تونس: مهاجرون أفارقة محرومون من أساسيات الحياة في "رباط المدينة"

16 اغسطس 2023
تعاني صفاقس من وجود أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين (الأناضول)
+ الخط -

في حديقة "رباط المدينة" بساحة باب الجبلي بوسط مدينة صفاقس التونسية جنوبي البلاد، يبحث المهاجرون الأفارقة دون جدوى تحت الأشجار عن ظل يقيهم لهيب شمس أغسطس/ آب الحارقة.

باتت شجيرات الحديقة القليلة لا يمكن أن تؤوي مئات المهاجرين الذين لا مأوى لهم في هذا الصيف القائظ الذي تمر به تونس، منذ أن بدأت "رباط المدينة" تتحول إلى "ملاذ مؤقت" لهم، في أعقاب أحداث العنف التي شهدتها صفاقس يوليو/ تموز الماضي.

في 3 يوليو الماضي، شهدت صفاقس حالة من الاحتقان تطورت إلى مواجهات عنيفة بين سكان المدينة والمهاجرين المقيمين بها، على خلفية مقتل الشاب التونسي نزار العمري (40 سنة) على يد مهاجرين غير نظاميين.

الصورة
"رباط المدينة".. ملاذ المهاجرين الأفارقة في تونس (الأناضول)
17 ألف أفريقي مهاجر غير نظامي في صفاقس (الأناضول)

وعقب مقتل العمري، اندلعت اشتباكات وأعمال عنف في المدينة وقطع للطرق وحرق للعجلات المطاطية ومناوشات مع قوات الأمن، في وقت طالبت فيه هيئات مدنية ومنظمات غير حكومية بتهدئة الأوضاع وضمان أمن المهاجرين والتونسيين على حد سواء.

وبعد الحادثة، خرج مئات المهاجرين من صفاقس باتجاه ولايات تونسية أخرى، فيما فضّل آخرون البقاء في حدائق المدينة وساحاتها دون ملجأ بعد طردهم من منازلهم ومواقع عملهم.

أوضاع صعبة

تقول المهاجرة القادمة من مالي أواي كوليبالي، بينما تمكث في أحد أركان الحديقة وقد أخذ منها اليأس مأخذا من معالجة وضعيتها "أنا في تونس منذ عام 2017، كنت في العاصمة وعام 2020 أتيت إلى هنا".

تصف أوضاع الأفارقة بحنق: "أوضاعنا صعبة، لقد سرقوا كل ما في منزلنا وأخذوا منا كل شيء بما في ذلك جوازات سفرنا، أخرجونا من المنزل وننام هنا في هذه الحديقة ونتدبر أمرنا بصعوبة لنعيش".

وأضافت: "هذا غير عادي، هناك تونسيون في كامل أفريقيا، في كوت دي فوار ومالي والسنغال وبوركينا فاسو، ونحن لم نكن سيئين تجاههم، وشقيقي متزوج من تونسية ويعمل بالسلك الدبلوماسي، ولكن هذا التصرف تجاهنا غير عادي وغير لائق". مردفة: "الوضعية صعبة في صفاقس، خسرنا كل شيء، ويجري تتبعنا لأننا أجانب، لا يمكننا العيش هنا".

الصورة
"رباط المدينة".. ملاذ المهاجرين الأفارقة في تونس (الأناضول)
شهدت صفاقس في 3 يوليو الماضي حالة من الاحتقان بين السكان والمهاجرين (الأناضول)

كوليبالي الغاضبة من وضعها في الحديقة تقول: "حتى في فرنسا الأجانب يتلقون مساعدة، لكن هنا لا نتلقى أي مساعدة، وننام هنا بعد أن أخذوا منا كل شيء حتى ملابسنا أنا وزوجي وابنتي"، مبررة وجودها في تونس بقولها: "أنا هنا لأنه في بلادي لا يمكنني تحقيق أي شيء، أنا مجبرة على البقاء في تونس".

لا سكن.. لا طعام.. لا أساسيات للحياة

داود دان لو من غينيا (كوناكري) له قصة أخرى فهو من "مهاجري ليبيا" الذين عبروا مؤخرا إلى تونس، يرويها قائلا: "جئت من ليبيا.. لم يكن سهلا الوصول إلى تونس، عددنا كان كبيرا والسلطات الأمنية قبضت علينا في صحراء ليبيا، وأنا هنا في صفاقس منذ 10 أيام".

