أثار قرار مجلس التعليم العالي الأردني القاضي بتعديل آلية القبول في الجامعات جدالاً واسعاً ترافق مع مخاوف وسط بعض الفئات من المحسوبيات
بعدما كان القبول الجامعي في الأردن يعتمد كلياً على نتائج شهادة الثانوية العامة (التوجيهي) سيجرى تعديله باتجاه أسس جديدة، من بينها حقل الاختصاص، فتكون السنة الجامعية الأولى مشتركة بين جميع الطلاب من مختلف الاختصاصات، يجرى من بعدها امتحان قبول ومقابلة، ويبقى جزء من المعايير فقط تابعاً لعلامة شهادة الثانوية العامة.
لكنّ مراقبين يخشون من دخول المحسوبيات المنتشرة في الأردن في القبولات الجامعية، بالإضافة إلى الظلم الذي سيقع على طلاب المحافظات البعيدة عن العاصمة، والمخيمات الفلسطينية، والمدارس الحكومية، خصوصاً من يرغبون في دخول الاختصاصات المرموقة.
وقرر مجلس التعليم العالي الأردني تغيير أسس القبول في الجامعات على أساس الكلية أو حقل الاختصاص، لتكون السنة الأولى مشتركة، ويجرى التخصص في الأقسام الأكاديمية ابتداءً من السنة الثانية بناءً على ثلاثة معايير أساسية هي المعدل التراكمي في السنة الأولى، ومقابلة يجريها القسم معه، ورغبة الطالب. وجاء في القرار: "يبنى القبول على أسس علامة مركبة موزونة تشمل 50 في المائة من المجموع الكلي للعلامة في امتحان الثانوية، و50 في المائة من العلامة على مبحثين (أو ثلاثة) من المباحث الدراسية ذات العلاقة بحقل الاختصاص الذي يرغب فيه الطالب، ونتيجة الطالب في اختبار قبول ذي شقين؛ الأول يقيس الاستعدادات الأكاديمية العامة، والثاني القدرات التحصيلية، فتتكون العلامة المؤهلة للقبول من 60 في المائة من العلامة المركبة في امتحان الثانوية العامة و40 في المائة من علامة الطالب في شقي اختبار القبول". وقرر المجلس "توزيع الطلاب في نهاية السنة الدراسية الأولى على الاختصاصات التي قبلوا بها، وتطبق هذه الأسس على جميع الطلاب الأردنيين، فيما يستثنى الطلاب العرب والأجانب من هذه الأسس لمدة 2 - 3 سنوات".
وفي مواجهة الانتقادات التي وجهت إلى النظام الجديد، قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي، محيي الدين توق، إنّ التغييرات تشكل مجموعة مبادئ عامة لأسس القبول، مشيراً إلى أنّها كانت متبعة في الجامعات الأردنية من عام 1962 إلى 1989، وتوقف العمل بها لارتفاع عدد الجامعات. وأضاف توق: "سنقوم باختبار قبول ونبدأ السنة المقبلة، والمقترح أن نبدأ في الاختصاصات الهندسية (كليات الهندسة) وبعدها سنقيّم التجربة، وعلى ضوء التقييم إذا كانت ناجحة ننتقل إلى اختصاصات جديدة". وأشار إلى أنّ هناك 3 نماذج قبول في جامعات العالم، منها نموذج يعتمد على علامة الثانوية، ونموذج يعتمد على اختبارات القبول، ونموذج يعتمد على المقابلات. وأوضح أنّ احتساب علامة الكلية هو المقترح لتكون 60 في المائة من الثانوية، و40 في المائة لاختبار القبول، وبناء على العلامة الكلية يكون قبول الجامعة، وهذا الأمر لا علاقة له بإلغاء دور الثانوية العامة (توجيهي)، أو رفع الرسوم الجامعية، أو أيّ أمور خارجية من أيّ جهة كانت في العالم.
