استمع إلى الملخص
- **تاريخ وتطور الفيروس**: تفشى جدري "إم بوكس" مرتين خلال عامين، الأولى في يوليو 2022 والثانية في أغسطس 2024، وتم تغيير اسمه لتجنب العنصرية.
- **تفاصيل التفشي والإجراءات**: شهدت جمهورية الكونغو الديمقراطية تفشياً حاداً في 2024، مع أكثر من 15,600 حالة و537 وفاة، ومنظمة الصحة العالمية رفعت حالة الطوارئ في مايو 2023.
بعد إعلان منظمة الصحة العالمية جدري "إم بوكس" حالة طوارئ صحية عامة تُثير قلقاً عالمياً، شعر كثيرون بشيء من الهلع، ولا سيّما أنّ العالم لم يتعافَ بعد من أزمة كورونا الوبائية. لكنّ الأزمتَين الصحيّتَين تختلفان، وإن استدعتا الإعلان نفسه، وبالتالي يبدو أنّ ما من داعٍ للهلع حتى الآن.
وما شعر به العالم، يوم الأربعاء الماضي، عقب ما أعلنه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، على أثر توصيات لجنة خبراء، مردّه أنّ القيود التي فُرضت خلال جائحة كورونا روّعت العالم وخنقته، بحسب وصف شائع، إذ عزلت الناس بعضهم عن بعض، وجعلتهم أسرى منازلهم وحرمتهم من التواصل الاجتماعي الواقعي، فحصرتهم بالافتراضي. كذلك ألزمتهم باعتماد الكمامة وبالتعقيم وبتلقّي لقاحات مضادة لكوفيد-19 وغيرها من الإجراءات التي عُدَّت "قسريّة".
ولا تُعَدّ أزمة جدري "إم بوكس" الراهنة غريبة، فهذه هي المرّة الثانية خلال عامَين التي يُصار فيها إعلان تفشّي هذا المرض حالة طوارئ صحية عامة تُثير قلقاً عالمياً. المرّة الأولى كانت في 23 يوليو/ تموز من عام 2022، قبل أن تُرفَع حالة الطوارئ في 11 مايو/ أيار من عام 2023، أي بعد أقلّ من عشرة أشهر من إعلانها، فيما الثانية أتت قبل خمسة أيام، في 14 أغسطس/ آب الجاري. أمّا الاختلاف بين الأزمتَين فيكمن في أنّ فيروس جدري "إم بوكس" تفشّى في الأولى بفرعه الحيوي 2 أو "كلاد 2" خارج القارة الأفريقية، في حين أنّ التفشّي في الأزمة الثانية هو في داخل أفريقيا انطلاقاً من جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويأتي مرتبطاً بالفرع الحيوي 1 أو "كلاد 1" من خلال المتحوّر "كلاد 1 بي".
Since the beginning of 2024, the Democratic Republic of the Congo (#DRC) has been experiencing a severe outbreak of #mpox, with more than 15 600 reported cases and 537 deaths.
— World Health Organization (WHO) (@WHO) August 18, 2024
من "القرود" إلى جدري "إم بوكس"
خلال موجة 2022-2023 من التفشّي العالمي، كان جدري "إم بوكس" يُعرَف باسم "جدري القرود". لكنّ منظمة الصحة العالمية قرّرت التخلّي عن تلك التسمية، ابتداءً من 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وقد حثّت بالتالي الجهات كافة على أن تحذو حذوها، بعد تلقّي شكاوى من أنّ المصطلح المستخدَم "ينطوي على عنصرية ووصمة عار". وأفادت الوكالة التابعة للأمم المتحدة حينها بأنّ "المصطلحَين سوف يُعتمَدان في الوقت نفسه لمدّة عام (من تاريخه)، قبل التخلّص تدريجياً من مسمّى جدري القرود".
يُذكر أنّ لدى منظمة الصحة العالمية تفويضاً بمنح الأمراض أسماء جديدة، وهي تسعى من خلال ذلك إلى تجنّب ربط أيّ مرض أو فيروس بدولة أو منطقة أو حيوان أو مجموعة عرقية. وفي ما خصّ جدري "إم بوكس"، أطلقت المنظمة، بعد مدّة قصيرة من إعلان حالة الطوارئ في عام 2022، مشاورات عامة لاختيار اسم بديل من "جدري القرود". صحيح أنّ عدد الأسماء المقترحة التي تلقّتها المنظمة تجاوز 200 اسم مقترح، إلا أنّ الخبراء استقرّوا على "إم بوكس"، بعدما أخذوا في عين الاعتبار الملاءمة العلمية ومدى الاستخدام في حينه، بالإضافة إلى سهولة النطق بمختلف اللغات وعوامل أخرى.