وأضاف: "من مجموعتنا وصل ثلاثة إلى هنا والآخرون بقوا في الصحراء، نساء وأطفالا، ومنذ أن وصلنا أصبح وضعنا صعبا في الحديقة، ننام ونعيش فيها وليس لنا أكل جيد".

الصورة
"رباط المدينة".. ملاذ المهاجرين الأفارقة في تونس (الأناضول)
يبحث المهاجرون الأفارقة دون جدوى تحت الأشجار عن ظل يقيهم لهيب الشمس (الأناضول)

وحول تصرف التونسيين تجاههم، قال دان لو: "نحن محرومون من أساسيات الحياة، لا أكل جيدا وليس لنا مكان ننام فيه، الأمر ليس سهلا أبدا، فلا تتوفر لنا دورات مياه ولا أدوات نظافة، أصبحنا نعيش مثل الحيوانات"، مضيفا: "ليس لنا عمل لنعيش عليه، عملت في ليبيا ومعي بعض المال وعندما نمرض سيطلبون منا المال، ماذا نفعل؟".

انتظار الحل

مشاعر الإحباط تجاه وضعية المهاجرين غير النظاميين من أصول أفريقيا جنوب الصحراء لمسناه أيضا لدى التونسيين الساكنين في محيط حديقة باب الجبلي.

يقول عمارة السمعلي، مشرف على عمارة بحديقة "رباط المدينة": "أصابنا القلق فمستأجرو الشقق في العمارة مهنيون يمارسون عملهم وأكثرهم أطباء ومهندسون، ويدفع الواحد منهم مقابل إيجار الشقة هنا بين 1800 دينار (نحو 600 دولار) و1500 دينار (500 دولار) شهريا".

الصورة
"رباط المدينة".. ملاذ المهاجرين الأفارقة في تونس (الأناضول)
تشهد تونس تصاعدا لافتا في وتيرة الهجرة السرية إلى أوروبا (الأناضول)

وأضاف السمعلي: "لسنا ضد المهاجرين، لكن فليبحثوا لهم عن مأوى خاص ليتمكن الناس هنا من العمل، فبعض متسأجري الشقق في العمارة أصبح لا يمكنه تسديد ثمن الإيجار لتعطل العمل"، مضيفا: "ليس هناك أي حل حتى الآن رغم مرور شهر وأكثر من 10 أيام على وجود المهاجرين في المنطقة ويجب على السلطات أن تفعل شيئا".

وأردف: "العمل جوار الحديقة تعطّل، فلا أحد بات يقصد العمارة، أطباء ومهندسون ومدرسة تعليم لغة إنكليزية كلهم معطلون، بسبب هذا الوضع الجديد"، مستدركا "تعبنا نحن والمهاجرون الأفارقة من هذا الوضع، لسنا عنصريين، ونأتي لهم بالأكل والماء، وعندما نحدثهم برفق يفهموننا، ولهم أطفال صغار وبودنا أن تبحث السلطات عن حل لنا ولهم".

وعن سوء أوضاع المهاجرين في الحديقة، قال السمعلي: "ليس لهم دورات مياه ولا مكان للاستحمام، وأرجو أن تنظر الدولة لهم بعين الرحمة وتحل المشكلة".

وتعاني صفاقس من وجود أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء الراغبين في اجتياز الحدود البحرية باتجاه أوروبا.

وقال وزير الداخلية التونسي في تصريحات سابقة: "نقدر أن في مدينة صفاقس، التي يوجد فيها تجمع كبير للأفارقة، نحو 17 ألف أفريقي مهاجر غير شرعي، وعندما نضيف من هو في مدن أخرى يصبح العدد 80 ألفا في تونس".

ومنذ فترة تشهد تونس تصاعدا لافتا في وتيرة الهجرة السرية إلى أوروبا، خصوصا باتجاه سواحل إيطاليا، على وقع تداعيات الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلد الأفريقي ودول أخرى.

(الأناضول)

المساهمون