جامعات مصر... حرب على الحريات الأكاديمية

03 يناير 2021
الاتهامات للحركات الطلابية جاهزة دائماً (الأناضول)
+ الخط -

للنظام المصري، بقيادة عبد الفتاح السيسي، تاريخ طويل من الانتهاكات بحق طلاب الجامعات ونشاطاتهم، والأساتذة وآرائهم ومواقفهم، ما وصل في كثير من الأحيان إلى حدّ السجن بأحكام متفاوتة

في واقعة يتباهى بها النظام المصري الحالي، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحكومته التي يرأسها مصطفى مدبولي،  باعتباره داعماً للحريات الطلابية والأكاديمية، وجه وزير التعليم العالي، خالد عبد الغفار، إلى الدكتور عبيد صالح، رئيس جامعة "دمنهور" بفتح تحقيق عاجل في الوقائع التي ذكرها الطالب مصطفى شعلان، المقيّد في الفرقة الثانية، بكلية التجارة في الجامعة المذكورة، إثر اتصال الطالب بأحد البرامج الحوارية على التلفزيون المصري، وإجراء مداخلة مباشرة على الهواء، انتقد فيها سوء الإجراءات المتخذة في الجامعة لمواجهة فيروس كورونا الجديد، ما تسبب بفصله من الكلية لمدة عام كامل. وقد وجه الوزير عبد الغفار، رئيس الجامعة صالح، بالتحقيق في تلك الوقائع التي ذكرها الطالب ومحاسبة المسؤول عنها تأديبياً أيّاً كان موقعه أو وظيفته، في حال ثبوت صحة ما ورد في المداخلة الهاتفية، وهو ما قد ينفي عن الطالب تهمة "نشر أخبار كاذبة أو نشر الإشاعات" التي أدانته بها إدارة الجامعة في قرار فصله من كليته، ما قد يسمح له بالعودة إليها.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وطلب عبد الغفار موافاته بنتيجة التحقيق، وكذلك موافاته بتقرير وافٍ من اللجنة التي سبق للمجلس الأعلى للجامعات أن قرر تشكيلها في كلّ جامعة، برئاسة نائب رئيس الجامعة لشؤون البيئة وخدمة المجتمع، لرصد وإثبات المخالفات التي ترتكب، سواء من أعضاء هيئة التدريس أو معاونيهم أو العاملين أو من الطلاب، للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الجامعة لمواجهة انتشار كورونا، مبيناً ما قامت به اللجنة من إجراءات لرصد وإثبات تلك المخالفات. كذلك، طلب الوزير، من رئيس الجامعة، إعداد تقرير شامل عن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الجامعة لمواجه انتشار الفيروس.
واقعة يبدو من خلالها النظام المصري مناصراً للحريات الأكاديمية والطلابية، لكنّ المدقق في حقيقة الأمر، سيكتشف أنّها مجرد واقعة فريدة يتجمل بها النظام على حساب عشرات من الوقائع الأخرى داخل أسوار الجامعات المصرية. فمنذ أكثر من سنتين كاملتين، في حالة البعض، يقبع أربعة من أساتذة الجامعات، على الأقل، خلف أسوار السجون، بسبب ممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم ومشاركتهم في الشأن العام. تتلخص الاتهامات التي توجه للأكاديميين المسجونين باﻻنتماء إلى جماعة إرهابية والترويج لأفكارها، وبث أخبار وبيانات كاذبة، وهي اتهامات فضفاضة ولا تستند إلى أدلة أو تحريات جدية، فيما يسهل توجيهها إلى كلّ من يمارس حقه الأصيل في حرية التعبير. وتطالب "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" (مجتمع مدني) بالإفراج عن الأكاديميين المسجونين على خلفية ممارسة عملهم، خصوصاً في ظل تفشي وباء كورونا وما يمثله من خطورة على حياة السجناء، إذ أصيب كثير من نزلاء المعتقلات والسجون بالفيروس الذي أدى إلى وفاة عدد منهم خلال عام 2020.

