لسنوات طويلة، جمع المحامي الغزّي جبريل أبو جهل آلاف الطوابع البريدية من حول العالم، وقرر بيعها في مزاد علني حفاظاً عليها
في حيّ الدرج، شرق مدينة غزة، يحتفظ المحامي جبريل أبو جهل (67 عاماً)، بطوابع بريدية جمعها طوال سنوات حياته تعود لـ85 دولة حول العالم، تمثل بالنسبة إليه ذكريات الماضي والطفولة. يفخر بها أمام أبنائه وأحفاده، لأنها بمثابة ذاكرة وطنية وثقافية ساعدته في الانفتاح على الخارج مذ كان طفلاً، وقد تعرّف من خلالها إلى الكثير من ثقافات الدول، بحسب ما يشرح.
ترعرع في أسرة في منطقة السدرة، التي تقع أسفل تل يسمى "تل الخروبة"، وهي البلدة القديمة لمدينة غزة، والتحق بكلية الحقوق في جامعة الإسكندرية في مصر عام 1974، وحصل على درجة الليسانس بعد أربعة أعوام، وأكمل الدراسات العليا في الجامعة نفسها، وعمل في قطر مدة عامين، قبل أن يعود إلى مدينته غزة.
حبّه للطوابع بدأ من خلال دكان والده. في ذلك الوقت، أي في ستينيات القرن الماضي، كانت الرسائل هي وسيلة الناس للتواصل. وكان الدكان هو المكان الذي توضع فيه الرسائل قبل أن يستلمها المعنيون من سكان المنطقة، علماً أن غزة كانت خاضعة للإدارة المصرية في ذلك الوقت. كان يساعد والده في إيصال الرسائل إلى الناس، ويستأذن منهم الحصول على الطوابع.
كذلك، كان يحصل على طوابع من رسائل أشقائه الذين عملوا في قطر في ذلك الوقت، وأبناء عمه في السعودية وآخرين في الإمارات، وأيضاً خلال المبارزة مع أطفال الحي، إذ كان الرابح يفوز بالطوابع التي يتنافسون على جمعها. في هذه الفترة، تطوّر حبه لجمع الطوابع، حتى أنه صار يشتري بعضها من مصروفه الشخصي. وعندما أصبح في الصف الخامس ابتدائي، كان قد جمع طوابع بريدية من 52 دولة حول العالم، ووضعها في دفتر صغير، لكن فرحته لم تكتمل. ففي أحد الأيام، خلال فترة الاستراحة في المدرسة، سُرق الدفتر من حقيبته وتضايق كثيراً، ثم صمّم بعدها على جمع الطوابع من جديد. لكن بعد النكسة عام 1967، تغير واقع دخول البريد إلى قطاع غزة الذي أصبح تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي.
في هذا الإطار، يقول أبو جهل لـ"العربي الجديد": "أصبح البريد يدخل إلى مدينة غزة إما عبر مكاتب السياحة والسفر بطريقة غير مباشرة عبر مكاتب خارجية في جزيرة قبرص، أو عن طريق العاصمة البريطانية لندن التي كانت لديها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فيصل البريد إلى الأخيرة ثم إلى القطاع. واستمرّ الحال على ما هو عليه إلى حين دخولي إلى جامعة الإسكندرية في مصر، وقد أخذت دفتري معي إلى هناك".
جمع أبو جهل طوابع بريدية للاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا، والجمهورية العربية المتحدة (الوحدة بين مصر وسورية).
كذلك جمع طوابع لمدن كانت تحت الاستعمار، مثل مدينتي عدن وحضرموت، وأخرى لمدن أبوظبي وأم القيوين ورأس الخيمة (إمارات في دولة الإمارات العربية المتحدة). وجمع طوابع لدول عربية بأسمائها القديمة، مثل دولة جنوب اليمن التي كانت تسمى "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" وكذلك "اتحاد إمارات الجنوب العربي" (اتحاد لإمارات ومشيخات وسلطنات تأسست تحت سيطرة الإمبراطورية البريطانية في محمية عدن بتاريخ 11 فبراير/ شباط 1959)، ودول أفريقية مثل زائير وروديسيا (تعرف رسمياً بجمهورية رودسيا، وهي دولة غير معترف بها تقع في جنوب أفريقيا أثناء الحرب الباردة من عام 1965 إلى 1979، وتشكل المنطقة التي تعرف حالياً بإسم زيمبابوي). ويفخر بأنه استطاع الحصول على طوابع بريدية فلسطينية قبل النكبة.
يقول أبو جهل: "لا يقدر قيمة الشيء إلا صاحبه. كنت أملك الكثير من الكتب القانونية والعلمية وأهديتها إلى نقابة المحامين في غزة ولبعض طلاب العلم. وفي عام 2018، مرضت بشدة قبل أن أشفى. قرّرت العودة إلى هوايتي. وصنّفت الطوابع، التي كان عددها بالآلاف وتعود إلى الكثير من الدول، في دفاتر. وبات لكل طابع رقم، ولكل دولة طوابعها".
أقدم الطوابع البريدية هي التي جمعها من النمسا وعمرها أكثر من 110 سنوات، بالإضافة إلى أخرى من جميع الدول العربية، يعود أقدمها إلى مصر، التي كانت تضع صوراً لمطربيها وأدبائها وحكامها ومناضليها بالإضافة إلى رموز فرعونية. وقرر أن أفضل طريقة للحفاظ عليها هو بيعها بمزاد علني ليشتريها أشخاص يقدّرون قيمتها ويحافظون عليها من بعده.
على الرغم من حبه الكبير لهوايته، إلا أنه في كل مرة، كان يشعر بغيرة شديدة بداخله عندما ينظر إلى رموز الدول التي تبرز ثقافتها وطبيعتها على البريد باستثناء فلسطين. ويقول: "محروم أن يكون عندي طابع بريدي منذ النكبة الفلسطينية وحتى اللحظة، لأن رمز الدولة هو في الطابع والعملة النقدية وهو الدليل السيادي فيها. بعض الدول العربية، مثل مصر، كانت تضع شعارات فلسطينية على طوابعها القديمة، وكان المردود المالي لتلك الطوابع مخصصاً لفلسطين".
تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
