تتصاعد الانتهاكات في السجون المصرية ضدّ المعتقلين السياسيين خصوصاً، ولا تفرّق بين ذكور وإناث، ما أشعل موجة إضرابات واحتجاجات أخيرة، مع استمرار غياب الرقابة التي يفترض أن تحمي حقوق المحتجزين
يوم الأحد الماضي، قررت محتجزات في عنبر السياسي "عنبر 1" بسجن القناطر للنساء، في مصر، الدخول في إضراب عن الطعام، احتجاجاً على اعتداءات وحشية تعرّضن لها من قبل إدارة السجن. وكانت إدارة السجن قد أجرت قبل ذلك بأربعة أيام حملة تفتيش على العنابر، تعرضت فيها المحتجزات لإهانات وعنف أثناء التفتيش، كما جرى نقل (تشريد) خمس منهنّ إلى عنبر المخدرات داخل السجن. وتصاعدت الأزمة حين اعترضت المحتجزات على الأسلوب المهين في التفتيش وعلى نقل اثنتين من زميلاتهن، فنقلت الإدارة ثلاثاً أخريات. من جهتها، ما زالت عائشة الشاطر، المحتجزة انفرادياً في سجن القناطر، تعاني من تردي وضعها الصحي بسبب مرض فقر الدم اللاتنسجي، وسبق أن تعرضت لنزيف حاد نُقلت على إثره إلى مستشفى القصر العيني، كما لا يُسمح لأهلها بالزيارة في السجن، في مخالفة للمواعيد المذكورة في القانون، وقد دخلت الشاطر من قبل في إضراب عن الطعام نظراً لسوء وضعها داخل السجن مما زاد من تدهور صحتها. كذلك، سبق لأسرة الصحافية سولافة مجدي، تقديم شكاوى عدة، نظراً لانقطاع أخبارها خلال فترة تعليق الزيارات. وكانت سولافة تعاني من آلام شديدة في الظهر والركبة منعتها من الحركة، بالإضافة إلى ما أظهرته التحاليل الطبية الخاصة بها من ارتفاع نسبة الصفائح الدموية (اضطراب كثرة الصفيحات).
وفي الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن معتقلو سجن استقبال طرة، إضرابهم عن تسلم التعيين (طعام السجن) بعد تصاعد الانتهاكات التي ترتكبها إدارة السجن ضد المحتجزين، وذلك على خلفية تعرّض اثنين من السجناء إلى الصعق بالصواعق الكهربائية، يوم 1 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ووضعهم في قسم التأديب بالملابس الداخلية فقط، إلى جانب الاعتداء على السجناء الباقين، إذ فتشت إدارة السجن الزنازين بالكامل لمصادرة أيّ طعام وشراب وملابس وجرادل للمياه (دلاء)، بالإضافة إلى إزالة المراوح في بعض الزنازين. ومنذ 28 سبتمبر/أيلول الماضي، مُنعت زيارة العيادة أو الشراء من الأماكن المخصصة أو التريض، كما مُنع السجناء من سحب أموالهم من الأمانات بشكل كامل، وأخيراً جرى تقييد السجناء بالأغلال أثناء الزيارات.
ونتيجة للتعنت ضدهم، رفع السجناء عدة مطالب، أهمها "حضور النيابة العامة وإثبات حالة السجن والتحقيق مع من قاموا بالتعدي بالصواعق الكهربائية على السجناء. كذلك، إعادة التريض والسماح بزيارة العيادات والكانتين (مقصف الطعام) والسحب من الأمانات كما كانت الحال في السابق، والتوقف عن تقييد السجناء داخل السجن وأثناء الزيارات، وخروج جميع الذين تم وضعهم في التأديب مع حملة التجريد (التفتيش والمصادرة) وإعادة كلّ متعلقات السجناء التي صودرت (الملابس، وأواني الطعام، وسخان الطعام، وأغطية النوم، والأدوية)".
في الإطار نفسه، تعرّض الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، لانتهاكات عدة منذ احتجازه في سجن طرة، فهو ما زال محتجزاً في زنزانة انفرادية لأكثر من عام ونصف، ولا يتلقى الرعاية الطبية اللازمة لوضعه الصحي الحرج، مما تسبب في تعرضه لذبحة صدرية في يونيو/حزيران الماضي. كذلك، هناك مطالبات عدة بإخلاء سبيل النائب السابق زياد العليمي، الذي يعاني من بعض الأمراض، منها السكري، وارتفاع ضغط الدم، والربو، ونقص المناعة الذي يهدد وضعه الصحي في ظل أزمة كورونا. لكنّ هذه المطالبات كانت بلا جدوى. بالإضافة إلى ذلك، توفي الدكتور عصام العريان إثر إصابته بأزمة قلبية في أغسطس/آب الماضي في سجن طرة (العقرب) شديد الحراسة، بعد مطالبات منه ومن أسرته بتمكينه من الحصول على حقه في الرعاية الطبية اللازمة. وبعد شهر واحد من ذلك، توفي في السجن نفسه، الدكتور عمرو أبو خليل، في سبتمبر/أيلول الماضي بعد تدهور وضعه الصحي.
كل هذه الإضرابات عن الطعام، والأزمات الصحية التي يعاني منها السجناء والمعتقلون، بالإضافة إلى انتشار فيروس كورونا الجديد تطرح سؤالاً واحداً: أين الرقابة على السجون؟ عن هذا، قالت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان (مجتمع مدني) إنّها تابعت ما أعلنته النيابة العامة ومصلحة السجون عن زيارة عدد من السجون المصرية للوقوف على الوضع فيها، ومدى توافر حقوق السجناء. إذ أصدرت النيابة العامة بياناً عن إجرائها تفتيشاً لمنطقة سجون القناطر في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تنفيذاً لتوصيات النائب العام، وذلك لتفقد أوضاع السجناء الصحية والمعيشية واستقبال شكاواهم والنظر في سلامة الإجراءات القانونية المتبعة داخل السجن.
