تونس: مناقشة قانون لحقوق المرضى والمسؤولية الطبية

تونس: مناقشة قانون لحقوق المرضى والمسؤولية الطبية

26 يناير 2024
يُطالب أطباء في تونس بقوانين تحميهم من الاتهامات الباطلة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

عاد مشروع قانون حقوق المرضى والمسؤولية الطبية في تونس إلى دائرة الضوء بعد أكثر من 6 سنوات من إصدار نسخته الأولى. وباشر البرلمان مناقشة نسخة جديدة من القانون قدمتها الحكومة، والتي يعوّل عليها المهنيون لمعالجة ثغرات تشريعية في حماية الكوادر الصحية وطالبي العلاج معاً.
ويوضح مشروع القانون خصوصيات وطبيعة الأعمال والأنشطة الدقيقة التي ينفذها عاملو الصحة وتصنّف بأنها أعمال وأنشطة دقيقة تتضمن مخاطر، كما يحدد آليات حماية المرضى من المخاطر والأضرار المرتبطة بالعلاج بهدف ضمان سلامتهم والحفاظ على حرمتهم الجسدية، وأيضاً آليات أخرى لحماية المعطيات الشخصية للمرضى، ومنحهم حقوق الحصول على معلومات عن حالاتهم، وفرض منحهم موافقتهم الشخصية مسبقاً على تلقي العلاجات، وضمان حقوقهم في الحصول على تعويض في حال ارتكاب أخطاء طبية خلال العمليات الجراحية.

ويراهن عاملو الصحة على إقرار البرلمان مشروع القانون لوضع حدّ للملاحقات القضائية التي تطاولهم بسبب غياب تعريف واضح للأخطاء الطبية، وعدم توفير الآليات اللازمة لحمايتهم من العقوبات التي قد تعرضهم للسجن. أما المرضى فيأملون في معالجة شكاوى طول مسارات إثبات الأخطاء الطبية، وضمان الحصول على تعويضات.
ويرجح رئيس لجنة الصحة في البرلمان الدكتور نبيه ثابت المصادقة على القانون خلال الدورة البرلمانية الجارية بعدما تعثر ذلك لسنوات، ويقول لـ"العربي الجديد": "إقرار مشروع القانون الأساسي لحقوق المرضى والمسؤولية الطبية مهم جداً لتوفير مناخ عمل جديد للكوادر الطبية".
ويتحدث عن وجود إجماع لدى النواب على ضرورة تسريع المصادقة على مشروع القانون الذي شهد توسيع الاستشارات الخاصة به في الهياكل والهيئات الصحية، ما جعلها تقدم تصورات مفيدة جداً في شأن آليات تعويض المرضى عن الأخطاء الطبية المرتكبة.
ويعتبر أن توفير آليات التعويض عبر التأمينات أمر مهم لحماية حقوق المرضى، ويكشف أن "شبه اتفاق حصل على إحداث آليات تأمين لكل المؤسسات الصحية الحكومية والخاصة والعيادات الطبية التي ستتولى صرف التعويضات في حال الخطأ".
ويصف ثابت "المسار القانوني الحالي للتوجه إلى القضاء والحصول على تعويض بعد تحديد المسؤولية الطبية أو تلك للمؤسسات الصحية معقّد ومتشعب ويستغرق سنوات لحسمه، ما يثقل كاهل المريض المتضرّر. والغاية من مشروع القانون السماح بحصول المرضى على تعويضات مجزية وعادلة، وإنصاف المتضررين من الأخطاء الطبية، وإيجاد إطار قانوني يكفل منح تعويض كامل عن الأضرار الناتجة عن الخدمات الصحية المتردية". 

الصورة
ينتظر ضحايا الأخطاء الطبية وقتاً طويلاً لتحصيل حقوقهم (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
ينتظر ضحايا الأخطاء الطبية وقتاً طويلاً لتحصيل حقوقهم (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

ويشدد ثابت على أهمية حماية عاملي الصحة من خلال تحديد أساس المسؤوليات الجزائية، ودعم ملاءمة إجراءات الملاحقات خصوصيات أنشطتهم المهنية التي تصنّف بأنه ذات طابع خطر. 
ويلفت إلى أن نقص الحماية القانونية من أسباب هجرة الأطباء. ويقول: "نعمل لإصدار قوانين مهمة لتحسين ظروف عمل الأطباء وحمايتهم من الاعتداءات إلى جانب تأمين الخدمات الصحية".
ويذكر أيضاً أن "الغاية من هذه القوانين تحقيق معادلة بين حقوق المرضى، وتحسين ظروف العمل في المؤسسات الصحية لحماية عاملي الصحة لدى تنفيذهم واجباتهم".
ومنذ عام 2017 باشرت لجنة متخصصة في وزارة الصحة كتابة مشروع قانون المسؤولية الطبية بعد سجن طبيبة بتهمة التقصير في أداء واجبها المهني ما تسبب في موت رضيع. وأثار ذلك ضجة كبيرة دفعت أطباء إلى المطالبة بإقرار قانون جديد يحمي حقوقهم خلال ممارسة أعمالهم، ويحدد المسؤوليات الطبية.
وفي السنوات القليلة الماضية سُجن أو أوقف أطباء كثيرون في قضايا إهمال، في حين لم يستطع المتضررون الحصول على تعويضات بسبب صعوبة إثبات الأخطاء الطبية، وغياب الأطر القانونية لتحميل المسؤوليات لمرتكبي الأخطاء، ما دفع العاملين الصحيين إلى التحرك للمطالبة بقانون يحدد المسؤوليات.
وتشهد تونس سنوياً تقديم نحو 500 شكوى بارتكاب أخطاء طبية تتعلق في الأساس بعمليات جراحية خاصة بأمراض النساء والتوليد والأعصاب والمفاصل والعظام والتدخلات التجميلية، بينما تقدر الجمعية التونسية لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية ارتكاب 15 ألف خطأ طبي سنوياً تشمل مختلف التدخلات الطبية والجراحية. 

وفي غياب قانون يحدد المسؤوليات الطبية، والذي طالب به الأطباء دائماً، يحسم القضاة شكاوى الأخطاء الطبية من خلال التمييز بين تلك المتعمدة أو الناجمة عن الإهمال والتقصير والحوادث.
ويحتاج ضحايا الأخطاء الطبية في تونس إلى وقت طويل وصبر لتحصيل حقوقهم في غياب أطر قانونية واضحة تكفل حقوقهم الخاصة بالتعويض التي تستند إلى إثبات الضرر الذي يلحق بهم جراء تدخل طبي أو جراحي خاطئ. أما الأطباء فيشددون وجود قصور في القوانين التي تحميهم من الاتهامات الباطلة التي تطاولهم أحياناً نتيجة تشكيك مرضاهم بحصول تقصير قد يتسبب في ضرر أو وفاة.
ويستند القضاة حالياً إلى فصول المجلة الجزائية الخاصة بمعايير ضبط ملامح الأخطاء الطبية، وتصنيفها كونها بسيطة أو جسيمة، وتحديد كونها نتجت من إهمال أو تقصير أو عدم معرفة.

المساهمون