جامع المدينة التعليمية... توافق الإسلام مع الحداثة في قطر

21 ابريل 2022
"ذو المنارتَين" جزء من كلية الدراسات الإسلامية التابعة لجامعة حمد بن خليفة (معتصم الناصر)
+ الخط -

 

منذ سبعة أعوام، يحتلّ جامع المدينة التعليمية مكانة بارزة في دولة قطر، وقد صار مقصداً للسيّاح والزائرين، سواءً أكانوا مواطنين قطريين أو مقيمين في البلاد من مختلف الجنسيات.

وسط المدينة التعليمية الواقعة في العاصمة القطرية الدوحة والتي تحتضن عدداً من فروع جامعات عالمية مختلفة، من قبيل "جورج تاون" و"كارنيغي ميلون" و"نورث وسترن" و"تكساس إيه أند إم" و "فرجينيا كومونولث"، افتُتح في ربيع 2015 جامع حمل اسمها "جامع المدينة التعليمية" وقد اشتهر محلياً باسم "ذو المنارتَين". وهذا الجامع المميّز يمثل جزءاً من كلية الدراسات الإسلامية التابعة لجامعة حمد بن خليفة.

ويرتكز تصميم مبنى الجامع على مفهومَي "الاستنارة" و"العلم"، ويهدف إلى إحياء النموذج التراثي للمسجد الذي يجمع ما بين العبادة والمعرفة في مكان واحد. وهو يجتمع مع كلية الدراسات الإسلامية في رحاب مبنى ذي هندسة معمارية مستقبلية مستوحاة من الفنّ الإسلامي، وهو يقدّم برامج دينية وتعليمية ومسابقات وينظّم فعاليات مجتمعية متنوعة، خصوصاً في المناسبات الدينية من قبيل شهر رمضان، في حين أنّه يوفّر لمرتاديه خدمات الترجمة بالإنكليزية والأوردو بالإضافة إلى لغة الإشارة (برايل) في كلّ الخطب والدروس.

الصورة
مسجد المدينة التعليمية ذو المنارتين في قطر 2 (معتصم الناصر)
(معتصم الناصر)

يقوم المبنى على خمسة أعمدة كبيرة تأتي لتمثّل أركان الإسلام الخمسة، وقد كُتبت على كلّ واحد منها آية قرآنية تدلّ على الركن المقصود. على العمود الأوّل نقرأ آية "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً"، وعلى الثاني "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً"، وعلى الثالث "فاعلم أنّه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات"، وعلى الرابع "يا أيّها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتّقون"، وعلى الخامس "خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكيهم بها، وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم والله سميعٌ عليم". كذلك زُيّن المحراب بحروف من ذهب خُطَّت بها آية "فَوَلِّ وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره".

وتُعَدّ منارتا الجامع من أطول المناور في المنطقة، إذ يصل طول كلّ واحدة منهما إلى نحو 90 متراً، وهما تشيران إلى اتّجاه الكعبة، قبلة المسلمين. ويتّسع الجامع لـ 1800 مُصلّ يقسمون إلى 1500 في الطبقة الأولى للرجال و300 في الطبقة الثانية للنساء، ويُضاف إلى هؤلاء 1800 مُصلّ آخر في الساحة الخارجيّة للمبنى. وتنتشر حول المبنى أشجار الزيتون كرمز للسلام، فيما يطلّ على حديقة القرآن النباتية التي تضمّ 59 نوعاً نباتياً مذكوراً في القرآن الكريم والسنّة النبوية.

الصورة
مسجد المدينة التعليمية ذو المنارتين في قطر 4 (معتصم الناصر)
(معتصم الناصر)

ويأتي هذا المبنى الفريد من تصميم المهندسَين المعماريَّين علي مانجيرا وزوجته أدا يفارس برافو. وقد شرح مانجيرا في تصريحات صحافية سابقة أنّ "هذا العمل لا يشبه أيّ مشروع آخر شاركنا فيه حتى الآن. وأحد الأشياء التي أردنا القيام بها هو إنشاء مبنى معاصر تعكس هويته الإسلام وتتوافق مع الحداثة، لكنّنا أردنا كذلك التأكد من أنّنا نجذب الأشخاص أصحاب النظرة التقليدية".

