يقع جزائريون كثيرون ضحايا حوادث تسرّب الغاز في المنازل خلال الشتاء. وتتمثل المشكلة الأساس في عدم خضوع أجهزة التدفئة لمعايير السلامة التي شكلت محور حملات توعية نفذتها السلطات قبل أن تتخذ قرار فرض تركيب أجهزة إنذار في البيوت.
خلال فصل الشتاء، لا يمر يوم في الجزائر من دون إعلان حصول حوادث لتسرّب الغاز التي تعرف باسم "القاتل الصامت"، لأن الغازات المحترقة أو المتسرّبة تستنشق، وتؤدي إلى الاختناق ثم الإغماء والوفاة من دون أن تعطي مؤشرات لوجود مشكلة في التنفس، وكون هذه الغازات بلا لون ولا رائحة.
وكشفت بيانات نشرتها هيئة الحماية المدنية وفاة 23 شخصاً بحوادث اختناق نتجت من تسرّب الغاز خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من يناير/ كانون الثاني الماضي. وأشارت هذه البيانات إلى أن فرق الإنقاذ أسعفت 441 من ضحايا حوادث الاختناق بغاز أول أكسيد الكربون.
وسبق ذلك إعلان الهيئة نفسها وفاة 53 شخصاً بحوادث تسمّم بغاز أول أكسيد الكربون بين أكتوبر/ تشرين الأول وديسمبر/ كانون الأول الماضيين، وإسعاف 1204 آخرين بسبب حوادث مماثلة، ما يؤكد استمرار حوادث تسرّب الغاز رغم أن الجهات الحكومية بذلت جهوداً كبيرة للحدّ منها خلال السنوات الأخيرة.
وقبل أيام أجلت السلطات خمسة أشخاص من عائلة واحدة واجهوا صعوبات في التنفس بسبب تسرّب غاز أول أكسيد الكربون من سخان المياه داخل منزلهم في منطقة سيدي بلعباس (غرب). وأظهرت التحقيقات انعدام التهوئة داخل المنزل.
أيضاً نقِل ثلاثة أشخاص إلى مستشفى في منطقة غليزان (غرب)، حيث شخصت حالاتهم الصحية بأنها حرجة بسبب تعرضهم لاختناق من استنشاق غاز أول أكسيد الكربون انبعث من سخان مياه أيضاً.
وفي منطقة تيزي أوزو، أصيب 4 أشخاص بحروق إثر انفجار نتج من تسرّب غاز أول أكسيد الكربون من قارورة داخل شقة سكنية، في حين توفي شخص وجرح اثنان بانفجار في فرن بالعاصمة الجزائرية.
في العادة تضاعف مصالح الحماية المدنية عمليات التوعية في كل الولايات مع حلول الشتاء، من أجل الحدّ من مخاطر الغازات المحترقة، وتطالب المواطنين بتهوئة المنازل، واتخاذ تدابير عملية تسمح بإبقاء منافذ لخروج الغاز في حال تسرّبه، وعدم إغلاق كل النوافذ، وإجراء عمليات صيانة دورية للأجهزة التي تستخدم في الطهي والتدفئة وتسخين المياه، وفحص التوصيلات وأنابيب الغاز واستبدال تلك البلاستيكية لتجنب تلفها. وتساعد الجمعيات الأهلية وأفواج الكشافة في البلديات في حملات التوعية المدنية، وتوزّع منشورات تشرح كيفية التصرف الوقائي.
لكن استمرار الحوادث يعكس ضعف الاستجابة العملية لهذه الحملات من جهة، ومن جهة أخرى إهمال المواطنين تدابير السلامة، وغياب الحسّ المدني لديهم، وافتقارهم إلى الثقافة الوقائية وحسن التدبير المنزلي.
إلى ذلك، ثمّة مشكلات كبيرة في تركيب توصيلات الغاز التي ينفذها أحياناً أشخاص غير مهنيين ولا يملكون الخبرة اللازمة في المجال، وأيضاً في استعمال أنابيب توصيل تفتقر إلى متطلبات السلامة المطلوبة على المدى المتوسط، علماً أن السلطات تنصح في حملاتها الوقائية باستقدام مهنيين متخصصين لتفادي الحوادث.
وتظهر الحوادث أيضاً عدم خضوع التجهيزات التي تباع للمواطنين، وبينها المدافئ والمواقد وسخانات المياه لمعايير السلامة المطلوبة لأن بعضها مقلّدة، ما يدفع منظمات حماية المستهلك إلى مطالبة المواطنين باستمرار بضرورة تركيب تجهيزات تراعي مواصفات الجودة العالية، وطلب قسيمة الضمان والمنشأ.
ويؤكد الأمين الوطني للمنظمة الجزائرية لإرشاد وحماية المستهلك حمزة بلعباس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "من جملة أسباب انتشار حوادث تسرّب الغاز التي تتسبب في الموت وجود عيوب كثيرة في أجهزة تدفئة لا تخضع لمعايير السلامة، وبعضها مصنّع محلياً، وأخرى تفتقر إلى مخارج للغازات المحترقة، لكنها تباع في مواقع التواصل الاجتماعي بأسعار غير عالية، رغم أنها تشكل خطراً كبيراً على صحة المواطنين، ما يحتم تحرك السلطات فوراً لسحبها ومنعها بالكامل".
ويلفت بلعباس أيضاً إلى مشكلة "انعدام الكفاءة لدى حرفيين يتولون تركيب شبكات الغاز الداخلية، فمعظمهم يحصلون على شهادات من مراكز خاصة بعد الخضوع لتأهيل مهني لمدة قصيرة، ثم يتسبب جهلهم أو قلة خبرتهم بالتقنيات والمعايير الحقيقية لإنجاز عمليات التركيب في العبث بحياة المواطنين وتهديدها".
وفي يناير/ كانون الثاني 2023، قرر مجلس الوزراء التصدي لظاهرة تزايد حوادث تسرّب الغاز عبر تكليف شركة "سونلغاز" بتزويد بيوت المواطنين بأجهزة إنذار مجانية ضد تسرّب غاز أكسيد الكربون، وألزم بإدراج مسألة تزويد المساكن بأجهزة الإنذار في دفاتر شروط إنجاز المشاريع السكنية المستقبلية، ووضع تدابير لمنع المسّ بأنظمة التدفئة وتعديل أنابيب الغاز بعد تسلّم المساكن. وأعقب ذلك بدء شركة توزيع الكهرباء والغاز الحكومية تزويد أكثر من 5 ملايين شقة سكنية بأجهزة الإنذار.
ويقول المسؤول الإعلامي في مؤسسة "سونلغاز" بمحافظة تيبازة، هواري محمد، لـ"العربي الجديد": "باشرت المؤسسة تركيب أجهزة الإنذار داخل البيوت للتنبيه من خطر الغاز والحدّ من الوفيات المرتبطة بحوادث التسرّب. أيضاً جنّدت الشركات فرقاً ودوريات لإنجاح العملية التي تسمح أيضاً بمراقبة الشبكة الداخلية قبل تركيب العداد الخاص بالغاز. ويستخدم جهاز الإنذار تقنية متفوقة وناجحة في الحدّ من الكوارث الناتجة من عدم الالتزام بقواعد السلامة في استعمال المدافئ أو سخانات المياه، لكننا نشدد على ضرورة مواصلة جهود التوعية من خلال التواصل مع الزبائن عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام للتنبيه من المخاطر تمهيداً لخفض الحوادث".