الصورة

وبعيداً عن الأساتذة، فإنّ الانتهاكات أكبر بكثير بحق الطلاب، الذين أدخل كثيرون منهم إلى السجون في عهد السيسي. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، يقبع الناشط الطلابي جمال عبد الحكيم في السجن منذ ثلاث سنوات ونصف، عقاباً له على مشاركته في الأنشطة الطلابية، وكونه مهتماً بالعمل السياسي، وذلك بعد صدور حكم بسجنه لمدة خمس سنوات، على ذمة القضية رقم 1692 لسنة 2017 كلي جنوب الزقازيق. ووفقاً ﻷوراق القضية، فإنّ عبد الحكيم "أعدّ للترويج لارتكاب جرائم إرهابية عن طريق الكتابة، بأن حاز على مواد محررة تضم أفكاراً ومعتقدات داعية لارتكاب عنف على النحو المبيّن بالتحقيقات". لكنّ الواقع يشير إلى أنّ سجنه جاء على خلفية العمل مع نشطاء من اتحادات طلاب ومجموعات طلابية على صياغة مقترح لائحة طلابية، بهدف تحرير النشاط الطلابي من القيود الإدارية المفروضة عليه، فضلاً عن عضويته في حزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، إذ انضم عبد الحكيم إلى اللجنة التحضيرية للحزب، وكان عضواً في مكتب طلاب الحزب. 
ولا تعدّ واقعة طالب جامعة "دمنهور" الأولى من نوعها، فعلى سبيل المثال، أصدرت إدارة جامعة "كفر الشيخ" في سبتمبر/ أيلول 2015 قراراً موجهاً إلى كليات الجامعة بحظر الظهور الإعلامي وإصدار أو نشر أيّ مقالات أو تصريحات صحافية، إلا بإذنٍ مسبق من رئيس الجامعة أو موافقة كتابية من الجهات المختصة بالجامعة، وتبعتها جامعة "قناة السويس" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، إذ أصدر رئيس الجامعة قراراً بالتنبيه على أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة بعدم إصدار أو نشر أيّ مقالات أو مواضيع أو الظهور بأيّ وسيلة من وسائل الإعلام، إلّا بعد الموافقة المسبقة من رئيس الجامعة.

كذلك، أوقفت جامعة "الزقازيق" أستاذ الأمراض النفسية في كلية الطب، الدكتور ماهر المغربي، في 22 أغسطس/ آب 2017 عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، بسبب نشره "آراء مسيئة للإسلام" على موقع "فيسبوك" بحسب بيان كلية الطب البشري بالجامعة. وأحالت جامعة "قناة السويس" الدكتورة منى البرنس، الأستاذة في كلية الآداب، إلى التحقيق الإداري، بعد نشرها مقطع فيديو على حسابها الشخصي في "فيسبوك" تظهر فيه وهي ترقص على سطح منزلها، الأمر الذي اعتبرته إدارة الجامعة "مخالفة للتقاليد والقيم الجامعية والنظام العام والآداب والأخلاق" وانتهت التحقيقات بإصدار رئيس الجامعة القرار رقم 187 بتاريخ 15 مايو/ أيار لعام 2018 بعزل الدكتورة منى البرنس من الوظيفة، مع الاحتفاظ بالمعاش (الراتب) والمكافأة. أما إدارة جامعة "حلوان" فقد أحالت أستاذ الجيولوجيا بكلية العلوم، الدكتور يحيى القزاز، إلى مجلس تأديب يوم 28 يوليو/ تموز 2019، نتيجة لمذكرة تقدم بها عميد كلية العلوم إلى رئيس الجامعة، يتهمه فيها بإهانة رئيس الجمهورية والقوات المسلحة.
وفي تقرير لها بعنوان "جامعات بلا حريات أكاديمية" رأت "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" أنّ ما يحدث في مصر منذ سنوات يبرز كيف استخدمت السلطات عبر أجهزتها المعنية أساليب التهديد والتخويف بحق أعضاء هيئات التدريس والباحثين بالجامعات المصرية، إلى أن تحول التدريس إلى عملية تلقين للطلاب من دون محاولة تنمية الفكر النقدي والمناقشة والتعبير الحر عن الرأي والفكر. وبمرور الوقت، أدى هذا المناخ من التضييق إلى ممارسة أعضاء هيئات التدريس والباحثين رقابة ذاتية على أنفسهم، ما يضطرهم في كثير من الأحيان إلى تجنّب الحديث في المواضيع التي قد لا ترضى عنها السلطة.

