جزر الكناري... مسار المهاجرين القاتل إلى "الفردوس الأوروبي"

02 مارس 2024
يصل مهاجرون أفارقة إلى جزر الكناري كل يوم تقريباً (فرانس برس)
+ الخط -

توالت في الآونة الأخيرة تدخلات البحرية المغربية لإنقاذ حياة مهاجرين يغادرون السواحل الموريتانية والسنغالية في اتجاه جزر الكناري الإسبانية، في مؤشر على بروز نقاط انطلاق جديدة لقوارب الحالمين ببلوغ "الفردوس الأوروبي".

كانت سواحل المغرب الشمالية على البحر المتوسط، ومدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، من أشهر مسارات الهجرة السرية للأفارقة من جنسيات مختلفة نحو أوروبا، قبل أن تسجل الآونة الأخيرة تحولاً ملحوظاً، إذ بات كثير من قوارب المهاجرين تتوجه إلى جزر الكناري، وغالبيتها تنطلق من موريتانيا والسنغال مروراً بسواحل المغرب الجنوبية.
وفي عملية استمرت نحو 15 ساعة بسبب سوء الأحوال الجوية، تمكنت البحرية المغربية في 18 فبراير/ شباط الماضي، من إنقاذ 141 مهاجراً في عرض البحر على بعد 274 كيلومتراً جنوب غربي مدينة الداخلة، وكان هؤلاء على متن قارب أبحر من السواحل الموريتانية محاولاً الوصول إلى جزر الكناري. وقبلها، أعلنت البحرية المغربية إنقاذ57 مهاجراً سرياً في عرض البحر قبالة ساحل إقليم طرفاية (جنوب).
يقول رئيس "الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان" (غير حكومية) إدريس السدراوي، لـ"العربي الجديد"، إنه "مع تشديد المراقبة على السواحل الشمالية للمغرب، وعودة التنسيق الأمني مع إسبانيا في مجال مكافحة الهجرة، تحولت مناطق جنوب المغرب، وكذلك السواحل الموريتانية والسنغالية إلى نقاط انطلاق جديدة لقوارب المهاجرين الراغبين في الوصول إلى أوروبا، وذلك لقربها من دول أفريقيا جنوب الصحراء".
ويضيف السدراوي أن "الهجرة السرية تدار بشكل منظم من طرف شبكات ومافيات اكتسبت تجربة في هذا المجال، وهناك انخفاض لافت في أعداد المهاجرين السريين عبر السواحل الشمالية، وكذا تغيير التكتيكات من الهجرة السرية الجماعية إلى هجرة أعداد محدودة، ومن ذلك استخدام (الجيت سكي) في تهريب المهاجرين من أجل تجنب المراقبة، خصوصاً في المناطق المحاذية لمدينتي سبتة ومليلية، في حين تؤكد الإحصائيات ارتفاع أعداد المهاجرين السريين عبر المناطق الجنوبية إلى جزر الكناري".

ويرى الناشط الحقوقي أن "محاولات الهجرة نحو جزر الكناري تشكل خطراً كبيراً على حياة المهاجرين نتيجة مخاطر اجتياز المحيط الأطلسي، إذ يلقى واحد من كل 24 مهاجراً حتفه خلال هذه الرحلة، وفق أرقام منظمة الهجرة الدولية، علماً أن العديد من الضحايا يتعذر العثور على جثامينهم. الهجرة السرية مرتبطة بالفقر، وغياب فرص العمل للشباب، ومن أجل مواجهتها يحتاج الأمر إلى مقاربة تنموية، وينبغي أن تتحمل الدول الأوروبية مسؤوليتها في التنمية، وأن تكف عن التدخل في الشؤون الداخلية الأفريقية، وتتوقف عن استنزاف ثرواتها، والبدء بتعويض الدول عن فترات الاستعمار عبر إلغاء الديون".
وتمكنت البحرية المغربية منذ مطلع عام 2023 حتى نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من إنقاذ 10405 أشخاص من الغرق، من بينهم 6495 من جنسيات أجنبية، وذلك أثناء محاولتهم الهجرة إلى أوروبا بحراً باستعمال قوارب صغيرة، بحسب تقرير لوزارة الداخلية.

بات مسار الكناري مفضلاً للمهاجرين السريين (فرانس برس)
بات مسار الكناري مفضلاً للمهاجرين السريين (فرانس برس)

في المقابل، كشفت منظمة "كامينادو فروانتيراس" غير الحكومية الإسبانية، في 9 يناير/ كانون الثاني الماضي، أن ما لا يقل عن 6618 مهاجراً لقوا حتفهم أو فقدوا خلال عام 2023، أثناء محاولتهم الوصول إلى إسبانيا، بمعدل 18 شخصاً في اليوم، وبزيادة 177 في المائة مقارنة بأرقام عام 2022، في حين تم إحصاء 363 امرأة و384 طفلاً من بين الضحايا المسجلين.
ويتزامن ارتفاع أعداد ضحايا الهجرة مع تضاعف أعداد المهاجرين الذين وصلوا بطريقة غير قانونية إلى إسبانيا خلال عام 2023، والذي وصل إلى 56 ألفاً و852 مهاجراً، وترجع الحكومة الإسبانية ذلك إلى التدفق غير المسبوق على جزر الكناري.
وسجلت معظم حالات غرق المهاجرين أو فقدانهم في المسار بين سواحل شمال غرب أفريقيا وأرخبيل الكناري في المحيط الأطلسي. وقالت منظمة "كامينادو فروانتيراس"، إن "العدد الأكبر من المهاجرين الذين فقدوا أثناء محاولتهم الوصول إلى إسبانيا أبحروا من سواحل السنغال، وعددهم 3176 مهاجراً.
ويقول رئيس "مرصد التواصل والهجرة" في أمستردام، جمال الدين ريان، في حديث مع "العربي الجديد"، إن قضايا الهجرة ستظل من بين الإشكاليات المثارة دائماً في إطار العلاقات بين شمال المتوسط وجنوبه، لافتاً إلى أن "معاهدة برلين" الصادرة سنة 1885، نتج عنها اختلال في الثراء وتوزيع الموارد الطبيعية داخل قارة أفريقيا.

ويوضح ريان أن "لجوء بلدان مثل المغرب وليبيا وتونس إلى تشديد حراسة الحدود مع أوروبا، قلل من أعداد قوارب الموت التي تغرق في البحر المتوسط، وأدى إلى تغير اتجاهات الهجرة السرية، إذ أصبح تجار البشر يختارون جزر الكناري الإسبانية، والتي بمجرد بلوغها يتم تجميع المهاجرين في مراكز الإيواء. مسار الهجرة من السنغال وموريتانيا إلى جزر الكناري محفوف بالمخاطر، وهو طريق الموت الجديد، ويقع فيه الكثير من المآسي أثناء عبور المهاجرين المحيط الأطلسي نظراً إلى قوة التيارات المائية، كما أن أقصر مسار إلى جزر الكناري يزيد طوله على مائة كيلومتر انطلاقاً من سواحل جنوبي المغرب".
يتابع: "اختيار المهاجرين السريين الانطلاق من سواحل موريتانيا والسنغال إلى جنوب المغرب راجع إلى أن ذلك المسار يتيح لهم بمجرد الوصول إلى جزر الكناري الانتقال إلى إسبانيا عن طريق شبكات التهريب. في النهاية يجب أن نتذكر أن هؤلاء الأشخاص يسعون إلى حياة أفضل، ويتعين بذل جهود للتعامل مع هذه الأزمة إنسانياً".

المساهمون