جرائم المغرب... القتل المستمرّ يخيف المواطنين

11 مارس 2021
باتت الجرائم حديث الناس (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

شهد المغرب مؤخراً عدداً من جرائم القتل جعلت الكثير من المواطنين يعيشون في حالة قلق وصدمة في آن. ويكفي استحضار عدد منها للدلالة على ما تشهده البلاد. ليلة 15 فبراير/ شباط الماضي، قتلت فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً خنقاً على يد والدتها في مدينة الدار البيضاء، بعد شجار حاد بينهما. وقبل فترة، وقعت جريمة في منطقة مارشي مالاباطا في مدينة طنجة (شمال المغرب) راح ضحيتها تاجر، بعدما أقدم مجهولون على تقييد يديه وطعنه وتركه ينزف إلى أن فارق الحياة في محله.  
وفي مدينة سلا القريبة من العاصمة الرباط، أثارت جريمة قتل وقعت في السادس من الشهر الماضي، الهلع بين المواطنين، وما زالت القوى الأمنية تكثف جهودها للعثور على هوية المجرم أو المجرمين حيث ذبح ستة أشخاص من عائلة بينهم رضيع، وأحرق المنزل الذي يعيشون فيه.  
هذه الجريمة التي كان حي الرحمة مسرحاً لها، والتي سبقتها جرائم قتل مروّعة، أعادت إلى الواجهة موضوع تعزيز الأمن في مدينة سلا، التي تعد ثاني أكثر مدينة مغربية من حيث الكثافة السكانية بعد الدار البيضاء.
وبشكل عام، فإن الجرائم الثلاث الأخيرة، شكلت صدمة للرأي العام. ليس هذا فقط، إذ عثر مؤخراً على جثة طفلة من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية والذهنية متحللة في إحدى قرى محافظة زاكورة (جنوب شرق)، بعد 42 يوماً على اختفائها في ظروف غامضة، بالإضافة  إلى اغتصاب وقتل طفل يدعى عدنان في مدينة طنجة في 12 سبتمبر/ أيلول الماضي، والذي عد اختفاؤه لغزاً قبل العثور على جثته.
تُشير إحصائيات إلى ارتفاع نسب الجرائم خلال السنوات الأخيرة، ما يثير خوف المواطنين الذين يطالبون المعنيين بالعمل على الحد منها. وسجّل تقرير أصدره مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات في يوليو/ تموز 2019 زيادة سنوية في جرائم القتل وصلت نسبتها إلى 2.1 من كل 100 ألف حالة وفاة. وأشار التقرير إلى أن عدد جرائم القتل وصل خلال عام 2017 إلى 761 حالة. وعرف عدد حالات القتل ارتفاعاً مقارنة بعام 2016 إذ بلغت فيه 594، في حين لم تتعد 89 عام 1990.  وبلغت نسبة جرائم القتل التي يرتكبها شريك أحد أفراد العائلة 29 في المائة، و8 في المائة نتيجة السرقة، بينما تصل نسبة 19 في المائة بسبب تأثير الكحول والمخدرات.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ويطرح توالي تسجيل الجرائم في البلاد أسئلة عدة حول الأسباب التي تؤدي إلى ارتكابها. في هذا الإطار، يقول الباحث في علم اجتماع الجريمة، عادل بلعمري، إن المظاهر والأنماط الإجرامية ترتبط بتطور وتغير المجتمع، الذي يشهد اختلافاً في التواصل وبناء العلاقات وأشكال التضامن الاجتماعي بدءاً من العائلة الواحدة، من جراء التحولات السريعة التي تشهدها البنى الاجتماعية، لا سيما في الأطراف. ويشير إلى أن "الديناميكة المجتمعية الحديثة التي تأتي في سياق ظاهرة العولمة ضاعفت من نفوذ وسلطة الجناة بعدما تجاوزت تلك الصور التقليدية منها. وفي النتيجة، نشهد تحولات جذرية وقد انتقلنا من النزعة الفردية للإجرام إلى النزعة الجماعية". 

