لم يكن العراقيون يسمعون أنباءً مثل قتل امرأة لزوجها حرقاً، أو إنهاء ابنة لحياة أبيها باستخدام آلة حادة أو مسدس، ولا حتى العثور على جثث مشوهة مرمية في الشوارع وعلى الأرصفة والساحات، وبرغم المشاكل الأمنية التي عصفت بالبلاد منذ عقود، إلا أن المجتمع العراقي بقي محافظاً على عاداته وسلميته في التعامل مع الخلافات الشخصية والاجتماعية، لكن في الآونة الأخيرة، صُدم المجتمع بجرائم قتل مفجعة وبطرق إجرامية لم تكن مألوفة.
وخلال الأسبوعين الماضيين وقعت 3 جرائم قتل أدت إلى ذعر الأهالي وخشيتهم من احتمال تمددها، وصولاً إلى تحولها إلى حالات اعتيادية، وآخر هذه الجرائم، وقعت مساء أمس الأربعاء، إذ تم العثور على "جثة رجل وضعت داخل حقيبة ضمن منطقة الأمين شرقي العاصمة بغداد، وكانت الحقيبة مرمية في ميدان عام، وبعد الفحص تبيّن أن جثة الرجل عليها آثار إطلاق نار بمنطقة الرقبة والصدر واليد". بحسب ما أفادت مصادر أمنية.
وأمس الأربعاء أيضا، أعلن المتحدث باسم شرطة محافظة كركوك عامر شواني، القبض على فتاة قتلت والدها ببندقية كلاشنكوف، بأربع رصاصات في منطقة الرأس، مع العلم أن عمر الفتاة لا يتجاوز 15 عاماً، وبعد التحقيق مع الفتاة، تبيًّن أن "سبب حادثة القتل، مشكلة اجتماعية". واعترفت أنها "حاولت لأكثر من مرة قتل والدها، لكنها لم تنجح في السابق، فيما لم تبد أي علامات على الندم أو الحزن".
سجّل العراق أعلى معدل لجرائم القتل خلال العام الماضي، بنسبة سنوية تصل إلى أكثر من 11.5 لكل 100 ألف نسمة، وهي الأكبر على مستوى الوطن العربي
فيما كشفت وزارة الداخلية ببغداد، الاثنين الماضي، ملابسات جريمة قتل فتاة في العاصمة بغداد. وقالت الوزارة في بيان "الفتاة قتلت على يد والدتها، بمساعدة عشيقها عن طريق خنقها بواسطة سلك كهربائي داخل الدار، في حي الحسينية ببغداد"، وبحسب البيان، فإن "والدة الفتاة المقتولة، ادعت في البداية أن ابنتها انتحرت، لكن التحقيقات كشفت الحقيقة"، سبقها بأيام مقتل شاب على يد صديقه بطعنة سكين في محافظة ميسان جنوب البلاد، بسبب مزاح تطور إلى شجار.
وأفادت مصادر أمنية ومحلية من محافظة بابل، بأنه "في الشهر الماضي شهدت مدينة الحلة، واقعة هزت الأوساط الاجتماعية والأمنية، إذ أقدمت امرأة على حرق زوجها وابنتها داخل الشقة، لأسباب تتعلق بأنها كانت قد طلبت الطلاق، ولم يقبل زوجها"، مبينة لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الحادث تسبب بالحكم على الزوجة بالسجن مدى الحياة، وتحويلها إلى أطباء نفسيين".
وسجّل العراق أعلى معدل لجرائم القتل خلال العام الماضي، بنسبة سنوية تصل إلى أكثر من 11.5 لكل 100 ألف نسمة، وهي الأكبر على مستوى الوطن العربي، كما يؤكّد مختصون. وبحسب الإحصائية التي نُشرت في وقتٍ سابق، في وسائل إعلام محلية، وتستند إلى بيانات جمعتها وزارة الداخلية، فإن نحو 5300 جريمة قتل حصلت في عام واحد.
