ثأر في الأردن... جرائم بشعة ضحاياها أبرياء

27 ديسمبر 2020
كثفت الشرطة الأردنية حملتها على المطلوبين بعد جريمة الزرقاء (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

شهد الأردن أخيراً جريمتين عنيفتين أهدافهما ثأرية، جرى فيهما تعذيب ضحايا لا ذنب لهم غير القرابة مع الشخص المستهدف. يتحدث متخصصون عن اضطرابات لدى المجرمين، وضرورة إعادة تأهيلهم، مع تشديد العقوبات.

هزّت جريمتان الأردن في الربع الأخير من العام الحالي، انتقم خلالها المتهمون، وهم من أصحاب السوابق، من الأبناء نتيجة لخلافات مع آبائهم. ووقعت الجريمتان في مدينة الزرقاء، وسط البلاد، وفي العاصمة عمّان، ما فتح النقاش حول واقع الجريمة وتغير أساليبها في البلاد، وكيفية مواجهة هذا النوع من الجرائم قبل استفحالها وانتشارها في المجتمع. 
الجريمة الأولى ارتكبت في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وكان ضحيتها فتى اسمه صالح، حين تجمع عدد من أصحاب السوابق في محافظة الزرقاء (وسط)، واختطفوا ابن السادسة عشرة وبتروا يديه وفقأوا عينيه قبل أن يرموه على الطريق العام انتقاماً من أبيه الذي تسبّب خلال شجار بوفاة خال أحد الجناة. 
وفي الجريمة الثانية، اعترف الجاني بقتل والد الطفل خنقاً أثناء وجودهما في منطقة ناعور، جنوب العاصمة، إثر خلافات بينهما، قبل التوجه إلى منزله والاعتداء على ابنه البالغ من العمر 15 عاماً، وهو من سكان منطقة مرج الحمام، في التاسع من الشهر الجاري. ضربه المعتدي على رأسه ووجهه وعنقه وظهره، ما سبّب له جروحاً خطيرة جداً، وذلك انتقاماً من والده. 
وعلى خلفية جريمة الزرقاء، شكلت مديرية الأمن العام فرقاً أمنية مشتركة مع قوات الدرك للتعامل والبحث وإلقاء القبض على كافة الأشخاص المطلوبين والمشتبه بهم من أصحاب السوابق، والتعامل معهم بحزم وباستخدام كافة أشكال القوة، ودون أي تردد عند إبداء أي صور من المقاومة أو محاولتها. 

لم يكن هذا النوع من الجرائم ظاهراً حتى العام الماضي. ويشير تقرير جنائي صادر عن إدارة المعلومات الجنائية في مديرية الأمن العام إلى وقوع جريمة واحدة فقط مصنفة بدافع الثأر من ضمن إجمالي جرائم القتل القصد والعمد المرتكبة عام 2019، والتي بلغ عددها 110 جرائم، فيما بلغ عدد الجناة 201، وعدد المجني عليهم 115. وتعتبر جرائم القتل بدافع الثأر من أقل نسب جرائم القتل العمد والقصد في المجتمع الأردني، وبلغت نسبتها أقل من 1 في المائة. 
وتقول أستاذة علم الجريمة خولة الحسن، لـ"العربي الجديد"، إن جرائم الثأر والانتقام تختلف عن غيرها من الجرائم بكونها أكثر عنفاً، وقد تصل إلى حد القتل والتشويه، كما تؤدي إلى سقوط ضحايا أبرياء لا ذنب لهم سوى صلة الدم. وفي عام 2020، شهد الأردن عدداً من جرائم القتل اعتمد فيها الجناة أساليب وحشية، كالخنق والحرق وإطلاق النار والتعذيب والتنكيل والطعن بالسكين، والتي لم يعهدها المجتمع الأردني، الأمر الذي تسبّب بصدمة بين الناس. ولعل أبشعها تلك التي شهدتها الزرقاء، والتي تحولت إلى قضية رأي عام. وتلتها بعد فترة قصيرة جريمة أخرى بحق الفتى بهاء في منطقة مرج الحمام. 
وتوضح أن هناك تشابهاً بعض الشيء بين جريمتي الزرقاء ومرج الحمام، والجناة هم من أصحاب السوابق، وهناك فتيان ضحيتان لا ذنب لهما وليسا طرفين في خلاف أو اتفاق جنائي. اعتُدي على الفتى صالح بأسلوب وحشي وبشع جداً، وعمد الجناة إلى قطع يديه وفقأ عينيه ومحاولة الاعتداء عليه جنسياً للانتقام من والده المتهم في جريمة حدثت في وقت سابق، ولم تجد نفعاً الإجراءات القانونية المتخذة والتي أدت الى حبس والد صالح. كما لم تردع الجناة عن القيام بفعلتهم الشنيعة بحق الضحية الذي لم يكن أصلاً طرفاً في الجريمة، فقد اختطفوه من الشارع ومارسوا الإرهاب بحقه ورموه في منطقة نائية، وظل ينزف إلى أن طلب بعض المارة سيارة إسعاف.

