تعتبر ظروف عيش مهاجري جنوب الصحراء، وبينهم نساء وأطفال، قاسية جداً في تونس، إذ يوجد بعضهم في مزارع وغابات، وينامون في العراء، وأيضاً قسم منهم على الحدود مع الجزائر، حيث الظروف المناخية صعبة، ويقع بعضهم فريسة مليشيات مسلحة على الحدود مع ليبيا.
ويفيد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بأن نحو 300 طالب لجوء موجودون في ساحات بضواحي العاصمة التونسية، من دون أن تتوفر لهم أي خدمات، ويتحدث عن أن تشكيلات أمنية توقف المهاجرين عشوائياً في العامرة وجبناينة بولاية صفاقس (وسط)، في حين تقدّر وزارة الداخلية وجود نحو 80 ألف مهاجر من جنوب الصحراء في البلاد.
يقول رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، لـ"العربي الجديد": "تتفاقم الصعوبات في ملف المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء، في ظل تزايد عدد الوافدين الذين هربوا من الحرب الدائرة في السودان التي ألقت بظلالها على دول الجوار، ومن بينها تونس التي تعتبر بلد عبور رئيسي إلى أوروبا، ويقصدها مهاجرون من السودان وجنسيات أخرى للإفادة من توفيرها أسهل وأفضل مسار للوصول إلى أوروبا".
وكان المعهد العربي لرؤساء المؤسسات في تونس (مدني) قد أعلن أن "تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين السودانيين يزيد مخاطر تشغيل العمالة في السوق الموازية، ويشكل ضغطاً على مستوى التزوّد بالمواد الأساسية، نظراً لاعتبار السودانيين تونس أرض مقصد لا نقطة عبور، بخلاف باقي المهاجرين من دول جنوب الصحراء".
وتحدّث المعهد عن إمكانية تسجيل "ضغوط إضافية على مستوى التزود بالمواد الغذائية الأساسية، باعتبار أن نحو ثلث اللاجئين من السودان أطفال، وذلك بخلاف المهاجرين من الأفارقة جنوب الصحراء الذين يعتبرون عادة يداً عاملة نشيطة".
ويشير مصطفى إلى أن "العمليات التي تنفذها أجهزة الأمن التونسية للتصدي للهجرة السرّية، وإجراءات غلق الحدود أبقت وافدين كثيرين عالقين في تونس، ما تطلب توفير مستلزمات غذائية وطبية لهم. وفي ظل غياب استراتيجية واضحة للتعامل مع المهاجرين، شهدت صفاقس في يوليو/ تموز الماضي مناوشات اندلعت بينهم وبين قوات الأمن وأيضاً بعض الأهالي الذين يرفضون وجودهم. وواكب التوتر الميداني إطلاق نشطاء على صفحات التواصل الاجتماعي حملات طالبت بترحيل المهاجرين. وأخيراً شهدت مدينتا مدنين وجرجيس (جنوب) مناوشات مع مهاجرين، ما عكس عجز السلطات التام عن التعامل مع الملف، تمهيداً للوصول إلى حلول حقيقية".
يضيف: "فاقم فصل الشتاء الحالي الصعوبات بالنسبة إلى مهاجري جنوب الصحراء الذين يعانون من الظروف المناخية السيئة التي تتطلب توفير خدمات إيواء وإعاشة ولباس ودواء لهم، وكل ذلك مفقود، ولا تبذل أي جهود لتوفير أي احتياجات. ويضاعف غياب أدنى الخدمات معاناة المهاجرين، خاصة الفئات الهشّة من الأطفال والنساء. لا رؤية للتعامل مع مهاجري جنوب الصحراء الذين يفترض إعادتهم إلى بلدانهم، أو السماح بحصولهم على بعض الخدمات والحقوق، بحسب الاتفاقات الدولية، علماً أن عدم وجود اتفاقات لإعادة المهاجرين يطرح إشكالات كبيرة".
ويعتبر مصطفى أن "التعامل مع ملف المهاجرين متروك للصدفة، في حين لا يخلو التنسيق مع المنظمات الدولية من صعوبات وفتور. ويستدعي ذلك تشكيل هيئة وطنية لإدارة ملف الهجرة واللجوء وأزماته، والتعامل مع الحالات بحسب القانون الدولي، تمهيداً للتواصل مع المنظمات الدولية. والأكيد أن الملف يهم كل الأطراف لكنه يُدار بطريقة سيئة".
ويشير إلى أن "التعامل مع المهاجرين على الحدود التونسية مع الجزائر أو ليبيا يخضع للظروف، فهم يعودون أحياناً إلى الجزائر، وأحياناً ترسلهم الجزائر نفسها إلى تونس، كما تدفع السلطات التونسية بعضهم إلى التوجه نحو الحدود الليبية، حيث يستقبلهم وسطاء للهجرة ومليشيات تحاول إرسالهم إلى أوروبا مقابل أموال. عموماً ليست الظروف طبيعية على الحدود، حيث يغيب التنسيق المطلوب مع ليبيا والجزائر في إدارة ملف المهاجرين، علماً أن نسبة 35 في المائة منهم قُصر، وهناك نسبة مهمة من الشبان دون سن الـ 30، وأيضاً نساء".
ويؤكد المسؤول الإعلامي في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الوضع الإنساني لمهاجري جنوب الصحراء في تونس صعب جداً، وباتت الأزمة تشمل أيضاً المهاجرين السودانيين الذين يوجد عدد كبير منهم في حدائق عامة بالعاصمة ومدن أخرى، وبينهم أطفال ونساء، كما قصد بعضهم غابات في منطقة رجيس ومزارع في الزياتين، حيث لا تتوفر أي حماية لهم، ويقتصر التعامل معهم على الضرورات الأمنية".
ويذكر أن "مهاجرين كثيرين لا يملكون وثائق إقامة ما يعرضهم للطرد على الحدود أو الترحيل الجماعي، وهم عالقون في تونس من دون أي خدمات. وقد تراجعت عمليات الانطلاق في البحر بتأثير التدابير الأمنية المشددة التي طبقتها السلطات التونسية، وعزوف كثيرين عن خوض مغامرة الهجرة، فبقي عدد منهم عالقاً في تونس من دون الحصول على خدمات".
ويضيف: "في ظل الوضع السائد يجب أن تتحمّل السلطات التونسية مسؤولياتها، بحسب معاهدة جنيف التي صادقت عليها لحماية حقوق المهاجرين وضمان كرامتهم، كما يجب أن تدرس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مطالب اللجوء، وتسخّر كل الإمكانات المادية واللوجستية والقانونية للدفاع عن حقوق المهاجرين واللاجئين في تونس".
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلنت المنظمة العالمية لمكافحة التعذيب، أنّ المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء يتعرّضون "لعنف مؤسساتي يومي في تونس، يشمل اعتقالات تعسفية وتهجيراً قسرياً وإبعاداً غير قانوني"، وحمّلت السلطات التونسية مسؤولية الانتهاكات المرتكبة، وأشارت إلى أن "البلاد تتعرّض لضغوط مستمرة من أوروبا للحدّ من الهجرة السرية في البحر المتوسط".