وعلّق وقتها المفتش العام والخبير القانوني، جمال الأسدي، عن أسباب تصاعد الجرائم، بأنها مرتبطة بـ "سوء إدارة الأمن، وضعف التحقيق الجنائي ومنظومة التشريعات العقابية، إضافة إلى الأسباب الطبيعية الأخرى التي تتحملها وزارة الداخلية بالخصوص، وأن هناك حاجة ماسة إلى تحديث العقلية التحقيقية قبل البحث عن طرق العنف، وإعداد خريطة الجرائم الجنائية بدلاً عن زيادة أفراد الأمن غير المجدية".
في السياق، قال عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي محمد عنوز، إن "الجرائم التي تحدث حالياً، ليست مألوفة لدى العراقيين، المعروفين بحلمهم ومروءتهم وتربيتهم السلمية، وهي حالات تشير إلى انهيار على مستويات المجتمع والأمن والقانون، بالتالي فإن هناك حاجة ملحة بشكلٍ كبير لرسم خريطة طريق لإنهاء هذا الانفلات".
وبيَّن عنوز لـ"العربي الجديد"، أن "العراق وبسبب المشاكل الكثيرة التي تؤثر على المجتمع فيه، يتحول تدريجياً إلى أرضية خصبة لارتكاب الجرائم، وتصاعد أعدادها، بسبب التأثيرات السلبية لحالة الاحتقان اليومي الأمني والسياسي، وتردي الوضع الاقتصادي الذي يدخل الأسر في معاناة كبيرة، وتراجع مستوى التعليم، إضافة إلى انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في شكل غير مسبوق"، موضحاً أن "هناك حالة اجتماعية جديدة، لا تؤمن بالقانون، وأنها تظن أن ضعف الدولة يعني ممارسة الجرائم، بالتالي فإن استمرار هذا الضعف في الدولة، واستمرارها بالخضوع أمام إرادات الأحزاب، يغذي تواصل الجرائم".
من جانبها، أشارت الناشطة المدنية نهلة الحسن من بغداد، إلى أن "الاستهتار بالقانون وعدم احترامه أو التخوف من إجراءاته صار يدفع بعض العراقيين إلى ممارسة جرائم الثأر والانتقام بالقتل، حتى تحوّل العراق إلى واحدة من أكثر دول العالم بمعدلات الجرائم"، معتبرة في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "ضعف الإجراءات التحقيقية والعقابية بحق القتلة، وتحوير أسباب القتل إلى جرائم الشرف والثأر والتنازلات التي تسهم بها ذوي المقتول، بسبب الضغوط السياسية والعشائرية، تسببت أيضاً باستسهال جرائم القتل".
وأكملت الناشطة العراقية، أن "الجيل الجديد من العراقيين، وتحديداً جيل ما بعد عام 2003، تربى بطريقة جديدة، وهو جيل يتعرض لأفكار غريبة ويتابع أفلام ومسلسلات وثقافات تدفع بالعنف أكثر، وهذا الجيل هو الأكثر اضطراباً كونه نشأ في ظروف صعبة وخلل أمني وسياسي واجتماعي"، مستكملة حديثها أن "العراق بحاجة إلى حملة توعية تبدأ من المدارس ولا تنتهي في الدوائر الحكومية والشوارع والميادين، والأهم من ذلك كله، هو تقوية أجهزة الأمن والدولة وإبعاد التأثيرات العشائرية والاجتماعية".
بدوره، رأى الخبير العراقي أحمد الشريفي، أن "ما يجري في العراق من جرائم مفجعة، أمر خطير، ويعكس الانفلات الأمني وعدم الخوف من العقاب من قبل القتلة والأشخاص الذين يفكرون بانتقام"، لافتاً في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "العراق يتحول تدريجياً إلى منطقة وحشية بفعل الإهمال لمطالب الناس، وتحولهم تدريجياً إلى مزاجيين وعصبيين ويتعاملون بشراسة مع مشاكلهم وأفكارهم، ما يعني أن هذه الجرائم التي تنتشر وتتزايد ليست أكثر من كونها حصيلة سنوات الفوضى وسوء الإدارة للحكومات التي أعقبت الاحتلال الأميركي للبلاد".