بعد أيام قليلة من بدء العام الدراسي الجامعي في المغرب، شهدت الجامعات حوادث عنفية، وقد اعتدى أكثر من 15 طالباً ينتمون إلى فصيل الطلبة القاعديين (تيار يساري راديكالي) في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي بالسيوف على طالبين من منظمة "التجديد الطلابي" في كلية العلوم وكلية الآداب والعلوم الإنسانية في مدينة فاس (أقصى شمال شرق المغرب)، ما أدى إلى إصابتهما بجروح بالغة على مستوى الوجه والرأس.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي، تشهد الجامعات الحكومية من حين إلى آخر مواجهات دامية بين الفصائل الطلابية (يسارية، إسلامية، أمازيغية)، وكان أبرزها عام 1991 عندما عثر على جثة الطالب اليساري المعطي بوملي مقطوع الشرايين وقد اقتلعت أضراسه وشوهت جثته بمحيط جامعة وجدة (شرق). وبعد سنتين، قتل الطالب اليساري القاعدي آيت الجيد محمد بنعيسى في جامعة فاس (وسط) عام 1993.
وتُعيد أعمال العنف الأخيرة في كلية العلوم الإنسانية مشاعر الخوف والحذر في الجامعات التي يفترض أن تخرج نخباً وكفاءات، وتطرح تساؤلات حول الأسباب التي تؤدي إلى العنف داخل الكليات.
في إبريل/ نيسان الماضي، شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة عبد المالك السعدي في تطوان (شمال)، أحداثاً عنفية استخدمت خلالها أدوات حديدية وأسلحة بيضاء وعصي، ما أدى إلى إصابات متفاوتة الخطورة، عقب محاولة طلبة ينتمون لفصيل ذي توجه قاعدي منع انتخابات طلابية كان ينظمها فصيل طلبة العدل والإحسان (إسلامي).
ويبقى الحدث الأبرز في المواجهات بين الفصائل الطلابية خلال السنوات الأخيرة هو الذي شهدته البلاد في 19 مايو/ أيار 2018، حين لقي طالب مصرعه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأغادير (تقع على بعد 520 كلم جنوب العاصمة الرباط)، إثر مواجهات بين فصيلي "الطلبة الصحراويين" وفصيل "الحركة الثقافية الأمازيغية". وعام 2017، شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش أعمال عنف مماثلة بين الفصيلين ذاتهما ذهب ضحيتها الطالب عمر خالق من الحركة الثقافية الأمازيغية بعد تعرضه للضرب بواسطة قضيب حديدي في أنحاء مختلفة من جسده.
وفي 24 إبريل/ نيسان عام 2014، شكل مقتل الطالب الإسلامي عبد الرحيم الحسناوي في مدينة فاس على أيدي طلبة ينتمون لفصيل "النهج الديمقراطي القاعدي" (يساري راديكالي) نقطة سوداء في تاريخ الجامعات المغربية، ما دفع حينها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وعدد من وزراء حزب "العدالة والتنمية" إلى حضور جنازة الطالب والتأكيد على الحد من هذه الآفة بيد من حديد.
لكن بحسب دراسة أعدت عام 2014 بمبادرة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي)، وبتنسيق مع المركز المغربي للعلوم الاجتماعية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، تضمنت خريطة العنف بين الجامعات، تبين أن الأكثر عنفاً هي فاس، ومراكش، وأغادير، والرشيدية. أما الجامعات الأقل عنفاً، فهي سطات والجديدة وبني ملال.
وعرفت الدراسة العنف الجامعي بـ"كل شكل من أشكال العنف الجسدي والمعنوي في حق الطلاب والطالبات أو مستخدمي المؤسسات الجامعية من أساتذة وإداريين كيفما كانت الأسباب أو الدوافع".
في هذا السياق، يقول أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في جامعة ابن طفيل في مدينة القنيطرة رشيد لزرق، إن "العنف بين الفصائل الطلابية المختلفة هو ظاهرة قديمة نظراً إلى طبيعة الخلفيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وتراجع دور الدولة الراعية"، لافتاً إلى أنه "لا يكاد يمر أي عام دراسي من دون أن تشهد الجامعات عنفاً بين الطلاب. وغالباً ما تكون المشاكل نتيجة لأفكار إيديولوجية. لكن القاسم المشترك بينها هو العجز عن تحويل الصراع من صراع فكري إلى مادي".
ويوضح لزرق في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "واقع الصراع بين الفصائل الطلابية وما يرافقه من عنف لا يمكن تفسيره إلا ضمن السياق العام الاجتماعي، والذي يكشف عن تحولات في البنى الاجتماعية التي يعرفها المجتمع المغربي، بالإضافة إلى عسر التحول بفعل جمود المنظومة الاجتماعية المهيمنة عن احتوائه وتوجيه الطاقة الشبابية في اتجاه الإبداع الذي يخلق واقعاً مغايراً".
من جهته، يقول الباحث في علم الاجتماع رشيد الجرموني إن العنف في الجامعات يبقى ظاهرة اجتماعية في المغرب "بدليل أنه لم يخفت إلا خلال العامين الأخيرين بسبب جائحة كورونا"، معتبراً أن ذلك يؤشر إلى وجود أزمة قيمية وسياسية مرتبطة بغياب الثقافة المدنية والحوار.
ويقول الجرموني لـ"العربي الجديد"، إنّ استمرار هذه الظاهرة يرجع إلى عوامل عدة، من بينها "وجود حنق اجتماعي وتردي أوضاع بعض الفئات من الناحية الاقتصادية، وخصوصاً أننا نرى أن هذه الظاهرة تبرز في الجامعات التي تستقطب فئات واسعة"، ويوضح أن "العنف موجود في جميع المجالات في المجتمع المغربي ولا يقتصر الأمر فقط على الجامعات"، مضيفاً أن "المؤسسات التعليمية لا تؤدي وظائفها كما يجب، وخصوصاً خلال السنوات الأخيرة، ولم تعد تحتضن الطلبة من أجل المعرفة والتحصيل العلمي".
ويشدّد الجرموني على أنّ الجانب الأمني لا يمكن أن يعالج إشكالية العنف في الجامعات، إذ إن "المسألة مرتبطة بتنشئة اجتماعية وإعادة الاعتبار للطلاب ومستقبلهم ومساعدتهم على إيجاد أنفسهم في الجامعات"، ويؤكد على "ضرورة توفير شروط الإدماج والتعليم وإزالة العوامل التي تغذي العنف عبر العدالة الاجتماعية والمساواة في المجتمع". يضيف الجرموني: "لا يمكن الحديث عن حلول جزئية للعنف الجامعي من دون إصلاح المنظومة التعليمية وتحسين التعليم في المؤسسات الرسمية بما يضمن تكافؤ الفرص ويعمّق المواطنة والعدالة الاجتماعية"، ويقول: "هكذا نعيد الاعتبار للجامعة ونجعل الحياة الطلابية أكثر ديناميكية مع تكريس دورها وقيمتها الفكرية والسياسية"، ويلفت إلى أن "هذا المسار قادر على ضمان استقلالية الجامعات وكف يد الدولة عن تحويل تلك المؤسسات الأكاديمية إلى أدوات سياسية لتفريغ المطالب والضغوط الاجتماعية".