جثث مجهولة الهوية قرب نقاط عسكرية لنظام الأسد

دمشق
عبسي سميسم (العربي الجديد)
عبسي سميسم
عبسي سميسم. صحافي سوري؛ مدير مكتب سورية في موقع وصحيفة "العربي الجديد".
16 ديسمبر 2024
جثث مجهولة الهوية ملقاة قرب نقاط عسكرية لنظام الأسد المخلوع
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- كشفت فرق الدفاع المدني السوري عن مئات الجثث في مناطق كانت تحت سيطرة نظام الأسد، مع توثيق الضحايا وأخذ عينات الحمض النووي لتحديد الهوية، خاصة في السجون والمواقع المكشوفة.
- شهدت مناطق مثل مقبرة نجها عمليات دفن جماعية في حفر عميقة، حيث استخدمت مكبات القمامة لدفن الجثث، مما يبرز الانتهاكات الجسيمة للنظام السابق.
- أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان العثور على جثث في مواقع متعددة، مشددًا على أهمية الكشف المنظم للمقابر الجماعية بإشراف الجهات المختصة لضمان التعرف على الجثث وتوثيق الانتهاكات قانونيًا.

كشفت فرق تابعة لمنظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) عن مئات الجثث الملقاة في أماكن متفرقة قرب ثكنات ونقاط عسكرية كانت تحت سيطرة نظام الأسد، وفي أماكن كان يُحظر على المدنيين الاقتراب منها، قبل أن تتكرر بلاغات السكان عنها بعد سقوط النظام.
يقول المسؤول عن قسم جمع الأدلة في الدفاع المدني، عبد الرحمن المواس، لـ"العربي الجديد"، إن الفرق عملت على جمع الأدلة المتعلقة بالجثث بعد تلقي بلاغات من الأهالي حول أماكن وجودها، ومن بينها جثث في منطقة الجسر الخامس على الطريق المؤدي إلى مطار دمشق الدولي. وأضاف: "تلقينا خبرًا عن وجود جثث مجهولة الهوية ألقيت على طريق المطار خلف المدينة السعيدة، من قبل شاحنة قبل بضعة أيام. كان جيش النظام يمنع دخول المدنيين إلى المنطقة، وكان لديه حاجز. اكتشفنا 17 جثة، فضلاً عن أكياس صغيرة تحتوي على عظام. وثّقنا الجثث عن طريق الصور، وأخذنا عينات من الأسنان والعظام بهدف استخراج الحمض النووي لتحديد الهوية".
يتابع المواس: "وثقنا خلال الأيام الماضية أكثر من 476 جثة، ولا نحفر أو ننبش القبور. أغلب الجثث ترتدي لباساً عسكرياً، لكن هناك جثثاً أخرى لا يعطي لباسها أي دلالة، فمنها ما يعود لعسكريين ومدنيين. وصلنا العديد من الأخبار عن مقابر جماعية، والأولوية هي توثيق الضحايا في السجون، ثم الجثث المكشوفة، وآخر الأولويات هي المقابر الجماعية، والتي لا نملك السلطة أو الأدوات اللازمة لنبشها".
وأكدت شهادات متطابقة من شهود عيان في المنطقة التي تضم مقبرة نجها القريبة من قصر المؤتمرات بريف دمشق، لجوء النظام المخلوع إلى دفن الجثث في مقابر على شكل طبقات في حفر بعمق يصل إلى 20 متراً، حيث يُدفن قسم من القتلى تحت التعذيب، ثم يُوضع التراب فوقهم، وعند وصول دفعة جديدة من الجثث، يتم دفنها فوقها في الحفرة ذاتها.
ويوضح أحد الشهود لـ"العربي الجديد" أن "عناصر الأمن والمخابرات الجوية قاموا باستخدام المنطقة التي كانت مكباً للقمامة في دفن الجثث. الواضح أن الردم يضم بقايا عظام بشرية، وقامت سيارات عسكرية برمي جثث في المنطقة عقب سقوط النظام".
ويقول أحمد القاسم، وهو عامل مياومة من سكان المنطقة، لـ"العربي الجديد": "بعد سقوط النظام تنبّهت إلى وجود أشياء غريبة في المنطقة تخلف روائح كريهة، ولم يكن مدركاً لطبيعتها، وعندما وصلت إليها شاهدت بعض الجثث، فسارعت لإبلاغ الدفاع المدني السوري عنها. كانت المنطقة محاطة بالحواجز الأمنية، ويُحظر على المدنيين دخولها، وبعد سقوط النظام تمكّن الأهالي من معرفة ما يجري فيها".

