تتواصل في روسيا النقاشات الساخنة بين أنصار فرض التطعيم واعتماد الشيفرات الرقمية التي تحصر زوار الأماكن العامة بالملقحين من أجل الحدّ من انتشار فيروس كورونا، وآخرين يرون أن هذه الإجراءات تنتهك الحريات الأساسية التي يكفلها الدستور والقانون.
ومن أجل تعزيز حملة التوعية، نظمت السلطات في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي زيارة لأشخاص يرفضون التطعيم إلى "المنطقة الحمراء" في مستشفى بالعاصمة الروسية موسكو، لإطلاعهم ميدانياً على خطورة إصابات المرضى، لكن الأطباء اضطروا إلى إنهاء الزيارة قبل موعدها المحدد بسبب رفض المدعوين غير المطعمين ارتداء وسائل الوقاية اللازمة.
ولا يزال البرلمان الروسي يواصل النظر في مشروع قانون إلزام استخدم الشيفرات الرقمية في الأماكن العامة، علماً أن سلطات في أقاليم عدة استبقت تشريعات البرلمان، واعتمدت نظام البطاقات الرقمية الخاصة بالمطعمين من كورونا للسماح بدخول المقاهي والمطاعم والمراكز التجارية، واستخدام وسائل النقل العامة.
لكن قرارات هذه السلطات أطلقت احتجاجات رفضت فرض الشيفرات الرقمية، وطالبت بإلغائها والعدول عن التطعيم الإلزامي. وفي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، شارك حوالى 20 شخصاً في وقفة نظمت أمام المجلس المحلي بمدينة يكاتيرينبورغ التي تقع في منطقة أورال وتفصل بين قارتي أوروبا وآسيا، للتعبير عن غضبهم من أساليب مكافحة كورونا.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه موقع "سوبر جوب دوت رو" للبحث عن الوظائف، ونشر نتائجه في مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، تأييد 51 في المائة من الأشخاص الذين استطلعت آراؤهم فكرة إجراء استفتاء شعبي حول مسألة فرض الشيفرات الرقمية.
ويوضح الصحافي المتخصص في الشؤون العلمية فاليري روزانوف لـ"العربي الجديد" أن "ما يدفع مجموعة عريضة من الروس إلى الاحتجاج ليس فرض استخدام الشيفرات الرقمية تحديداً، بل طريقة تطبيق النظام والازدواجية في تحديد الأماكن التي لا يمكن دخولها من دون شيفرات".
يضيف: "لعبت الشيفرات الرقمية والتطعيم الإلزامي وإجراءات أخرى دوراً إيجابياً في الحدّ من انتشار كورونا، لكنها قسّمت أيضاً المواطنين إلى شريحتين".
ويعلّق على دوافع رافضي التطعيم في روسيا بالقول: "لا نعرف حتى الآن ما التأثير طويل الأمد للتطعيم على صحة الإنسان وأعراضه الجانبية، باعتبار أن اللقاحات المضادة لكورونا قيد التجريب، وتتطلب متابعة حالات المطعمين على فترات طويلة. وفي ظل عدم الإعلان عن المواد التي تحتويها اللقاحات، يرفض أشخاص تلقيها لأسباب عدة، بينها دينية، فالمسلمون مثلاً لا يعلمون إذا كانت كل مكونات اللقاحات حلالاً لهم".
ويلفت روزانوف إلى أن فرض البطاقات الرقمية "زاد حالة فقدان الثقة بين المواطنين والسلطة. وواضح أن هناك ازدواجية في تطبيق نظام الشيفرات الرقمية التي لا يمكن دخول مراكز تجارية في بعض المدن من دونها، ولكن ذلك لا يسري على المطارات رغم الطوابير التي تحتشد فيها، وتعذر التزام تدابير التباعد الاجتماعي في هذه الظروف. والناس يرون ما يحصل، ويدركون أنه يجري شطب مفعول بعض الإجراءات على حساب تطبيق أخرى. وفي حال تم تثبيت نظام الشيفرات الرقمية، وتقييد حرية التحرك على مستوى القانون، سيعمّق ذلك انقسام المجتمع الذي قد لا يمكن تجاوزه حتى بعد إلغاء الإجراءات".
إلى ذلك، انتقدت الشركات عاملة في قطاعات الخدمات والنقل مشروع قانون الشيفرات الرقمية، لأن تطبيقها سيخفّض بالتأكيد حركة السفر والإقبال على المطاعم.
وحذر اتحاد الشركات السياحية الروسية من أن تطبيق نظام الشيفرات الرقمية قد يؤدي إلى تراجع حركة السياحة الداخلية بنسبة تتراوح بين 35 و50 في المائة، وحركة السياحة الخارجية إلى الوجهات الأكثر شعبية بنسبة 30 في المائة.
ويلحظ مشروع القانون الحالي إصدار بوابة "غوس أوسلوغي" للخدمات الحكومية شيفرات رقمية للمطعمين من كورونا أو من سبق أن أصيبوا بالفيروس، أو أولئك الذين أعفوا من التطعيم لأسباب طبية. ويشير إلى أنه يمكن الحصول عليها من أي مركز للخدمات الحكومية.
وكانت الحكومة الروسية قد أحالت إلى مجلس الدوما (النواب)، في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مشروع قانون فرض نظام الشيفرات الرقمية في الأماكن العامة ووسائل النقل، وحددت سريان مفعول أحكامه حتى الأول من يونيو/ حزيران المقبل، مع ترك تحديد قائمة المواقع المطلوب تقديم الشيفرات الرقمية بها للسلطات المحلية. وأعفي زبائن الصيدليات ومتاجر المواد الغذائية والسلع الأساسية من تقديم الشيفرات الرقمية.