الصورة
الأردن 1 - عناصر من قوات الدرك في الأردن (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

تضيف أن بهاء هو أصلاً ضحية تفكك أسري، حيث يعيش هو وشقيقه في بيت والده بعيداً عن والدته التي انتقلت إلى منزل أهلها مع ابنتيها بسبب ما كانت تتعرض له من تعنيف من قبل زوجها. يشار إلى أن الزوج قتله صديقه، الذي ذهب بعدها إلى منزله واعتدى بالساطور وبأسلوب وحشي على الفتى بهاء أثناء نومه. وكان بهاء نفسه قد رحب بدخول الجاني إلى البيت وسمح له بالنوم تلك الليلة ولم يكن يعلم بعد بمقتل والده أو وجود نية الانتقام لدى الجاني المجرم. 
وتوضح الحسن أنه عادة ما تكثر الرغبة في الانتقام بفعل الضغوط النفسية الناجمة عن المشاعر السلبية وعدم القدرة على ضبط النفس، والتي قد تكون ناتجة عن التنشئة والحث على الانتقام والأخذ بالثأر، ومجاراة رفاق السوء، بالإضافة إلى الانخراط بسلوكيات أخرى، كالادمان على الكحول والمخدرات، الأمر الذي يزيد من الرغبة بالانتقام حتى لو كان الضحايا أبرياء لا ذنب لهم. تضيف أن المجرم المنتقم يشعر بالزهو والفخر لإقدامه على الفعل الشنيع، وعادة ما لا يتوارى عن الأنظار أو يشعر بالذنب، بل قد يعترف بشعوره بالراحة وأخذ حقه بيده عندما يتم إلقاء القبض عليه واعتقاله. 

وتدعو الحسن إلى إعادة النظر في هذا النوع من الجرائم، وإجراء تقييم للضحايا المحتملين، واتخاذ الإجراءات المناسبة لحمايتهم في حال وقوع جرائم قتل أو اعتداء كبير قبل أن يقع ما لا تحمد عقباه، ويتم الاعتداء على أرواح بريئة، والتسبب بمعاناة جسدية ونفسية تصاحبهم مدى الحياة وتجر المزيد من الجرائم بقصد الانتقام والثأر، وخصوصاً في ظل الظروف المعيشية الصعبة وتزايد نسب التفكك الأسري، بالإضافة إلى تداعيات جائحة كورونا، والضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية والتباعد الاجتماعي.
من جهتها، تقول أستاذة علم النفس العيادي في جامعة عمّان الأهلية فداء أبو الخير، لـ"العربي الجديد": "من الناحية النفسية، يعاني مرتكبو هذه الجرائم من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، والذي يُسمّى أحيانا الاعتلال الاجتماعي، وهؤلاء قد يخرقون القانون ويعتدون عليه ويتلذذون بإلحاق الأذى بالآخرين. ولا يكون الأذى مقتصراً على البشر فقط، بل قد يصل إلى حد الاعتداء على الحيوانات والممتلكات وأي شيء آخر". وتوضح أنه يمكن أن تظهر خصال هذه الشخصية لدى بعض الأطفال، لكن بدرجة أقل حدة، وتسمى لدى الأطفال الاضطراب السلوكي، الذي يتطور ليصبح اضطراباً مضاداً للمجتمع. 