يبحثون في مقبرة القطيفة. 15 ديسمبر 2024 (بكر القاسم/فرانس برس)
يبحثون في مقبرة القطيفة، 15 ديسمبر 2024 (بكر القاسم/ فرانس برس)

وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تقرير، أن الأهالي وجدوا جثامين نحو 12 شخصاً في منطقة الجسر الخامس، وأن بعض الجثث تم التعرف على أصحابها، ومن بينهم مدير مدرسة ابتدائية، وشقيقه الموظف، ومدرس رياضيات، وآخر يعمل في تربية المواشي، وسائق، كما عُثر على عشرات الجثث التي لم يتم التعرف على أصحابها، وجرى دفن بعضها من قبل الأهالي.
ويسلط هذا الضوء على حجم الانتهاكات التي كانت تمارسها قوات النظام السابق، وعمليات الإعدام خارج نطاق القانون بحق المعتقلين، وقد اكتشفت مقبرة عند جسر بغداد في ريف دمشق، إضافة إلى هياكل عظمية وجثث على طريق مطار دمشق الدولي، وفي محيط مستشفى حرستا العسكري.
وعثر أهالي حي التضامن في دمشق على هياكل عظمية وعظام بالية ربطوها بمن قضوا في "مجزرة التضامن" التي تم الكشف عنها في عام 2022، حين قام الضابط أمجد اليوسف بقتل مدنيين معصوبي الأيدي بإطلاق النار المباشر عليهم وإلقائهم في حفرة.
ومن دمشق، يوضح الحقوقي أيهم عبد الصمد، لـ"العربي الجديد"، أن "الكشف عن المقابر الجماعية لا يجب أن يحدث بشكل عشوائي لعدة أسباب، في مقدمتها الكشف عن هوية الجثث، كما أن قرار الكشف عن المقابر الجماعية يجب أن يتخذ من قبل الجهات الحكومية، وليس من جهات منفردة. يحق ذلك للنيابة العامة والقضاء والطب الشرعي، فضلًا عن اللجان الوطنية المختصة بالكشف عن المفقودين، وأيضاً المنظمات الدولية، مثل الصليب الأحمر الدولي، ومنظمات الأمم المتحدة".
يتابع عبد الصمد: "من الجهات المخولة أيضاً الكشف عن المقابر الجماعية المنظمات الحقوقية غير الحكومية، والتي تعمل في توثيق ضحايا الانتهاكات، لكنها يجب أن تعمل بحضور السلطات المختصة، وأن تشارك النتائج مع تلك السلطات. اتفاقيات جنيف، والقانون الدولي الإنساني، واتفاقية حماية الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، كلها تضمن التحقيق في حالات الاختفاء القسري والكشف عن المقابر الجماعية".

ويوضح: "هذه العمليات لها أيضاً إجراءات قانونية، وفي مقدمتها الإذن القضائي لضمان مشروعية العملية، إضافة إلى التوثيق والتحليل بهدف أخذ عينات من الحمض النووي من الرفات أو الجثث للتعرف عليها لاحقاً، مع ضرورة التنسيق مع منظمات دولية في بعض الأحيان لضمان الشفافية في عمليات التحقيق الخاصة بالمقابر الجماعية".
وفي السياق، كشف "تجمع أحرار حوران" وهو تجمع لناشطين وحقوقيين في جنوب سورية، عن عثور الأهالي على مقبرة جماعية في مزرعة كانت تخضع لسيطرة الأمن العسكري التابع لنظام الأسد في شمال غربي مدينة إزرع بريف درعا، وأنه عثر فيها على أكثر من 20 جثة، بينما يواصل الأهالي عمليات البحث دون الإشارة إلى جهة مختصة تشرف على عمليات توثيق الجثث، أو أخذ عينات منها لتحديد هوياتهم في وقت لاحق.

ذات صلة

الصورة
قد يستغرق كشف مصير المفقودين في سورية سنوات، 23 ديسمبر 2024 (كريس ماكغرات/ Getty)

مجتمع

تتداخل المعاناة الإنسانية مع الفراغ القانوني في قضية المفقودين في سورية، ما يجعلها تتطلب تضافر الجهود لتحقيق العدالة، وإقرار قوانين لكشف الحقائق.
الصورة

سياسة

لعب الأسد على جميع الحبال، إلى أن لفظه الحليف قبل العدوّ، وفرّ عاريًا في ليلة دمشقية باردة، وأخذ معه قاعدة النفوذ الإيراني المتقدّمة في بلادنا
الصورة
مقاتلون من فيلق الشام في دمشق، ديسمبر 2024 (عامر السيد علي)

سياسة

لا يفارق مشهد الدمار وآثار الجريمة، العابرين طريق ريف دمشق نحو المحافظات الشمالية والغربية في سورية؛ من القابون، الممسوحة بالكامل، وصولاً إلى إدلب
الصورة
فرع فلسطين / سورية / ديسمبر 2024 (العربي الجديد)

سياسة

عند أبواب سجون الأسد ومقرّاته الأمنية، كانت الإنسانية تُذبح. لا شيء أو كلام يختصر المشهد. القمع والظلم يتكشفان بأبشع الصور من جدران الزنازين الواسعة والانفرادية
المساهمون