كلّ إلى وجهته (جلال مرشدي/ الأناضول)
كلّ إلى وجهته (جلال مرشدي/ الأناضول)

ويوضح بلعمري في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن توالي تسجيل جرائم  مروعة ينم عن تحول جذري وخلل في القيم والمعايير المجتمعية، وزيادة النزعة الأنانية لدى الأفراد. ويشير إلى أن هذا الواقع لم ينشأ من فراغ بل له أسبابه ومبرراته، منها المشاكل النفسية والاجتماعية. ويرى أن القاسم المشترك بين كل تلك الجرائم هو أنها تحدث داخل التجمعات الحضرية الكبرى، وتحديداً عند الأطراف، والتي شهدت انتشاراً للجرائم خلال السنوات الأخيرة بسبب التحولات السريعة نتيجة للتفكك الاجتماعي.   
ويتحدث عن "مجموعة من المتغيرات التي طرأت على ثقافة المجتمع المغربي بشكل عام، والمتعلقة بالبنية الاجتماعية وقيم التنشئة، وقدرة بعض المؤسسات على مواكبة الأساليب التربوية الحديثة أو المختلفة كالعائلات والمدارس الحكومية، بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي لعبت دوراً سلبياً لناحية نشر قيم مختلفة وتافهة أحياناً، عدا عن التشهير بالآخرين". 
يضيف: "كل ما سبق له تأثيراته على القدرة على ضبط النفس في المجتمع، في ظل تراجع القيم الأساسية". ويشير إلى أن ما نشهده من "جرائم وحشية هي دخيلة على المجتمع المغربي بما يجسده من قيم التسامح والتعايش مع الآخر ونبذ العنف والكراهية".
من جهته، يقول الباحث في علم الاجتماع عبد المنعم الكزان، إنه لكلّ جريمة أسبابها، إلا أنها ترتبط بمعظمها بالأزمة الاقتصادية والتهميش، بالإضافة إلى ما تعرض له مرتكبو هذه الجرائم من عنف في مرحلة الطفولة، عدا عن التفكك الأسري. ويشدد على ضرورة عدم نسيان التحولات التي تعيشها المجتمعات حول العالم. "أصبحنا نتحدث عن التنشئة الافتراضية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ما جعل العائلة والمدرسة والحي في منأى عن التربية والدمج". 

ويرى الكزان أن حدة الجرائم وآثارها السلبية على المستويين الأمني أو الاجتماعي تتطلب اهتماماً أكبر بجودة التعليم والحد من البطالة والتوعية حول الأمراض النفسية ومساعدة المرضى النفسيين، وتطوير الأبحاث في ميدان الجريمة. ولفت إلى أنه في الوقت الذي كان يفترض فيه إصدار "المرصد الوطني للإجرام"، أضاع تلكؤ الحكومات المتعاقبة عقداً من البحث العلمي في مجال الجريمة، كان من الممكن أن يساهم في الوقاية من بعضها.
تجدر الإشارة إلى أنه منذ سنوات، عمل المغرب على تعديل القوانين بهدف الحد من الجريمة والتأقلم مع التطور الحاصل في الجرائم، من بينها القانون الجنائي. وكانت خطة عمل منع الجريمة ومكافحتها جزءاً من الاستراتيجية التي اعتمدتها الإدارة العامة للأمن الوطني خلال الفترة الممتدة بين عامي 2015 و2018، والتي ركزت عملها على النهج الاستباقي المتمثل في اعتقال الأشخاص المطلوبين قبل ارتكاب جرائمهم. 
وفي وقت سابق، ربطت السلطات الأمنية الزيادة اللافتة في نسبة الجرائم المسجّلة خلال عام 2020 بتفشي فيروس كورونا والتداعيات الاقتصادية السلبية التي فرضها. 

المساهمون