جرائم خطف في السويداء

13 يونيو 2021
يعاني أهالي السويداء من تدهور الأمن (Getty)
+ الخط -

"طمني بس تصل" جملة أصبح يسمعها كل من يريد الانتقال من مكان إلى آخر في السويداء، إن كان بين البلدات والمدن، أو حتى بين أحياء المدينة. ويزيد الخوف من الخطف أو السرقة خصوصاً في ساعات الليل، إضافة إلى القلق من تأثير هذه الجرائم على العلاقة مع بقية المكونات السورية، في ظل موقف مريب للنظام الذي تشكل أجهزته الأمنية غطاء لغالبية المتهمين.
يقول أبو نزار أبو صعب (53 سنة)، من السويداء، لـ"العربي الجديد": "الوضع الأمني في المحافظة تدهور كثيراً خلال السنوات الأربع الأخيرة، وانتشرت عمليات الخطف التي تستهدف الأشخاص الميسورين من الوافدين إلى المحافظة من مختلف المناطق السورية، ما دفع غالبيتهم إلى المغادرة خوفاً على أنفسهم، وعلى أفراد عائلاتهم، وأرزاقهم. وبعد أن تراجع عدد الوافدين، بدأت عمليات الخطف والسلب تطاول أبناء المحافظة، في حين تتخذ الأجهزة الأمنية التابعة للنظام دور المشاهد المتواطئ جراء ارتباط كثير من المجرمين بأفرادها". 
يضيف أبو صعب: "كنا نسهر خارج المدينة، ونعود بعد منتصف الليل دون أن نخشى شيئاً، واليوم تغيرت الأوضاع، فأصبح التنقل ليلاً أمراً غير مرغوب به بسبب تكرر عمليات الخطف والسلب، وغالباً ما نتجنب التنقل ليلاً  حتى داخل المدينة، وإن كان لا بد من التنقل فيجب أن يكون معنا سلاح، فلم يعد هناك ما يضمن حمايتنا إلا السلاح الشخصي". 

يصر أبو محمد منذر (48 سنة)، وهو صاحب محل نجارة في السويداء، على توصيل صديقه العائد إلى دمشق، حتى باب الحافلة (البولمان)، بسيارته الخاصة، ويوصيه أن يتصل به إذا تعرض لأي موقف. كما اتصل عدة مرات حتى تأكد أنه وصل إلى دمشق بأمان. يقول لـ"العربي الجديد": "يحاولون النيل من تاريخ الجبل كبلد للضيافة والكرم، لكننا سنحمي الضيف ونكرمه مهما حاولوا". وأضاف منذر: "اللافت للنظر أن غالبية عمليات الخطف كانت تتم على طريق دمشق- السويداء، حيث تكون عصابة الخطف بانتظار الضحية، ولديها جميع المعلومات حوله، من اسمه إلى رقم ولون السيارة التي تقله، وهذه الوقائع تم توثيقها في كثير من الحوادث خلال السنوات الماضية". 
ولظاهرة الخطف قصة طويلة في السويداء، بدأت عندما كانت الأجهزة الأمنية تعتمد سياسة الخطف والخطف المضاد، إذ تقوم بخطف أقرباء شخصيات في الفصائل المعارضة للضغط عليهم، أو ابتزازهم، فترد الفصائل بخطف عناصر تابعة للنظام، وتتم بعدها عمليات التبادل. ولتفشي الفساد داخل أجهزة النظام علاقة بهذه العمليات التي تشمل دفع الفدية، والرشاوي، حتى أصبحت مصدر دخل إضافي لعدد من المتنفذين بالشراكة مع مجموعات إجرامية مرتبطة مع تلك الأجهزة بعد تراجع مصادر الدخل المستندة إلى الأعمال غير المشروعة، مثل التجارة بالوقود من البادية إلى درعا، وتهريب المواد الغذائية وغيرها من الاحتياجات.

من جهته، يرى ناشط محلي طلب إخفاء اسمه لأسباب أمنية، أن "عمليات الخطف قد تكون نتيجة للفساد، أو غياب القانون، لكنها في العمق تندرج ضمن سياسة أمنية تهدف إلى تضييق العيش على أهالي السويداء، عبر طرد رأس المال، وإنهاء الحركة الاقتصادية التي ساهم بها الوافدون السوريون، فضلاً عن تعميق الشروخ بين المكونات السورية. فخلال السنوات العشر الماضية، تواجد في السويداء أكثر من 18 ألف أسرة قادمة من مختلف المحافظات، في مشهد غير مسبوق، وكانت السنوات الأولى فرصة للتعارف والتقارب، خاصة أن النظام يبث منذ عقود الشائعات بين المكونات بهدف تغذية الحساسيات المجتمعية والصور النمطية التي تعمق النزاعات". 
يضيف أن "الخطف نتج عنه عدد من الضحايا، وشكل ضربة للنسيج الوطني، لكنه بدأ مؤخراً يهدد الأمن المجتمعي، ما قد يتسبب بوقوع اقتتال داخلي، سواء عائلي أو مناطقي، وبالتالي يسمح للنظام بالتسلل، وإعادة السيطرة على السويداء التي تعيش حالة من العصيان المدني غير المعلن منذ عام 2014، منذ منعت حركة رجال الكرامة، بقيادة الشيخ وحيد البلعوس، الأجهزة الأمنية من إجراء أي اعتقالات تعسفية داخل المحافظة، كما تجبرهم على إطلاق سراح من يعتقل، وأعطت المستنكفين عن الخدمة العسكرية نوعاً من الحماية. ورغم اغتيال البلعوس في عام 2015، استمر هذا التوازن مع تبني العديد من الفصائل المحلية هذه الخيارات". 
في السويداء، يمكن أن يخبرك أي مواطن بأسماء الشخصيات والمجموعات المتهمة بارتكاب أعمال الخطف والسلب، فتتكرر أسماء مثل راجي فلحوط ومجموعته، والذين اعترفوا عبر موقع "فيسبوك"، بارتكاب جريمة قتل أحد أبناء بلدة عتيل، وكذا معتز مزهر، المتهم بقتل عدة أشخاص، ومجموعة مهران عبيد، وعصابة عتيل، وعصابة قنوات، وجميعهم منبوذون مجتمعياً، لكن النظام يحتضنهم، وبعضهم يحمل بطاقات أمنية، أو يقوم بمهمات أمنية بسيارات مسروقة أو مهربة من خارج البلاد، ما يعطيهم سطوة على المجتمع.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وحين يتم إلقاء القبض على أحدهم من قبل مجموعات محلية، وتسليمهم للشرطة، أو أحد الأفرع الأمنية، يتم إطلاق سراحهم بعد أيام قليلة، ومن يتم تحويله إلى المحاكمة، يصدر عفو من رئيس النظام عنه، ليخرج من جديد للتنكيل بأفراد المجتمع الذين يطالبون في كل مناسبة بتفعيل سيادة القانون، ورفع الغطاء عن المجرمين. 
ووثقت وسائل إعلام محلية في السويداء، 238 حالة خطف خلال عام 2020، وكان من بين المخطوفين 65 مدنياً خطفوا من قبل عصابات محلية طمعاً بالفدية، و16 مدنياً من السويداء خطفوا في درعا، وكانت الأرقام مماثلة تقريباً في عام 2019.

المساهمون