تتزايد جرائم قتل الأقارب في ليبيا في ظل الفوضى الأمنية وغياب القانون وانتشار السلاح. وما زالت السلطات تعاني انقساماً في ظل الصراعات السياسية التي حدت من قدرتها على ضبط الأمن.
ومؤخراً، أعلنت مديرية أمن بنغازي القبض على ابن قتل والده رمياً بالرصاص، على خلفية سوء معاملة والده له، مشيرة إلى أن الابن الجاني كان يتعاطى حبوب الهلوسة والمخدرات.
وأوضحت المديرية أن جيران المجني عليه أبلغوا المديرية باختفاء جارهم، بالإضافة إلى وجود رائحة تنبعث من مسكنه، قبل أن تكتشف أن المجني عليه قتل بواسطة رصاص قبل أيام، في وقت اختفى ابنه الوحيد الذي كان يقيم معه. وبعد اعتقاله، اعترف الابن بقتل والده بسبب سوء معاملته له ومنعه من لقاء أصدقائه وحبسه في المنزل.
ويقول الضابط في البحث الجنائي عبد الكريم جاب الله: "الفوضى الأمنية التي تعيشها غالبية المدن والمناطق الليبية أدت إلى انتشار القتل، عدا عن إفلات عدد من الجناة من العقاب". ويقول لـ "العربي الجديد" إن "سهولة امتلاك السلاح ساهمت في انتشار الظاهرة بشكل كبير، على الرغم من الجهود الأمنية. إلا أن المشكلة تفوق الإمكانات المتاحة".
وفي مطلع يوليو/ تموز الماضي، أفادت مديرية أمن غريان (غرب البلاد) بأن مكتب التحقيقات في قسم البحث الجنائي غريان قد باشر التحقيق في جريمة قتل في المنطقة أسفرت عن سقوط ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة. وأوضحت أن مكتب التحقيقات طوق المنطقة بالتنسيق مع دوريات الشرطة، ليتمكنوا من القبض على الجاني، علماً أن القتلى هم عمه وزوجة عمه وابن عمه. وأشارت إلى أن التحقيقات مستمرة مع الجاني، من دون الإعلان عن تفاصيل الجريمة وأسبابها.
وبالتزامن مع حادثة غريان، شهدت بنغازي جريمة مماثلة، إلا أن الجاني هو ضابط سابق في الشرطة، وقد أقدم على قتل زوجته واثنين من بناته بمساعدة أحد أولاده رمياً بالرصاص.
وبحسب شهادة مديرية أمن بنغازي، فإن الجاني كان يستعد لقتل ابنته الثالثة، لكنها تمكنت من الفرار، فيما أشارت المديرية إلى أنها ما زالت تبحث عن الجاني وابنه اللذين تمكنا من الهرب. وعلى غرار قضايا أخرى، لا تعلن السلطات المختلفة عن حجم الجرائم، ومنها جرائم القتل. إلا أن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان كانت قد أشارت الشهر الماضي إلى أن البلاد شهدت ما بين يناير/ كانون الثاني ويونيو/ حزيران الماضيين 172 حالة قتل خارج إطار القانون في عموم البلاد.
واعتبرت اللجنة أن هذا الرقم "مؤشّر خطير على ارتفاع معدلات جرائم القتل"، والتي زاد الإفلات من العقاب وغياب سلطة القانون من حدتها. ويقول نور الدين سلام وهو مواطن من طرابلس، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إن "ظاهرة قتل الأقارب قديمة ولم تختلف عن السابق، مضيفاً أن المختلف اليوم هو وسائل الإعلام. ففي السابق كانت ضمن المسكوت عنه، إلا أنها ساهمت اليوم في فضح المسكوت عنه".
من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع وليد النيهوم إن "تعاطي المخدرات بشكل أكبر خلال السنوات الماضية في ظل ضعف سيطرة القانون وغياب الدولة يعدّ أحد أسباب ارتفاع نسبة جرائم القتل". يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "قتل شرطي زوجته وابنتيه قد يكون سببه مرتبطاً بالشرف، لكن جريمة مثل قتل الابن لوالده ترتبط بالعنف الأسري أي تعرض الابن للضرب والإهانة من قبل والده، بالإضافة إلى تعاطي المخدرات".
وفي أحيان كثيرة، تعجز الأجهزة الأمنية عن ملاحقة الجناة، وخصوصاً إذا كان الجاني على علاقة بالمجموعات المسلحة. في هذا الإطار، يؤكد النيهوم على دور المؤسسات الأهلية، سواء البحثية منها أو الجامعات، في رصد هذه الظاهرة وبحث أسبابها واقتراح العلاجات اللازمة، مشيراً إلى أن من بين الموانع أو العوائق التي قد تقف أمام الجهود الأهلية "خشية الباحثين ومسؤولي الجامعات من الاقتراب من القضايا ذات الحساسية العالية مثل جرائم الشرف". ويتحدث عن أهمية تعزيز الرادع الديني للحد من هذه الظاهرة، قائلاً: "يجب تفعيل الروادع الاجتماعية". ويلفت إلى أن "الأعراف السائدة في المجتمع قادرة على طرح حلول وبدائل عن ارتكاب جرائم بدافع الشرف، منها التفريق بين الزوجين بالطلاق مع وضع ضمانات اجتماعية تحفظ مكانة الزوج في المجتمع". يضيف: "تعد مثل هذه الأعراف جائرة بحق المرأة، إلا أنها قد تقلل من هذه الظاهرة نسبياً".
ويلفت إلى أن أحد أسباب شيوع ظاهرة القتل بشكل عام هو "انتشار السلاح وسهولة الحصول عليه"، موضحاً أن التقديرات تؤكد وجود ملايين قطع السلاح بين أيدي المواطنين وخارج سيطرة الدولة. ويقول إنه "من دون السيطرة على السلاح ومعاقبة كل من يمتلكه من دون ترخيص واحتكار الدولة له، ستستمر الظاهرة وتتزايد".