اكتسب جبل شالبوزداغ المقدس، في داغستان، معنى خاصاً لدى المسلمين في جمهورية داغستان، في شمال القوقاز الروسي، في زمن تمدد جائحة كورونا. يعتبر شالبوزداغ من أعلى قمم جبال القوقاز، إذ يبلغ ارتفاعه 4142 متراً فوق مستوى البحر. وتعود تقاليد زيارته إلى عصر ما قبل الإسلام في المنطقة، إذ كان المصلون في قمته يدعون للشفاء من الأمراض القاتلة وأن يرزقهم الله بمواليد.
في بداية الألفية الثالثة، أُنشئ مسجد لمبيت الحجاج الذين يبدأون مع حلول الفجر بالمشي في طريق طويل يمتد عشرة كيلومترات، ويستغرق قطعه للوصول إلى قمة الجبل نحو خمس ساعات، حاملين الفواكه والأجبان والملابس على سبيل الأضاحي. وأثناء الطريق، يتوقف الحجاج عند الأحجار والأشجار الكبيرة التي لطالما تحولت في حد ذاتها إلى مواضع للعبادة، ويؤدون الصلاة عند مدافن الأولياء الصالحين المحليين.
في هذا الإطار، يشير كبير الباحثين في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ميخائيل روشين، إلى أنّ حفاظ الشعوب على ممارساتها القديمة طبيعي، موضحاً أنّ جبل شالبوزداغ يحظى بمكانة خاصة بين أبناء الشعب الليزغيني القاطنين في جنوب داغستان.
ويقول روشين لـ"العربي الجديد": "هذا أمر طبيعي أن تبقى أساليب العبادة القديمة ضمن شعائر الشعوب بعد اعتناقها الإسلام. الحج إلى شالبوزداغ هو تقليد راسخ للمسلمين السنّة من أبناء الشعب الليزغيني من سكان مدينة ديربينت، وهي العاصمة الفعلية لجنوب داغستان. نحو نصف سكان تلك المنطقة من الليزغيين، أما النصف الثاني، فله أصول أذربيجانية، لكنّهم من المسلمين الشيعة ولا يقصدون شالبوزداغ، بل لهم مناسباتهم الخاصة المتعلقة بالإمام الحسين خصوصاً، مثل عاشوراء". وحول دور الجبل المقدس في ظروف جائحة كورونا، يضيف: "يكتفي الناس بالتوجه إلى الأماكن المقدسة في محيطهم، بسبب تدابير كورونا وإغلاق الحدود، بالرغم من أنّ إغلاق الحدود لم تثبت فاعليته في مواجهة كورونا، وباتت الأوضاع الوبائية في مختلف الدول متقاربة".
وبحسب الأرقام الواردة بموقع "ستوب كورونا فيروس" الحكومي الروسي، فإنّ جمهورية داغستان تأتي من يبن أكثر الأقاليم الروسية تضرراً من الوباء قياساً بعدد السكان. وبلغ إجمالي عدد الإصابات في داغستان أكثر من 15 ألف شخص حتى الآن، سجلت ضمنهم نحو 750 وفاة، بينما يبلغ إجمالي عدد سكان الجمهورية نحو 3.1 ملايين نسمة. ويرجع روشين الأرقام المرتفعة للمصابين في داغستان إلى عاملين محتملين رئيسين: "ليس من المستبعد أن تكون السلطات المحلية تبالغ في عدد الإصابات حتى تستثمر الجائحة بهدف الحصول على موارد إضافية لقطاع الصحة، وهذا المطلب قد يكون مبرراً، كما أنّ نسبة المصابين قد تكون أعلى من الأقاليم الأخرى نتيجة لانتشار أكبر للنشاطات الجماعية، مثل التعازي وغيرها من التجمعات في القوقاز مقارنة بما هي الحال في وسط روسيا".
في الحقبة السوفييتية، تعرض الإسلام، شأنه في ذلك شأن الأديان الأخرى، للتضييق والاضطهاد في ظل إعلان الإلحاد أيديولوجيا رسمية للدولة. لكن، على الرغم من إغلاق المساجد في القرى المحيطة، فإنّ المسلمين المحليين ظلوا يجتمعون لأداء الصلاة أسفل جبل شالبوزداغ، مشبهين في قصصهم الصعود إليه بالحج إلى مكة المكرمة. ومع زيادة الاهتمام بطبيعة منطقة القوقاز وتاريخها وتقاليدها، لم يعد الصعود إلى شالبوزداغ حكراً على الحجاج، بل إنّ داغستان وجبلها المقدس أدرجا ضمن قوائم الوجهات الرائدة للسياحة الداخلية الروسية. واختارت مجلة "ناشونال جيوغرافيك" العالمية بنسختها الروسية داغستان ضمن الوجهات الـ12 للزيارة في خريف عام 2020، لافتة إلى أنّ الجبال تغطي أكثر من نصف مساحة الجمهورية، ومشيرة بشكل خاص إلى جبل شالبوزداغ الذي يمكن أن تصادف فيه حجاجاً مسلمين من جميع أنحاء القوقاز. ويمكن للراغبين بزيارة داغستان الوصول من موسكو إلى العاصمة الداغستانية محج قلعة على متن رحلة جوية تستغرق ساعتين ونصف الساعة.
كذلك، يتحول الصعود إلى شالبوزداغ ليصبح رمزاً للصمود والتحدي، وخير مثال على ذلك، القصة التي انتشرت في وسائل الإعلام الروسية أخيراً حول صعود الطالبة الداغستانية المكفوفة بجامعة "موسكو" سعيدة غادجييفا إلى شالبوزداغ في أغسطس/ آب الماضي. وبالرغم من أنّ سعيدة تكاد لا ترى شيئاً، فإنّها تحدت إعاقتها البصرية بالصعود إلى الجبل المقدس ضمن بعثة شارك فيها رجال الإنقاذ من وزارة الطوارئ الروسية ومتسلقون محترفون.