وكان مصطلح "جدري القرود" قد استُخدم للمرّة الأولى في عام 1958، بعد رصد تفشّيَين لمرضٍ شبيه بالجدري في مستوطنتَين للقرود مخصّصتين للأبحاث في الدنمارك. وفي عام 1970، عندما ظهرت الإصابة البشرية الأولى بالمرض حيواني المنشأ، في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ظلّ المصطلح نفسه معتمداً حتى عام 2022. وهكذا احتُفظ به لمدّة 64 عاماً، ورُبط المرض بالقرود، على الرغم من أنّ مصدره ما زال مجهولاً حتى الآن.
أزمة جدري "إم بوكس" الأولى
يُعَدّ فيروس جدري "إم بوكس" متوطّناً منذ زمن في وسط أفريقيا وغربها، لكنّ إصابة أولى به رُصدت في خارج أفريقيا في المملكة المتحدة تحديداً، في السادس من مايو/ أيار 2022، قبل أن تتوالى الإصابات المرصودة في أوروبا وأميركا الشمالية ثمّ في بقية أنحاء العالم. وقد استدعى الأمر إعلان منظمة الصحة العالمية ذلك التفشّي حالة طوارئ صحية تُثير قلقاً عالمياً، في 23 يوليو/ تموز 2022. لكنّ المنظمة رفعت حالة الطوارئ هذه في 11 مايو/ أيار 2023، لافتةً إلى أنّ خطر موجات مستجدّة منه ما زال قائماً، وحذّرت من أنّ جدري "إم بوكس" ما زال يمثّل "تحديات تتطلب استجابة قوية واستباقية ومستدامة".
كُشف حينها أنّ أكثر من 87 ألف إصابة بجدري "إم بوكس" سُجّلت في 113 دولة وإقليماً (معظمها أوروبية) خلال ذلك التفشّي العالمي، إلى جانب 140 وفاة، فيما تراجعت الإصابات في الأشهر الثلاثة الأخيرة بنحو 90% مقارنة بالثلاثة التي سبقتها. وإذ رحّبت منظمة الصحة العالمية بالمنحى الانحداري للإصابات حينها، فقد أفادت بأنّ "الفيروس مستمرّ في التأثير على مجتمعات في كلّ المناطق، بما في ذلك أفريقيا، حيث لم يجرِ التوصّل بعد إلى فهم جيّد لأسباب تفشّيه".
يُذكر أنّ نائبة رئيس لجنة الطوارئ التابعة لمنظمة الصحة العالمية والمعنيّة بمرض جدري "إم بوكس" نيكولا لو، رأت حينها أنّ ثمّة حاجة للانتقال إلى استراتيجية لإدارة مخاطر الصحة العامة طويلة الأمد لهذا المرض بدلاً من الاعتماد على تدابير الطوارئ. وأضافت المتخصّصة في علم الأوبئة والصحة العامة أنّ ذلك التحوّل يعني إدخال التعامل مع جدري "إم بوكس" والتأهّب لمواجهته من ضمن برامج مراقبة الأمراض الوطنية، من قبيل تلك الخاصة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب (إتش آي في) الذي يسبّب الإيدز، وبأمراض أخرى منقولة جنسياً.
Learn about #mpox and how WHO is working with partners to contain the current mpox outbreak in #DRC.🔽 pic.twitter.com/tCytC2bgty
— World Health Organization (WHO) (@WHO) August 17, 2024
حالة الطوارئ الصحية العالمية
تُعَدّ "حالة الطوارئ الصحية العامة التي تُثير قلقاً عالمياً" أعلى مستوى تأهّب على مقياس منظمة الصحة العالمية في تعاملها مع تفشّي مرض ما على مستوى العالم. وهي تُعلَن استناداً إلى "قواعد الصحة الدولية 2015"، أي إطار العمل القانوني الذي يُحدّد الحقوق والواجبات للتعامل مع الأحداث المرتبطة بالصحة العامة العابرة للحدود. وتُعرَّف حالة الطوارئ الصحية العالمية في هذه القواعد بأنّها "حدث استثنائي يُحدَّد أنّه يشكّل خطر صحة عامة بالنسبة إلى دول أخرى عبر الانتشار الدولي للمرض، ويستدعي في نهاية المطاف استجابة دولية منسّقة".
ويدلّ تعريف حالة الطوارئ هذه على أنّ الوضع خطر ومفاجئ وغير معهود أو متوقّع، ويحمل تداعيات على الصحة العامة تتجاوز حدود البلد المتأثّر، وقد يستدعي تحرّكاً عالمياً فورياً. وقد أعلنتها منظمة الصحة العالمية ثماني مرّات منذ عام 2009، آخرها قبل أيام. يُذكر أنّ فيروس شلل الأطفال هو الوحيد الذي ما زالت حالة الطوارئ المعلنة بشأنه قائمة حتى الآن، منذ مايو 2014، وقد أُضيف إليه جدري "إم بوكس" أخيراً.