جدل في الصين بشأن استخدام الأطفال على الإنترنت

28 مارس 2022
يحرص بعض الأهل على توثيق لحظاتهم مع أطفالهم ونشرها على الانترنت (غريغ بايكر/ فرانس برس)
+ الخط -

أثارت قبل أيام حادثة وقوع وإصابة طفلة صينية أجبرها والدها على السير على حبل مشدود في بث مباشر عبر منصة دوين لمقاطع الفيديو القصيرة، جدلاً كبيراً حول استخدام الأطفال في الكسب المادي عبر الإنترنت. وكانت الطفلة البالغة من العمر ثلاث سنوات، ويتابع حسابها 4 ملايين شخص، تحاول بمساعدة والدها أن تقطع المسافة بين كرسيّين موصولين بحبل سميك دون وسائل حماية، قبل أن تسقط بشكل مروع على رأسها، الأمر الذي دفع والدها إلى إيقاف البث ونقلها إلى المستشفى. 
وبحسب تقارير محلية، أُصيبت الطفلة بارتجاج في الدماغ بينما تم احتجاز والدها في قسم الشرطة بمدينة داندونغ شمالي البلاد، بعدما وُجهت له اتهامات بتعريض حياة ابنته للخطر. وكان والد الطفلة الضحية قد اعترف أثناء التحقيق بأنه يحصل شهرياً على عائدات مالية تصل إلى 150 ألف يوان في الشهر الواحد، أي ما يعادل 23 ألف دولار. وهو رقم استفز المجتمع الصيني وفتح نقاشاً حول مشروعية هذا الأمر استناداً إلى نص قانون حماية القُصر الذي ينص على أنه لا يجوز لأية منظمة أو فرد تنظيم القاصرين لأداء أنشطة تعرض صحتهم البدنية والعقلية للخطر.
وخلال الأشهر الأخيرة، انتشرت في الصين حسابات لأطفال قُصّر على منصة دوين لمقاطع الفيديو القصيرة، توثق تفاصيل حياتهم اليومية. وشهدت بعض المقاطع إرغام الأطفال على القيام بأعمال لا تتناسب مع أعمارهم، مثل وضع المكياج على الوجه، وارتداء ملابس البالغين، وتناول الطعام الحاذق، بالإضافة إلى حثهم على القيام بحركات خطيرة من أجل جذب المتابعين والحصول على أكبر عدد من المشاهدات. 
وفي حادثة شهيرة حصلت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بمدينة شانغهاي، دفع رجل طفله البالغ من العمر تسع سنوات، إلى التهام خمس وجبات من الهامبرغر دفعة واحدة، في أثناء البث المباشر على منصته التي تحمل عنوان "الملك ذو المعدة الكبيرة"، ما أدى إلى إصابة الطفل بالاختناق، و نُقل على أثر ذلك إلى المستشفى في حالة طوارئ.
في هذا السياق، تقول الباحثة الاجتماعية لونغ يي، في حديثها لـ "العربي الجديد"، إن استخدام الأطفال من أجل الكسب المادي والمظاهر الاجتماعية، أمر مخالف للقانون والطبيعة البشرية، واصفة ذلك بأنه أشبه بدفع الأطفال إلى حفرة من النار. وتوضح أن انجذاب الناس الفطري للأطفال والثناء على كل ما يصدر عنهم، جعل مقاطع الفيديو الخاصة بهم تلقى رواجاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي مقارنة بفئات عمرية أخرى. لذلك، تحظى العديد من هذه المقاطع بمئات الآلاف من الإعجابات وآلاف التعليقات من مستخدمي الإنترنت، والملايين من المعجبين، ما يؤدي إلى تحقيقهم أرباحاً مالية. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتشير إلى أن هذا الأمر شجع أولياء الأمور على خوض هذه التجربة وتحويل أبنائهم إلى مشاهير على شبكة الإنترنت، نظراً لسهولة الحصول على الأموال بهذه الطريقة، إلى جانب الشهرة والاسترخاء في المنزل عوضاً عن الذهاب إلى العمل والحصول على راتب شهري محدود.

تضيف يي أنه "من المؤسف أن بعض شركات الإعلانات ساهمت في اتساع هذه الظاهرة من خلال تقديم عروض لزيادة عدد المتابعين لمثل هذه الحسابات، والوصول إلى مليون متابع خلال فترة زمينة قصيرة". وتلفت إلى أن هذا الأمر يجعل الأطفال شركاء في أنشطة تجارية قبل الأوان، كما أن ما يُعرض من محتوى ينتهك الخصوصية ويؤثر على قيم الأطفال في عمر مبكر. وتشدد على ضرورة التدخل من أجل حماية صحة الأطفال العقلية والجسدية، ووضع حد لهذه التجاوزات، معتبرة أن جمال الطفولة في براءتها وعفويتها وليس في الضجيج المبتذل الذي يصنعه الأهل.

طفلة صينية تلتقط سيلفي لنفسها (نانج يانجون/ Getty)
طفلة صينية تلتقط سيلفي لنفسها (نانج يانجون/ Getty)

من جهته، يقول الخبير التقني في منصة دوين تشانغ وي، لـ "العربي الجديد"، إن جميع إدارات المنصات الإلكترونية الخاصة بنشر مقاطع الفيديو القصيرة تتلقى إشعارات دورية من إدارة الإنترنت الحكومية، بشأن ممارسة القيود على استخدام القصر للشبكة، بعد تصاعد الدعوات الشعبية المطالبة بمنع الأطفال من البث المباشر وتصوير مقاطع الفيديو. يضيف أنه لا أحد يستطيع مخالفة التعليمات الحكومية، وجميع الشركات تنفذ الأوامر وتفرض قيوداً على وصول فئات عمرية محددة مثل منع من هم دون سن 16 عاماً إلى خدمات البث المباشر. لكن المشكلة، على حد قوله، تكمن في أن مثل هذه الحسابات تدار من أولياء الأمور وبالغين يستوفون جميع الشروط القانونية.

 بالتالي، يصعب في هذه الحالة منع الأهل من إظهار أطفالهم في البث المباشر، كما أنه من الصعب التأكد ما إذا كان الأهل يستخدمون أطفالهم بشكل سيئ أم لا في أثناء البث، لافتاً إلى أن هناك 800 مليون مستخدم للإنترنت في الصين، ولدى أكثر من 75 في المائة منهم لديهم منصات إلكترونية، ونحو 43 في المائة من هؤلاء يستخدمون تقنية البث المباشر سواء للترفية أو لأغراض تجارية.
يشار إلى أنه في أغسطس/ آب الماضي، تقدم مدعون عامون صينيون بدعوى قضائية للنيابة العامة في العاصمة بكين، ضد شركة "تنسنت" التي تملك العديد من المنصات والتطبيقات المشهورة في الصين، بسبب مزاعم تتعلق بانتهاك حقوق الأطفال. وطالب المدعون بتوفير المزيد من الحماية للمستخدمين القُصّر حتى لو تطلب الأمر إغلاق الشركة التي تقدر قيمتها السوقية بـ 680 مليار دولار.

المساهمون