أضاف مانجيرا أنّ "الطريقة التي بدأنا بها ذلك هي استخدام الخط الإسلامي وآيات مختلفة من القرآن الكريم، وإبرازها في نسيج المبنى؟ والهدف من ذلك هو تمكين الأفراد من ربط الحداثة بالآيات والعمارة، وإظهاره مبنى معاصراً، لكنّه يحمل رسالة من صميم التقاليد الإسلامية".

الصورة
مسجد المدينة التعليمية ذو المنارتين في قطر 5 (معتصم الناصر)
(معتصم الناصر)

ومانجيرا هو مدير شركة "مانجيرا يفارس" للعمارة ويأتي من خلفية إسلامية منحته نظرة ثاقبة في ما يخصّ المجتمعات الإسلامية المختلفة. وقد أوضح أنّه "مبنى حديث مبنيّ على مبادئ راسخة: مكان للتعلّم والصلاة، ومكان للكليات حيث يمكن للأفراد دراسة الإسلام. كذلك خصّصنا مساحة للتعلّم، ووضعنا المسجد في جهة والفناء في المنتصف. وهذا هو التصميم الأساسي نفسه لهذا المبنى التاريخي، لكنّني أشعر بأنّ تسلسل المساحات تجعله معاصراً".

من جهتها، تؤكد يفارس برافو أنّ جزءاً من اللغة المعمارية للمبنى جاءت من فكرة التدريس، إذ يوضح العمل الفنّي الجوانب المختلفة للإسلام "لذا فإنّ كلّ ما يتعلق بزيارته ينطوي على تجربة الإسلام".

الصورة
مسجد المدينة التعليمية ذو المنارتين في قطر 3 (معتصم الناصر)
(معتصم الناصر)

إلى جانب فرادة التصميم المعماري للمبنى، هو يتميّز كذلك بفنّ الخط العربي الإسلامي الذي نُقشت بواسطته آيات قرآنية على أعمدته ومنارتَيه، وهي من إبداع المهندس المعماري والخطاط العراقي المقيم في لندن طه الهيتي. وبحسب الموقع الإلكتروني لمؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع التي تتبع لها المدينة التعليمية بكامل منشآتها ومرافقها، يقول الهيتي إنّ "التحدي الرئيسي كان نقش آيات من القرآن الكريم في مكان ما، وقد تضمّنت المساحة المخصصة للخط المآذن، وهي عناصر رأسية، في حين أنّ الكتابة باللغة العربية تكون أفقية". يضيف الهيتي: "وأنا كنت دائماً غير محبّذ لفكرة أنّه علينا إمالة رؤوسنا لقراءتها"، بالتالي كان الحل الذي قدّمه يتلّخص في جعل الخط رأسياً.

ويتابع الهيتي: "كمهندس وفنّان، أشعر بخيبة أمل عندما نقوم في الشرق الأوسط بتقليد شيء من الغرب لا يناسبنا. نحن في حاجة إلى التصاميم التي تتناسب مع بيئتنا، لذلك يتطلّب الأمر كثيراً من الشجاعة حتى يقف المرء ويقول: أريد تصميماً يتناسب معي ومع بيئتي". ويوضح الهيتي أنّه "إذا ذهبت إلى جنوب إسبانيا، فسوف ترى العمارة الإسلامية مختلفة تماماً عمّا هي في إيران أو سورية أو العراق أو المغرب، لكنّها كلها تعكس فنّ العمارة الإسلامية"، لافتاً إلى أنّ "القاسم المشترك بينها كلها هو الخط العربي".

وعلى الرغم من أنّ المبنى حديث العهد، فقد فاز بأكثر من جائزة معمارية عالمية. ففي عام 2017، فازت كلية الدراسات الإسلامية التي تُعَدّ جزءاً رئيساً من المبنى بجائزة الفنّ المعماري الأميركية لفئات المباني التعليمية والفنّ المعماري الثقافي والمؤسّسي. وفي عام 2016، رُشّحت الكلية من قبل المعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين للحصول على جائزته الدولية الافتتاحية. وفي عام 2015، فازت كلية الدراسات الإسلامية في قطر بجائزة أفضل مبنى ديني في مهرجان الفنّ المعماري العالمي في سنغافورة.

المساهمون