تونس: خوف على الشواطئ العذراء

17 اغسطس 2023
أطفال يستمتعون باللعب على الشاطئ (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

سنوياً، يتجدّد الجدال في تونس بسبب استغلال المطاعم والفنادق للشريط الساحلي خلال موسم الاصطياف، في الوقت الذي تكثر فيه الحملات المناهضة لاستغلال رمال الشواطئ، لما لذلك من تأثير على التوازن الإيكولوجي لمناطق ساحلية واسعة في البلاد. 
وخلال السنوات الأخيرة، افتُتح العديد من المطاعم والمنتجعات البحرية التي تعمل على تجهيز أجزاء من الشواطئ بالمظلات وبيوت مصنوعة من الخشب والقصب خدمة للمصطافين الذين يرتادون هذه الأماكن بكثافة في كل من محافظات بنزرت ونابل وجندوبة، والتي كانت مخصصة للعائلات الأقل دخلاً. إلا أن التحولات التي شهدتها هذه المناطق بعد تجهيز الشواطئ جعلت من هذه السواحل قبلة للسيّاح المحليين والأجانب وبكلفة عالية، بعد تسهيل الوصول إليها عبر قوارب مخصصة لنقل المصطافين. 
ويعارض ناشطون بيئيون في تونس الاستغلال المفرط للملك البحري وتحويل الشواطئ إلى مصادر للتلوث البيئي الذي يضر بالتوازن الإيكولوجي لمناطق ظلت لسنوات طويلة شواطئ عذراء. ويطالب هؤلاء بالحد من توسع استغلال الملك البحري والحفاظ على خصوصية المناطق الرطبة. في المقابل، يرى المستثمرون في المناطق السياحية أن هذه المشاريع لا تشكل أي ضرر على البيئة، نظراً لقصر فترة الاستغلال التي لا تتعدى الشهرين في العام، ودورها في تحريك الدورة الاقتصادية في مناطق تشكو ضعف النمو. 

بيئة
التحديثات الحية

وتُدافع الناشطة البيئية نعيمة الشرميطي عن سلامة التوازنات البيئية في منطقة غار الملح (تقع في ولاية بنزرت شمال العاصمة) التي تشهد استغلالاً مكثفاً من قبل المطاعم للملك البحري العام تحت اسم "الكوكو بيتش"، الذي تحول إلى قبلة سياحية للتونسيين. وتنتقد في حديثها لـ "العربي الجديد"، "الترويج لمطاعم الكوكو بيتش على وسائل التواصل الاجتماعي، علماً أنها تضر بالبيئة البحرية في المنطقة". وترى أن "المناطق السياحية هذه باتت تشكّل خطراً على البيئة نظراً لغياب الوعي بأهميته في التوازن الإيكولوجي في سواحل تونس وتهديده الثروة السمكية والنباتية لتلك البحار الممتدة شمال تونس". وتصف ما يحدث بأنه "احتلال فاضح للملك البحري العام، وحرمان لعموم التونسيين من شواطئهم المجانية". 
في المقابل، يقول غسان عزابي الذي يملك مطعماً على الشاطئ في غار الملح، إن "المطاعم الشاطئية توفّر خدمة سياحية جيدة للمصطافين لفترة لا تتجاوز العشرة أسابيع في العام على الأكثر، وتساهم في توفير الرزق لأهالي المنطقة الذين يعانون بسبب قلة فرص العمل في مناطقهم".

قبلة للسياح (ياسين قايدي/ الأناضول)
قبلة للسياح (ياسين قايدي/ الأناضول)

ويؤكد في حديثه لـ "العربي الجديد"، احترام المطاعم للشروط التي تفرضها وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي (APAL)، التي تخضع لإشراف وزارة البيئة التونسية، وذلك في المناطق المستغلة، مشيراً إلى أن مناطق واسعة من الشواطئ تظل مفتوحة مجاناً للمصطافين. ويرى أن "هذه المشاريع الصيفية تخلق تنوعاً سياحياً وتساهم في تنمية الحركة التجارية في المنطقة التي تعمل غالبية سكانها في الزراعة". 
في الوقت نفسه، يتحدث عن "ضرورة مراعاة الجانبين البيئي والاقتصادي في هذا النشاط البحري"، مؤكداً أن "المطاعم تستخدم مواد طبيعية على غرار الخشب والقش في بناء المنشآت، ويمنع أي استعمال للخرسانة التي يكمن أن تشكل ضرراً للملك البحري". 
ويخضع استغلال الشواطئ في تونس لتراخيص وقتية تصدرها وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي وفقاً لمقتضيات الأمر عدد 1847 لسنة 2014 المتعلق بالإشغال الوقتي للملك العمومي البحري. ويفرض على كل مستثمر يرغب في الحصول على ترخيص تقديم طلب في الفترة الممتدة بين غرة يناير/ كانون الثاني و31 مارس/ آذار يعرض على لجنة وطنية. وفي حال القبول، يحصل على الموافقة من قبل الوزير المكلف بالبيئة. 

وتصنف مناطق انتشار مطاعم "الكوكو بيتش" ضمن المناطق الرطبة ذات الخصوصيات البيئية الفريدة، وتعدّ موطناً لتعشيش أصناف من الطيور البحرية كالبيض وتفقيس بعض الكائنات البحرية الأخرى. كما تستغل على مقربة منها مناطق فلاحية لإنتاج الخضار البيولوجية.  
يشار إلى أن الأراضي الرطبة هي كل الأنظمة البيئية التي يشكل فيها الماء العامل الأساسي للحياة النباتية والحيوانية، وتشمل البحيرات والأنهار والمستنقعات والواحات ومصاب الأنهار والمناطق الساحلية والشعاب المرجانية وغيرها، وتوصف بأنها كلى الأرض التي تخلص الكوكب من الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

المساهمون