الصورة
الأردن 2 - بعد ارتكاب إحدى الجرائم في الأردن (صلاح ملكاوي/ فرانس برس)

وتشير أبو الخير إلى أن هناك معايير لتحديد ما إذا كان مرتكب الجريمة ذا أهلية عقلية أو فاقداً لها، وما إذا كان أيضاً فاقداً للأهلية العقلية لدى ارتكابه الجريمة ليسقط الحكم القضائي. وتلفت إلى ضرورة أخذ عوامل معينة في الاعتبار، أبرزها ألا يعرف مرتكب الجريمة أن هذا التصرف خاطئ أو فيه أذى. 
وتوضح أن هؤلاء يعلمون أنه يرتكبون أفعالاً خاطئة، ولديهم المعرفة بالزمان والمكان والأشخاص، وهم بذلك غير فاقدي الأهلية ولديهم القدرة على الحكم على الأشياء، والحكم بشكل دقيق يتم من خلال قرار المحكمة في كل قضية على حدة، بالاعتماد على البينات وشهادات أصحاب الخبرة. وترى أبو الخير أن هذه الجرائم لها أبعاد مجتمعية وتخلق الرعب في المجتمع.

إلى ذلك، تقول مديرة مركز وعي للتدريب في حقوق الإنسان المحامية تغريد الدغمي، لـ"العربي الجديد"، إن التشريعات الأردنية تعد رادعة؛ فقانون العقوبات الأردني وضع حداً أعلى وحداً أدنى لعقوبات كل جريمة، والحد الأدنى يكون لمن يرتكب الجريمة للمرة الأولى، أو ألا تكون خطيرة. أما تلك التي تتضمن تعنيفاً وترويعاً، فلدى القضاة الصلاحيات لرفع العقوبة بما يتناسب مع حجم الجريمة المرتكبة. 
وفي حال "تكرار الجرائم"، تشير إلى أن العقوبات وحدها ليست كافية، بل يجب أن يكون هناك إصلاح حقيقي وإعادة تأهيل لمرتكبي الجرائم. وتلفت إلى أن بعض المتهمين بقضية الفتى صالح هم من أصحاب السوابق، متسائلة عن كيفية التعامل مع هؤلاء بدءاً من أول قضية ارتكبت وحتى تلك الأخيرة، موضحة أن في سجل أحدهم 170 جريمة. 
تتابع: "هناك جريمة بالصدفة، وجريمة ابنة اللحظة. فالإنسان لا يولد مجرماً، لكن هناك عوامل تخلق منه إنساناً مجرماً"، مشيرة إلى أن هناك فرقاً أيضاً بين من خالف القانون مرة واحدة، وبين من امتهنوا ارتكاب الجرائم. كذلك تسأل عن البرامج التي قدمت لهؤلاء من أجل إعادة تأهيلهم ليكونوا جزءاً من المجتمع، مشيرة إلى أنه لا يمكن اعتبار جرائم الانتقام ظاهرة في الأردن، حتى لو تم الحديث عن جريمتين متقاربتين في فترة لا يوجد فاصل زمني بينهما، لكن هذا لا يعني أنها غير موجودة. 
وبشكل عام، ارتفعت معدلات الجرائم المرتكبة في الأردن عام 2019، بحسب التقرير الإحصائي الجنائي الذي نشرته مديرية الأمن العام على موقع إدارة المعلومات الجنائية، والذي أشار إلى أن نسبة الزيادة وصلت إلى 7.57 في المائة بالمقارنة مع عام 2018. ويشير التقرير إلى أن أصحاب الأعمال الحرة هم الأكثر ارتكاباً للجرائم في الأردن، فيما حل العاطلون من العمل في المرتبة الثانية. 
ويظهر التقرير أن أكثر الأسباب التي دفعت إلى ارتكاب جرائم القتل العمد في الأردن خلال عام 2019، هي الخلافات الشخصية بنسبة 48.18 في المائة، تلتها الخلافات العائلية بنسبة 30.91 في المائة، في حين شكلت دوافع الثأر والدفاع عن النفس النسبة الأقل (0.91 في المائة). 
وبحسب التقرير الصادر عن مديرية الأمن العام، بلغ معدل الجريمة 25 لكل 10 آلاف نسمة من السكان خلال عام 2019، في مقابل 24 جريمة في عام 2018. وخلال العام 2019، سجلت 26.521 جريمة، في المجمل، بزيادة 1867 أو 7.57 في المائة، بالمقارنة مع العام 2018، الذي سجلت خلاله 24.654 جريمة.

المساهمون