لم تُمهل الطائرات الإسرائيلية، وما تحمله من موت مُحقق، طبيب الأسنان الفلسطيني جمال خصوان، وزوجته وأسرته للنجاة، إذ باغتتهم وهم نيام.
وفوجئت أسرة خصوان، فجر أمس الثلاثاء، بانفجارات مُتتالية تهز عمارتهم السكنية، الواقعة في حي الرِمال، وسط مدينة غزة، دون سابق إنذار، ما تسبب باستشهاد الطبيب جمال صابر خصوان، ونجله يوسف، وزوجته مرفت صالح خصوان، فيما نجا أربعة من أبنائه وبناته.
وبدا المشهد هادئاً قُبيل استهداف المنطقة الآمنة، والتي تحولت في ساعة مُتأخرة من الليل إلى موقع حدث، إذ تجمع المواطنون، وسيارات الإسعاف والدفاع المدني، لانتشال جثامين ستة من الشهداء الذين سقطوا داخل المبنى السكني، ونقل باقي الإصابات المُختلفة.
واستشهد خصوان، والذي يُطلق عليه لقب "طبيب الفقراء"، برفقة زوجته ونجله في الوقت الذي استهدفت الطائرات المتفجرة الإسرائيلية الأسير المُبعد من بلدة عرابة جنوب جنين إلى قطاع غزة، طارق عز الدين، وطفليه علي وميار عز الدين.
وبدت مشاهِد الدمار واضحة في المبنى المُستهدف، والذي تعطلت فيه الخدمات عن باقي الطوابق، في الوقت الذي تناثر فيه زجاج المباني والبيوت القريبة، نتيجة الانفجارات المُتتالية، والضغط القوي الذي رافقها.
وكان جمال يعمل رئيساً لمجلس إدارة مستشفى الوفاء بغزة، ويحظى بسُمعة طيبة لدى جيرانه، وأصدقائه، بفعل مواقفه الإنسانية، وخدماته التي يُقدمها للمواطنين، والأسر المُتعففة، خلال عمله في عيادة الأسنان الخاصة به.
وتزيّن بيت العزاء، والذي أقيم في منزل العائلة في حي الشيخ رضوان، شمالي مدينة غزة، بصور الشهداء، وعبارات المواساة والعزاء والرثاء من الأصدقاء، والجيران، والمؤسسات المحلية، والرسمية، والفصائل الفلسطينية.
ويقول ابنه المُصاب يزن خصوان، والذي نجا بأعجوبة من الانفجار الشديد، لـ"العربي الجديد"، إنه استيقظ وباقي أفراد الأسرة ممن بقوا على قيد الحياة على صوت انفجار مروع، وكان الدُخان الكثيف يُغطي أرجاء البيت، الذي تحول في لحظة إلى كومة من الرُكام.
ويُضيف يزن، والذي كان ينطق الكلمات بصعوبة بفعل الصدمة التي تعرض لها "في اللحظة الأولى شاهدت شقيقي يامن، وشقيقتي الصُغرى ميرال تحت الأنقاض، أما شقيقي الأكبر يوسف فقد كان مُصاباً إصابة بليغة في رأسه، استشهد على إثرها"، ولم يتمكن يزن من إكمال حديثه، حيث دخل في نوبة بُكاء بعد أن تذكر تفاصيل الحدث.
ويقول موسى خصوان، وهو شقيق الشهيد جمال، لـ "العربي الجديد"، إنه كان يزور شقيقه، حتى الساعة الثانية عشرة ليلًا، وكانت الأوضاع هادئة، ويُضيف "تلقينا اتصالاً بعد الساعة الثانية فجراً، يُفيد باستهداف بيت أخي، حيث تم استهداف الشقة أسفل منه عن طريق شقته"، في مُحاولة من الاحتلال الإسرائيلي لإيقاع أكبر قدر مُمكن من الخسائر.
ويمتلك الشهيد جمال، الحاصل على الدكتوراه في تركيب الأسنان من روسيا، وفق توصيف شقيقه موسى، مركزاً متخصصاً لطب الأسنان، وكان "إنساناً خلوقاً، وكريماً، واجتماعياً، يُفني حياته لخدمة المواطنين، سواء في عيادته، أو في مستشفى الوفاء أو مركز رعاية المُسنين، وكان ينتظر تخرج نجله يوسف لإرساله لإكمال دراسته في مصر".
فيما يوضح المهندس كنعان عبيد، ويسكن في الطابق السادس، وهو ذات الطابق المُستهدف من الناحية الغربية، أن البناية السكنية تعرضت لعدة انفجارات، اخترقت سقف شقة الطبيب جمال، ونزلت إلى شقة الأسير المُبعد طارق عز الدين، الذي يسكُن في الطابق الخامس.
ويقول عبيد لـ "العربي الجديد"، إن السُكان لم يستوعبوا هول الصدمة، جراء الانفجارات المُتتالية فجراً، والتي خلقت حالة من الذُعر في صفوف النساء، والأطفال، وسُكان المنطقة، إلى جانب طلب رجال الأمن من سُكان البناية مُغادرتها، لسلامتهم، نظراً للأوضاع الأمنية، علاوة على تدمير البنية التحتية، والأضرار الجسيمة التي لحقت بمرافق وخدمات العمارة السكنية، وتعطل المصعد الكهربائي، وانقطاع الماء والكهرباء.
وانتشر للطفلة ميرال خصوان، وهي ابنة الشهيد جمال، مقطع فيديو مؤثر، تناقلته وسائل الإعلام، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وقد ظهرت فيه وهي تبكي، وتُنادي على والدها، ووالدتها وشقيقها الأكبر، قبل أن تعرف باستشهادهم جميعاً، وقد تم نقلها إلى مُجمع الشفاء الطبي، لتلقي العلاج اللازم إثر اصابتها بالاستهداف الإسرائيلي.
وعن تفاصيل عملية الاغتيال يقول الفتى علي الجعفراوي، وهو جار خصوان، "نمنا آمنين بدون سماع أصوات طائرات حربية، أو حتى طائرات استطلاع، كانت الأوضاع هادئة للغاية، ولم يكن هناك أي مؤشرات لانهيار الوضع الأمني بهذه السُرعة".
ويُكمل الفتي ذو الستة عشر عاماً، حديثه لـ "العربي الجديد"، قائلاً: "الساعة الثانية فجراً، سمِعنا صوت انفجار هزّ المنطقة بالكامل، ورافقه صوت زجاج متناثر، ووميض أحمر، تسابقنا نحو الشرفات والشبابيك لرؤية ما الذي حدث، لنتفاجأ بدُخان كثيف حجب عن أعيننا الرؤية، لكننا كُنا نسمع صوت أنين، واستغاثات الجرحى".