يُعتبَر عدوان الاحتلال الإسرائيلي الأخير على غزة، الثالث الذي عايشته المغربية جميلة بدهكت (30 عاماً) مع زوجها الفلسطيني. الأكيد أنها لم تعِش حياة طبيعية، لكن الخوف الذي أحاط بها لم يمنعها من النضال، كما حال كل الفلسطينيين الذين يقاومون ويجهدون في سبيل إيصال رسائل معاناتهم وقضيتهم إلى العالم، وهو ما تفعله جميلة منذ سنوات عبر نقل واقع معاناتها كأم لأطفال تعيش في غزة باللغة الفرنسية التي تجيدها. تتحدر جميلة من العاصمة المغربية الرباط. حازت دبلوماً في تكنولوجيا المعلومات من معهد التكوين المهني وإنعاش العمل عام 2011، ونالت شهادة بكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة الأمة في غزة. وتتقن الفرنسية باحتراف باعتبارها من اللغات الرسمية في المغرب، وأجرت دورات في الترجمة الاحترافية التي تمارسها حالياً.
في عام 2000، أثّر مشهد استشهاد الفتى محمد الدرة بين أحضان والده بغزة في جميلة، وقادها إلى محاولة معرفة ما يحصل في فلسطين وقضيتها. تذكر أنه خلال احتفال مدرسي حصل بعد سنة من الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، شاركت في فقرات بالحفل للترحم على شهداء فلسطين ومحمد الدرة. خلال عدوان الاحتلال الإسرائيلي الأول على غزة 2008 – 2009، تابعت جميلة الأخبار في منتديات فلسطينية عبر الإنترنت، وتعرفت على زوجها إبراهيم الغندور الذي كان ينشر أخبار العدوان في أحد هذه المنتديات. وبقي التواصل بينهما، وتعمّقت علاقتهما واتفقا على الزواج الذي عارضته أسرتها بسبب خوفها من الارتباط بفلسطيني، والعيش في غزة وظروفها السياسية المتقلبة. لكن جميلة أصرّت على الارتباط بإبراهيم، وأقنعت أسرتها بالموافقة، فتزوجا بعدما التقيا في المغرب في يونيو/ حزيران 2012. ثم سافرا إلى مصر، وانتقلا منها إلى غزة في أغسطس/آب 2012.
تقول جميلة لـ "العربي الجديد": "عندما دخلت غزة وجدت أعلام الأحزاب وكتابات على جدران وشعارات لم أعتد أن أشاهدها في المغرب، ثم تأقلمت مع انقطاع الكهرباء. وبعد ثلاثة أشهر، اندلع العدوان الإسرائيلي فتملكني الخوف مثل أي مواطن غزي آخر، وشعرت بعدم الأمان في مواجهة أي هجوم إسرائيلي. أما الخوف لدى أهلي فكان كبيراً جداً، كما أنهم حزنوا لأنني لم أفرح ببداية حياتي الزوجية".
بعد شهر من إقامتها في غزة، عملت جميلة مع مؤسسة "نساء من أجل فلسطين" في الترجمة إلى الفرنسية، وكتابة محتوى بالفرنسية لمساندة القضية الفلسطينية، ونشرت تقارير على مواقع التواصل الاجتماعي. ثم رُزقت في مارس/ آذار عام 2014 بابنتها لانا، قبل أن يندلع العدوان الإسرائيلي الثالث في يوليو/ تموز عام 2014، والذي مثل حرباً قاسية لجميلة على غرار الغزيين، فهي إلى جانب رعايتها طفلتها غطّت أحداث الحرب لحساب مؤسسة متخصصة في الإعلام، لكنها تأذت كثيراً من مشاهد العائلات التي استشهدت على موائد إفطار شهر رمضان، من دون أي تحرك من المجتمع الدولي.
عام 2016، رُزقت جميلة بوائل، وهي تعمل حالياً مع المرصد الأورو- متوسطي لحقوق الإنسان، وتعمّقت أكثر في نقل القضية الفلسطينية إلى الشعوب الناطقة بالفرنسية، واهتمت أيضاً بنشر أشرطة فيديو عبر منصة "نساء من أجل فلسطين"، حيث تروي بالفرنسية قصص معاناة الفلسطينيين والتفرقة العنصرية التي يتعرضون لها في الضفة الغربية، والحصار الإسرائيلي وتأثيره على كل نواحي الحياة في غزة.
خلال العدوان الأخير على غزة، أخلت جميلة وأفراد أسرتها منزلهم في منطقة الصفطاوي شمال القطاع، تحت ضغط تهديد الجيش الإسرائيلي بقصف أهداف تعود لحركة "حماس" فيها. وانتقلوا في مرحلة أولى إلى شارع الوحدة بحي الرمال، لاعتقادهم بأنه آمن، قبل أن يشهد مجزرة في 16 مايو/ أيار. عادت جميلة وأسرتها إلى منطقة الصفطاوي، في ظل الاقتناع بعدم وجود مكان آمن في غزة لتجنب أصوات القصف المرعب التي حرمت أطفالها النوم ليلاً، والبقاء في جو مستقر.
تقول جميلة: "عشت في أسابيع الحرب مثل أي أم فلسطينية تخاف على أبنائها، وتصارع لمنع تدهور حالهم النفسية. وهكذا أصبحت فلسطينية بلا شك، وأرى أن قضية فلسطين هي قضية كل الناس ولا تنحصر في أبنائها فقط. ورغم كل الظروف، أنا سعيدة لتأسيس أسرة وإنجاب أبناء فلسطينيين، ولأنني قادرة على خدمة القضية الفلسطينية بلغة ثانية من الميدان".
وتذكر جميلة عبارة "إحنا مالنا تازة (مدينة مغربية) قبل غزة" التي يقولها بعض المغاربة، والتي تعني أن الانشغال في قضاياهم الداخلية أهم من قضية غزة. وتؤكد أنها ترفضها، على غرار مساعي إسرائيل للتطبيع مع الشعوب العربية، ومحاولة نسيان القضية الفلسطينية، وإبقاء مشاريع التهويد الإسرائيلي في مدن الضفة الغربية، وحصار قطاع غزة.