قرر طالب الاقتصاد التونسي محمد أمين السلطاني عدم تسليم البيت الذي يقطنه بالإيجار خلال فترة الدراسة إلى صاحبه، حتى بعد انتهاء العام الدراسي. فخيار البحث عن مسكن جديد في العام الدراسي المقبل ليس سهلاً. وبالتالي، يضطر إلى العمل لتأمين بدل إيجار البيت ومصاريفه الجامعية.
يقول إنّ "البحث عن عمل موسمي ليس بالأمر السهل. لذلك، يضطر بعضنا للبحث عن عمل منذ شهر مايو/ أيار، أي قبل امتحانات نهاية السنة بأسابيع حتى يضمن تأمين عمل يبدأ به عطلته". يضيف: "خلال العطلة الصيفية، أزاول بعض المهن اليومية على غرار البناء أو العمل في الأراضي الزراعية أو نادلاً في أحد المقاهي وغيرها".
ولا تعد الإجازة الصيفية فترة راحة بالنسبة للعديد من الطلاب، الذين يضطرون إلى العمل لتوفير مصاريف الدراسة قبل بدء العام الدراسي في سبتمبر/ أيلول المقبل. هؤلاء يسعون خلال شهرين أو ثلاثة أشهر إلى توفير بدل إيجار البيت وبعض المصاريف الدراسية بسبب ظروفهم المعيشية. وتقول مفيدة بن فرحات (24 عاماً)، إن العمل خلال العطلة الصيفية كان الحل الأمثل بالنسبة لها لتتمكن من إكمال دراستها وتأمين بدل إيجار البيت الذي تتشاركه وثلاث طالبات.
تعمل مفيدة في تزيين البيوت، وخصوصاً أنّها طالبة فنون جميلة. وتقول إنّها "تعمل أحياناً خلال الدراسة، لكنّها تُخصص العطلة الصيفية لممارسة مهنتها بشكل أفضل، وخصوصاً أنّ العديد من العائلات أو المقبلين على الزواج يعمدون إلى تغيير وتحسين بعض التفاصيل في بيوتهم خلال الفترة الصيفية". تضيف أنّ واقعها جعلها تنخرط في سوق العمل باكراً وتمارس مهنتها حتى قبل أن تنهي دراستها. كما استطاعت بفضل عملها في العطلة الصيفية تكوين شبكة علاقات، هي التي تروج لعملها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومنذ شهر يونيو/ حزيران الماضي، التحق طالب الحقوق عبد الرحمن بإحدى ورش غسيل وتنظيف السيارات. ويعمل في ساعات المساء على الرغم من أنه لم ينته من أداء امتحاناته بعد، إلا أنه مضطر إلى ذلك خشية خسارة عمله، وخصوصاً أنه يعمل في هذه الورشة خلال الإجازة الصيفية لتأمين مصاريف كتبه الجامعية. يتقاسم السكن مع ثلاثة طلاب آخرين من ولاية الكاف خلال الفترة الدراسية والعطلة الصيفية، وقد اختار جميعهم العمل خلال الصيف لتأمين بدل الإيجار ومستلزمات الدراسة. ويقول عبد الرحمن إنّه يجمع خلال عمله الموسمي قرابة الألف دولار، المبلغ الذي يتيح له تسديد الإيجار وتوفير مصاريف دراسته وأبحاثه".
من جهته، يقول طالب الإعلام سفيان بن علي إن غالبية الطلاب يعملون في حرف يدوية وأعمال يومية، على الرغم من تكوينهم الجامعي. يضيف أن هؤلاء على قناعة بعدم الحصول على وظيفة بعد التخرّج بسبب أزمة البطالة وتوقف الانتدابات منذ سنوات. بالتالي، العمل الموسمي بات فرصة لتعلم حرفة تؤمن مصاريف للدراسة، وعملاً قد يضطر الطالب إلى مزاولته بعد التخرج بدلاً من البطالة وانتظار الوظيفة". يضيف: "تعلّم حرفة قد تجعل كل خريج تعليم عال قادراً على اقتحام سوق العمل حتى وإن لم يكن العمل يتماشى وطبيعة تكوينه الجامعي. يكفي أنّه يؤمن له دخلاً للعيش".
ويقول المتخصّص في علم الاجتماع عبد الكريم محمد لـ "العربي الجديد"، إنّ العديد من العائلات ترفض انخراط أبنائها في سوق العمل باكراً أو اختيار مهن موسمية خشية أن تدفعهم الاستقلالية المادية إلى ترك مقاعد الدراسة، على الرغم من عدم قدرة بعضها على تحمل مصاريف دراسة أبنائها. في المقابل، يقبل البعض بعمل الأبناء لمساعدة أنفسهم على تدبير أمورهم وتوفير مصاريف دراستهم الجامعية. ومن الطبيعي أن يكسب هؤلاء مهارات كبيرة خلال عملهم الموسمي، منها تحمل المسؤولية والشعور بأهمية الوقت والاستقلالية المادية".
كما يشير إلى أن غالبية الطلاب الذين يضطرون للعمل ينتمون إلى عائلات محدودة الدخل غير قادرة على تأمين مصاريف أربعة أو خمسة أبناء، وخصوصاً أولئك الذين يدرسون في مناطق بعيدة عن العائلة ويضطرون إلى السكن في بيوت للإيجار، ما يعني تكبد مصاريف إضافية. ويعد العمل الموسمي حلا لهؤلاء، لا سيما وأنّ العديد من القطاعات تحتاج إلى عمال خلال فصل الصيف على غرار بعض مواطن الشغل الوقتية في فصل الصيف المطاعم والمقاهي وغيرها بسبب انتعاش السياحة، بالإضافة إلى بعض الأعمال الأخرى على غرار أعمال البناء أو التجارة. وغالباً ما يلجأ أرباب العمل إلى العمال الموسميين كونهم يتقاضون أجوراً أقل ولا يطالبون بأي حقوق مهنية أو تعويضات".