وأضافت الجبهة: "لم يذكر الخبر السجون التي تمت زيارتها، والنتائج التي توصلت إليها اللجنة في ما تم رصده من الأحوال المعيشية والصحية. كذلك، أوضحت النيابة العامة أنّه تم رصد الإجراءات الوقائية المتبعة في ما يخص فيروس كورونا وفي حال وجود حالات اشتباه، لكنّها لم تذكر طبيعة هذه الإجراءات ومدى جديتها وكفاءتها. واختتمت النيابة بيانها بأنّ النائب العام قام بتكليف مدير إدارة حقوق الإنسان بمكتب النائب العام بإعداد تقرير تفصيلي عن إجراءات ونتائج زيارة التفتيش للعرض عليه، لكن لم يتم توضيح مدى إتاحة هذا التقرير إعلامياً والإعلان عنه للنظر في وضع السجون، خصوصاً في ظل سياسة التعتيم التي ينتهجها قطاع مصلحة السجون". تابعت: "في التوقيت نفسه، الذي تقوم فيه النيابة العامة بزيارة تفتيشية لمنطقة سجون القناطر، والذي يُعد إلزاماً دستورياً وفقاً للمادة 56 من الدستور المصري التي نصت على خضوع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي والذي تنظمه المواد 85 و86 من قانون تنظيم السجون، تتعرض العديد من المحتجزات داخل سجن القناطر لانتهاكات عدة. وإلى جانب زيارة النيابة العامة التي تبرز أهميتها في نصوص دستورية وقانونية، قامت مصلحة السجون في الشهر الجاري بعقد ندوة تثقيفية في مجمع سجون طرة، واستضافت عدداً من الإعلاميين والصحافيين، للحديث حول أوجه الرعاية المقدمة للسجناء".
وأضافت: "قام هؤلاء الزائرون بجولة لتفقد الوضع داخل السجن، والتي على إثرها أكد بعض الصحافيين على قدرة الإجراءات الوقائية المتبعة في السجون على مواجهة فيروس كورونا، وكفاية السلع المقدمة داخل السجون والتي تصل إلى الاكتفاء الذاتي. وطبقاً لما ذكره اللواء هشام البرادعي، مساعد وزير الداخلية، أكدوا على عدم التفرقة بين السجناء، سواء كانوا من خلفية سياسية أم لا، وأنّه لا يتم النظر لصفة السجين وانتماءاته". وعلقت الجبهة: "يأتي تصريح اللواء البرادعي مناقضاً لما وثقته عدة منظمات حقوقية من تدهور الأوضاع الصحية والمعيشية داخل السجون، إلى جانب ما يتعرض له السجناء السياسيون بالتحديد من تعنت في الحصول على أبسط حقوقهم في تقديم الرعاية الصحية، أو منع من الزيارات أو التريض أو حبسهم انفرادياً".
وكان المجلس القومي لحقوق الإنسان قد أعلن، في مطلع العام الجاري، عن ترتيبه مع النائب العام لزيارة عدد من السجون، من ضمنها سجن طرة شديد الحراسة، وأنّ نتائج هذه الزيارات سيتم الإعلان عنها، لكن لم يتبع هذا التصريح أي إعلان عن زيارات فعلية. وإلى جانب هذا الإعلان، كانت الجولتان السابق ذكرهما والزيارة التي سمحت بها وزارة الداخلية لبعض القنوات الإعلامية في فبراير/شباط الماضي هي الزيارات الوحيدة المعلنة منذ بداية هذا العام، والتي لم تختلف عن الزيارة الشهيرة في العام الماضي لسجن طرة شديد الحراسة، التي كان الهدف منها تحسين صورة الأوضاع داخل السجون بعد وفاة الرئيس السابق محمد مرسي، في إطار الاستعراض الدوري الشامل لملف حقوق الإنسان في مجلس حقوق الإنسان، خصوصاً بعد تداول أخبار حول إضراب بعض السجناء عن الطعام في طرة شديد الحراسة.
وقالت الجبهة: "حصلت هذه الزيارات التي تفتقر إلى الشفافية والفاعلية سواء من قبل النيابة العامة أو من جهة مصلحة السجون، في ظلّ بداية الموجة الثانية من جائحة كورونا، وتصاعد حالات الوفاة داخل أماكن الاحتجاز التي تجاوزت الستين محتجزاً منذ بداية هذا العام، وذلك نتيجة الإهمال الطبي وتجاهل مطالب السجناء واستغاثات ذويهم بضرورة تلقيهم الرعاية الطبية اللازمة لوضعهم الصحي، واتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية لمواجهة جائحة كورونا. هذا بالإضافة إلى وقوع العديد من حالات الإضراب عن الطعام من قبل المحتجزين في سجون مختلفة، من ضمنها حادثة الإضراب الأخيرة الواقعة في سجن استقبال طرة احتجاجاً على سوء المعاملة".
ونددت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان بتقصير النيابة العامة، الذي يصل إلى حدّ التواطؤ، في أداء واجبها ومسؤوليتها الدستورية والقانونية في الإشراف على السجون ومتابعة أوضاع المحتجزين. وأكدت الجبهة على أنّ أيّ زيارات رسمية إلى السجون لا تعقبها تقارير مُفصَّلة وشفافة عن أوضاع هذه السجون لا يمكن اعتبارها إلاّ حملات ترويجية زائفة، غرضها الأساسي هو التعتيم على المخالفات القانونية التي تقع داخل تلك السجون.