ثروة الحديد.. كفيفة أردنية تبدع في إعداد المنسف والمقلوبة

15 نوفمبر 2022
ثروة الحديد.. كفيفة نجحت في توظيف حواسها لإعداد الطعام (الأناضول)
+ الخط -

"العين هي التي تأكل"، مثل عربي شعبي قديم يعكس أهمية حاسة البصر في تمييز جودة الطعام، لكن الأردنية الكفيفة ثروة الحديد قلبت المعادلة، فقد أتقنت فن الطهو وتقديم أشهى الأطباق من دون أن تراها بعينيها.

حكاية ثروة (54 عاماً) تحمل في ثناياها نموذجاً حيّاً لتمسّك الإنسان بالأمل مهما كانت درجة معاناته، وأن النجاح لا يحتاج لتحقيقه إلا إلى العزيمة والإصرار.

وُلدت ثروة عام 1968 في منطقة القويسمة بالعاصمة الأردنية عمّان، لوالدين أبناء عمومة، وهي شقيقة لـ7 إناث و4 ذكور، تزوجت وأنجبت ابنتين وولداً، قبل أن يغادر زوجها البلاد ويتركها أمّاً وأباً في آن واحد.

الصورة
ثروة الحديد .. كفيفة أردنية تعد الطعام (الأناضول)
"التهاب شبكية" أدّى إلى فقدانها البصر وهي في الثلاثين من عمرها (الأناضول)

كانت الحديد تعاني من مشكلة في نظرها منذ طفولتها، وأصيبت بـ"التهاب شبكية" أدّى إلى فقدانها البصر بالكامل وهي في الثلاثين من عمرها، وتصف حالتها قائلة "كنت متفوّقة في المدرسة، ولكن كانت لدي مشكلة نتيجة قصر النظر، وخاصة مع اللغة الإنكليزية، فقد كنت أخلط بين عدة أحرف، وأرتدي نظارات طبية منذ الصغر"، من دون أن تستبعد أثر القرابة بين والديها في ذلك.

وبإصرار الإنسان الصابر على الابتلاء، قالت: "لم يُخبرني كل الأطباء الذين راجعتهم بأنني سأفقد البصر، ولكن الحمد لله جرّبت هذه النعمة والحمد لله على فقدها".

وأضافت: "غادر زوجي الأردن قبل سنوات طويلة (إلى إحدى الدول الأوروبية)، وتركني مع أبنائي وهم أطفال، ولكنني بحمد الله تمكنت من تربيتهم أحسن تربية، وزوّجت بناتي، وأنا جدّة الآن".

وأشارت إلى أنها "حلمت بأن أكمل دراستي، ولكنه أمر الله، إلا أنني تمكنت من النجاح في الثانوية العامة، وأعمل حالياً مأمورة مقسم في أمانة العاصمة عمّان منذ عام 2004".

بعد زواج بناتها كانت تضطر للبقاء وحدها في المنزل في ظل غياب ابنها في العمل، فانتقلت للعيش مع والدتها التي تبلغ 78 عاماً من العمر، بطلب من أشقائها.

الصورة
ثروة الحديد .. كفيفة أردنية تعد الطعام (الأناضول)
حرصها على صحة والدتها دفعها لإعداد الطعام رغم فقدانها البصر (الأناضول)

كانت ثروة تضطر للانتظار مع والدتها حتى يجد أشقّاؤها وشقيقاتها الوقت لإحضار الطعام لهما، وفي بعض الأوقات كانتا تعتمدان على المطاعم، ونظراً لظروف عمل إخوتها، كان الطعام يتأخر في الوصول أحياناً، وهو ما كان ينعكس سلباً على مواقيت تناول والدتها المسنّة لأدويتها، في ظل معاناتها مع أمراض مزمنة.

وحرصاً منها على المحافظة على صحة والدتها وتناولها الدواء في مواعيده، قررت ثروة إعداد وجبات الطعام بنفسها.

وبعزيمتها كانت أصلب من الصعاب، فقد اجتهدت في سبيل تحقيق ذلك إلى أن نالت ما تطمح إليه، بل وتحوّلت إلى حالة نادرة، وطاهية تجيد عملها من دون أن ترى ما تعدّه، إلا أن الإحساس بأهمية ما تقوم به خدمةً لوالدتها ذلّل كل العقبات.

الصورة
ثروة الحديد.. أردنية تعد أصعب الأطباق رغم فقدانها البصر (الأناضول)
لم يمنعها فقدان البصر من إعداد أصعب الأطباق (الأناضول)

كيف تمكنت من إعداد الطعام؟

"أعتمد على حواسي الأخرى" قالتها ثروة حديد شارحة كيف تمكنت من إعداد الطعام وهي كفيفة، موضحة: "السمع عند الغلي مثل الشوربات، والرائحة أو التذوق للنضج، واللمس للتقشير والتقطيع".

وأضافت: "قمت بوضع علامات على علب مستحضرات الطعام وفق ملمس خاص، إضافة إلى أنني أشتمّ رائحتها للتأكد منها، ولله الحمد، من خلال ذلك أطهو بعض الأطباق التي يصعب على المبصرات تحضيرها، مثل المنسف والمقلوبة والكبسة والمندي والصواني والكفتة والكبة (أطباق شعبية متعارف عليها لدى الأردنيين)، وغيرها من الأطباق الأخرى".

ورغم حالتها الصحية التي تفاقمت صعوبتها بعد إصابتها بسرطان الغدة الدرقية عام 2008، إلا أنها أكدت وبكل فخر وثقة بالنفس قائلةً: "لا أعتقد أن ما أقوم به يستطيع غيري بمثل حالتي فعله، ولم أسمع عن ذلك من قبل".

وأردفت: "لقيت ولمست تشجيعاً كبيراً ممن حولي، وبدأت نشر ما أقوم بإعداده من أطباق على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وأدعو الله أن يشفي كل مريض، فكما يُقال: لا يؤلم الجرح إلا من به الألم".

وختمت حديثها بالقول: "لدي صفحة خاصة على "فيسبوك"، أعرض فيها إنتاجي، ولكن أحلم أن أتمكن من إنشاء مطبخ خاص يلقى إقبالاً من الجميع، ليتذوقوا ما تصنعه الكفيفة".

(الأناضول)

المساهمون