في المقابل، يقول منسق الحملة الوطنية لحقوق الطلاب "ذبحتونا" فاخر دعاس لـ"العربي الجديد" إنّ آلية القبول الجامعي الجديدة خطوة أولى نحو خصخصة الجامعات وإلغاء التوجيهي، متوقّعاً أن يؤدي القبول على أساس الكلية إلى زيادة الرسوم الجامعية بنسبة تصل إلى 300 في المائة. يضيف أنّ القرار سيحول ما يسمى بـ"رهاب التوجيهي" إلى رهاب مضاعف (امتحان توجيهي وامتحان قبول جامعي)، مشيراً إلى أنّ اعتماد القبول الجامعي على أساس الكلية سيوقع الظلم بتلاميذ المدارس الحكومية عموماً، وتلاميذ القرى والمخيمات، إذ إنّ مستوى هؤلاء في اللغة الإنكليزية خصوصاً هو أدنى من أقرانهم في المدارس الخاصة، ما سيؤدي إلى تفوق تلاميذ المدارس الخاصة في السنة التحضيرية، وبالتالي حصدهم مقاعد الاختصاصات المرغوبة.
يتابع دعاس أنّ الحكومات المتعاقبة ما زالت أسيرة إملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين لم يكلّا عن مطالبة الحكومة برفع يدها عن دعم الجامعات، والسعي التدريجي لإلغاء التوجيهي (توفيراً للنفقات). ويضيف أنّ قرار مجلس التعليم العالي غير قابل للتطبيق. ويوضح أنّ اعتماد القبول على أساس الكلية هو مدخل واسع لزيادة الرسوم الجامعية، فالتباين في الرسوم الجامعية سيفرض على إدارات الجامعات توحيد الرسوم في السنة التحضيرية (سنة أولى)، ما سيؤدي إلى زيادة الرسوم.
بدوره، يقول الاستشاري والخبير التربوي عايش النوايسة لـ"العربي الجديد" إنّ التطوير والتغيير ضروريان، ولا يمكن البقاء على نفس النهج، والاعتماد على نتائج الثانوية بالقبولات الجامعية، مؤكداً ضرورة إنهاء هذا البعبع المخيف. ويضيف: "التوجيهي في بعض الأحيان مقياس غير عادل، فمن يملك المال إن لم يستطع الحصول على الاختصاص الذي يريد بالتنافس، يمكنه دراسته عبر التعليم الموازي بدفع رسوم أعلى، أو الدراسة في الخارج، فيما يضطر الفقير لدراسة الاختصاص المتاح". لكنّه يستدرك أنّ أيّ قرار يجب أن يكون مبنياً على البيانات والتواصل مع أصحاب الخبرات، خصوصاً في ظل التطور التكنولوجي، معتبراً نهج الحكومة قائماً على أنّ القرار الذي تتخذه هو الصحيح، وأنّها وصي على المواطنين فتعاملهم معاملة الأطفال. ويرى أنّ الثقة بين المواطنين والحكومة في أدنى مستوياتها، والقرار الأخير وردود الفعل عليه لا يخرجان عن ذلك. ويتساءل: "ما هي الأسس لتقسيم 60 في المائة و40 في المائة؟ وما هي محددات امتحان القبول الجامعي وتوزيع النسب؟". ويشير إلى أنّ المجتمع الأردني تشيع فيه المحسوبية والواسطة، وأنّ قلة من أساتذة الجامعات لا يخضعون للواسطة. ويتساءل: "ما هي معايير النزاهة والشفافية التي ستعتمدها الوزارة؟ ومن هي الجهة التي تراقبها لمواجهة آفة الواسطة؟". ويطالب بجهة تضمن نزاهة القبول "لتجاوز ثقافة الواسطة والمحسوبية"، مضيفاً أنّ ترك الأمور للجامعات يؤثر سلباً على مستقبل البلاد وسمعة خريجيها، وربما يؤدي إلى انحدار مستوى الموارد البشرية الأردنية، التي تلاقي قبولاً كبيراً في أسواق العمل العربية. ويخلص إلى أنّ من الأفضل تجربة هذه المعايير الجديدة على جامعة واحدة، وبعد ذلك يجرى الحكم على التجربة لتعميمها أو العدول عنها.
دور الرزاز
يقول منسق الحملة الوطنية لحقوق الطلاب "ذبحتونا" فاخر دعاس لـ"العربي الجديد" إنّه بالعودة إلى تصريحات رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز، عندما كان وزيراً للتربية عام 2017، يتضح أنّه كانت لديه رغبة في "التخلص من التوجيهي" والعمل على اعتماد القبول الجامعي المباشر. وهو مما "يعزز الفساد والمحسوبية"، وفق دعاس.