعانوا بعدها من سلبيات استخدام العناصر معدات لم تخمد الحريق بسرعة".
وأكد جهاز الدفاع المدني في بيان خاص أصدره في شأن الواقعة أن "عناصره سارعوا إلى إخماد الحريق والاستجابة للاستغاثة، لكنهم عانوا من قلة الإمكانات المتوفرة لديهم، في ظل الاكتفاء بإدخال عدد قليل من المعدات والشاحنات الجديدة إلى القطاع في الفترات السابقة، ما يؤثر على فاعلية عملهم في مواجهة الأزمات والحوادث من أي نوع".
وكشف تحقيق أجرته وزارة الصحة في غزة أن "الحادث الأليم نتج عن اشتعال مادة سريعة الاحتراق كانت موجودة في منزل احتوى على قطع خشبية وعجلات سيارات جُمعت لإعادة تدويرها واستخدامها كزينة، ما سرّع انتشار الحريق واستمراره فترة طويلة، وأيضاً شدته وأضراره".
ويُخبر مدير العمليات في جهاز الدفاع المدني بقطاع غزة، المقدم رائد الدهشان، "العربي الجديد"، بأن نقص الإمكانات دفع عناصر الجهاز إلى العمل بأيديهم خلال أوقات العدوان الإسرائيلي وفصول الشتاء والأزمات الطبيعية الأخرى، لمحاولة إنقاذ الأشخاص الأحياء. وخلال العدوانين الإسرائيليين الأخيرين تحديداً أجبر هؤلاء العناصر على سحب أشلاء الشهداء بجهود شخصية وبلا معدات من تحت الأنقاض.
يتابع: "قد تتعطل بعض الآليات والأدوات خلال تنفيذ المهمات الميدانية، لأن البنية التحتية لقطاع غزة ضعيفة في الأساس، ولا تتناسب مع متطلبات توفير السرعة في التنقل والعمل، ويجعلنا ذلك نشعر بعجز في بعض المرات".
ويشير إلى "الاستعانة بمساعدات من مصادر خارجية، وبينها جرافات وشاحنات كبيرة وأدوات حفر وتنقيب بالتعاون مع البلديات المحلية ووزارة الحكم المحلي ووزارة الأشغال العامة، لتنفيذ بعض عمليات التدخل العاجل، كما نطالب أحياناً شركات خاصة بتأمين معدات ثقيلة لإنجاز مهمات، مثل إزالة ركام وانتشال مصابين وأخرى لإنقاذ الناس".
ويملك جهاز الدفاع المدني 18 مركزاً تتوزع على محافظات قطاع غزة الخمس، ويضم 800 عنصر، منهم 600 ضمن الفرق الميدانية التي تستخدم حالياً 30 سيارة إطفاء وإنقاذ فقط، وسيارة صهريج واحدة لكل المراكز مع أربعة سلالم هيدروليكية تعمل ثلاثة منها بجودة متدنية، فيما تعطل الرابع لعدم وجود قطع غيار له.
ويمنع الاحتلال الإسرائيلي إدخال أجهزة الأكسجين وكمامات التنفس وأجهزة تستخدم في تكسير الباطون، وأخرى لكشف وجود أحياء تحت الأنقاض، والسموم، وخوذ وسلالم هوائية، وكشافات تخرق الحريق والدخان، وفرشات هواء للفصل بين طبقات الإسمنت، أما حجة منع هذه المعدات فتتمحور حول إمكان استخدامها في تنفيذ عمليات مقاومة.
وقبل عامين ظهرت القدرات المحدودة لجهاز الدفاع المدني في غزة في تغطية أزمات الحرائق، إذ شهد حريق اندلع في سوق مخيم النصيرات في 5 مارس/ آذار 2020 مأساة وفاة 25 مواطناً، بينهم نساء وأطفال، وجرح عشرات، وأيضاً تدمير عشرات المحلات والبسطات التجارية والسيارات.
ويتحدث الدهشان عن النقص في الكوادر البشرية، ويقول إنه "في وقت يحتاج فيه كل ألف مواطن إلى رجل دفاع مدني ميداني، يجب أن يتوفر 2300 عنصر في غزة التي يتجاوز عدد سكانها 2.3 مليون شخص، أي بفارق حوالي 1700 عن عدد العناصر الحاليين".
ويتوقع المحاضر في العلوم الاجتماعية بجامعة الأقصى أحمد أبو جامع، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تتفاقم مشاكل قطاع غزة في السنوات القادمة بتأثير ارتفاع معدلات النمو السكاني في منطقة ضيقة، ما يزيد رداءة الخدمات العامة المقدمة، وبينها تلك المرتبطة بأجهزة التدخل والاستغاثة مثل الدفاع المدني، ويقول إنه "خلال المجزرة الإسرائيلية في مدينة رفح في أغسطس/ آب الماضي، اضطرت أجهزة الدفاع المدني إلى تدمير منزل مواطن في رفح لدخوله من أجل إنقاذ مواطنين، وهذا أمر وارد في بيئة تضم مباني مكتظة ولا يسهل التنقل في طرقاتها. وفي ظل عدم وجود حل سياسي، فإن توقعات الأزمات والكوارث الطبيعية كبيرة أكانت مفتعلة أم غير مفتعلة".