الصورة

وتعدّ الظروف والتغيّرات السياسية التي تلحق بالمجتمعات من أهم العوامل التي تؤثر في الحرية الأكاديمية، وفي القلب منها حرية البحث والتدريس، ويعتمد هذا التأثير، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، على موقف الدولة من حرية الرأي والتعبير بشكل عام، وما إذا كانت الدولة توفر لأساتذة الجامعات والباحثين الحرية الكاملة في اختيار مواضيعهم البحثية، وإبداء آرائهم العلمية، وإلى أيّ مدى تمنح الدولة الجامعات والمراكز البحثية مساحة من الحرية بالشكل الذي يمكّنها من تطويع البحث العلمي في خدمة تنمية المجتمع.
وتأتي كل هذه التضييقات على الحريات الطلابية والأكاديمية، بعدما سعت الدولة المصرية لتأميم مساحات الحرية التي تمتعت بها الجامعات المصرية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، إذ أصدرت مجموعة من القوانين والقرارات التي شكلت انتهاكاً عنيفاً لاستقلال الجامعات المصرية، كان أبرزها في يوليو/ تموز 2014 بتعديل قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972، والذي ألغى آلية الانتخاب في اختيار القيادات الجامعية، ووضع سلطة تعيين وإقالة القيادات الجامعية في يد رئيس الجمهورية. ترتبت على ذلك تدخلات أمنية عرقلت خطة ترقيات إدارية داخل الجامعات لأسباب متعلقة بتوجهات مستحقيها السياسية، وتعديل المادة 72 من القانون 103 لسنة 1961 بشأن قانون تنظيم الأزهر، بما يسمح لرئيس الجامعة بعزل أعضاء هيئة التدريس وفصل الطلاب من الجامعة نتيجة ادعاءات تتعلق بالاشتراك في تظاهرات أو أعمال تخريبية، بحسب ورقة بحثية صادرة عن "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" بعنوان: "الحبس الاحتياطي كعقاب لأساتذة الجامعات".
وليس هناك إحصاء دقيق بأعداد الطلاب المعتقلين في مصر، لكنّ بعض الأعوام الدراسية التي شهدت حراكاً طلابياً واسعاً في الجامعات، تمكن الباحثون والناشطون خلالها من توثيق حالات القبض عليهم خلال هذه الأحداث السياسية التي أعقبت سيطرة الجيش المصري على مقاليد الحكم في صيف 2013. وبحسب دراسة لـ"مؤسسة حرية الفكر والتعبير" بعنوان "الجامعة تحت الحصار" ألقي القبض على 761 طالباً خلال العام الدراسي 2014 - 2015. بينما خضع 523 لعقوبة الفصل من الجامعة أو الحرمان من تأدية الامتحانات من دون المثول أمام مجالس تأديبية عادلة ومنصفة. كذلك، يحرم عدد من طلاب الجامعات من أداء امتحاناتهم نتيجة تعرضهم للإخفاء القسري عقب اعتقالهم تعسفياً من قبل قوات الأمن، بحسب تقرير صادر عن مرصد "طلاب حرية" الحقوقي.

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

أما العام الدراسي 2015 - 2016 فقد شهد القبض على 84 طالباً وطالبة على خلفية مشاركتهم في أنشطة وفعاليات سياسية داخل جامعاتهم. وألقي القبض على 47 من بينهم في محيط الجامعات بعد انتهاء الفعاليات التي شاركوا فيها، إذ تتبّعهم أفراد من الشرطة على خلفية المشاركة، وفي بعض الأحيان لعب أفراد الأمن الإداري الدور نفسه، بينما قُبض على 33 من داخل حرم الجامعات في الوقت الذي قبض على أربعة منهم خارج نطاق الجامعة، لكن، على خلفية أحداث وقعت داخلها.

المساهمون