قبل أكثر من ثلاثة أشهر أثار موضوع طباعة الكتب المدرسية جدلاً كبيراً بين وزارة التربية وأصحاب المطابع، إذ أوضحت الوزارة في بيان أصدرته في مارس/ آذار الماضي أنّ "القيمة الإجمالية للصفقة التي حصلت عليها إثر فتح باب استدراج العروض أمام المؤسسات الوطنية بلغت 21 مليون دولار، ما يشكل ارتفاعاً كبيراً في الأسعار مقارنة بالسنوات الماضية". وشددت على أن المركز الوطني البيداغوجي المسؤول عن طلب العروض "لا يستطيع تحمّل قيمة العرض المقدم من مطابع تونسية والذي يضرب ميزانيتنا، ويمسّ بديمومة مؤسسات التعليم".
وأوضحت الوزارة حينها أنّ "المطابع التونسية تحظى بأفضلية مقارنة بعروض المؤسسات الأجنبية، لكنها تضمنت زيادة نسبتها 10 في المائة، ما يفرض رفع سعر بيع الكتاب المدرسي بنسبة تتجاوز 30 في المائة، أو الاقتراض من المؤسسات المالية لتمويل الصفقة". وقررت التراجع عن تلزيم مطابع محلية للصفقة التي أعلنت أنها عرضتها على شركات أجنبية، ما دفع الغرفة النقابية الوطنية لصناعة الكتاب المدرسي إلى التنديد بإعلان سلطة الإشراف عن مناقصة دولية لطباعة الكتب المدرسية التونسية في الخارج، والمطالبة بالتراجع عن استدراج العروض الدولية التي اعتبرت أنها "تهدد ديمومة المؤسسات الناشطة في القطاع، وتخضع الكتب المستوردة للضريبة على القيمة المضافة".
وأضافت الغرفة: "تعطي المناقصة أوفر الحظوظ للعروض الأجنبية التي ستتمتع بتسهيلات كبيرة في ظل غياب ضمانات حقيقية وفعلية بتوفير الكتب قبل فتح المدارس، والمهنيون التونسيون يطالبون بأن تطابق العروض الدولية قانون الصفقات العمومية".
وأعقب ذلك إعلان المركز الوطني البيداغوجي التابع لوزارة التربية أنّ "الصفقة رست على شركة تركية قدمت أفضل عرض للطباعة بكلفة 14 مليون دولار، وهو أقل سعر معروض"، ما دفع أصحاب مطابع وعاملين فيها إلى تنفيذ تحركات احتجاجية معتبرين أنّ "الأمر يمثل سابقة في تاريخ صناعة الكتب التونسية، ويهدد الإنتاج الوطني في ظل أزمة اقتصادية حادة".
واعترضت الغرفة النقابية لصناعة الكتاب المدرسي لدى هيئة متابعة ومراجعة الصفقات العمومية على دفتر شروط العروض الدولية التي استدرجت في 22 فبراير/ شباط الماضي. واعتبرت أن دفتر الشروط المتعلق بطلب استدراج عروض دولية لطباعة كتب العام المدرسي 2022 - 2023 يخل بمبدأ المنافسة والمساواة بين المطابع التونسية والمزودين الأجانب.
ورد المركز الوطني البيداغوجي بأنّ "صفقة طباعة الكتاب المدرسي التي رست على شركة تركية وفّرت للدولة مبلغ 9 ملايين دولار". وقالت إنّ "فكرة استدراج عروض دولية طرحتها في الأساس الغرفة النقابية لصانعي الكتاب المدرسي".
أما وزارة التربية فأكدت أنّ "مصنعي الكتب وطباعتها هم من دفعوا الدولة إلى التوجه لطلب عروض دولية. ورغم ارتفاع أسعار بعض المواد الأولية كما يزعمون فذلك لا يبرر الأسعار التي قدّموها، والتي لا تقدر الدولة عليها".
لكن رئيس الغرفة الوطنية لصانعي الكتب المدرسية سمير قرابة يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "السعر التونسي الذي جرى تقديمه لطباعة الكتب المدرسية كان 14 مليوناً وهو أقل من سعر الشركة التركية البالغ 15 مليوناً، ما يعني أن وزارة التربية روّجت سعراً غير حقيقي لمنح الصفقة للشركة التركية. وهذا الإجراء قد يتسبب في إفلاس عشر شركات لطباعة الكتب، وطرد مئات من العاملين فيها، والذين من الطبيعي أن يواصلوا احتجاجاتهم لدعم الإنتاج الوطني والحفاظ على عملهم".
ويقول عبد الرحمان (45 عاماً) الذي يعمل في إحدى المطابع لـ"العربي الجديد" إنّ "اللجوء إلى خدمات مصانع أجنبية رغم الأوضاع الصعبة يهدد المؤسسات بالإفلاس، والعاملين بمواجهة البطالة. ويعلم الجميع أن الأسعار ترتفع بسبب تكاليف المواد الأولية لا سيما الورق والصيانة السنوية للآلات". يضيف: "تكرار لجوء الدولة إلى فتح عروض صفقات دولية يهدد المنتجات الوطنية والمؤسسات، وقد يلحق أضراراً كبيرة بالنسيج الصناعي الوطني، ونستغرب عدم لجوء الدولة إلى التفاوض مع المهنيين وأصحاب مصانع طباعة الكتب قبل فتح طلبات للصفقات الخارجية على حساب المؤسسات الوطنية والعاملين".
واللافت أن الإشكال المرتبط بطباعة الكتب المدرسية بين المركز البيداغوجي والغرفة الوطنية لصانعي الكتاب المدرسي ليس جديداً، وسبق أن حصل عام 2017 بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج واستيراد الآلات وصيانتها.