يُعَدّ مرض السكري في تونس أزمة صحة عامة حقيقية، لا سيّما أنّ ثمّة تقديرات تشير إلى احتمال إصابة أكثر من ربع السكان به بحلول عام 2027. يأتي ذلك على الرغم من أنّ البلاد أطلقت قبل أكثر من ثلاثين عاماً برنامجاً وطنياً لمكافحة هذا المرض بين التونسيين، وبالتالي يبدو أنّه لم يبلغ النتائج المرجوّة منه. وفي حين تختلف تقديرات نسب الإصابات اليوم، ويمكن القول إنّها تتراوح ما بين 15 و20 في المائة.
وتفيد دراسة أعدّها المعهد الوطني للصحة العامة بالتعاون مع وزارة الصحة في البلاد والجمعية التونسية لأمراض الغدد الصماء والسكري والأمراض الاستقلابية ومنظمة الصحة العالمية في عام 2021، بأنّ 50 في المائة من المصابين بمرض السكري غير مشخّصين في تونس، وواحد في المائة فقط من هؤلاء يتمكّنون من ضبط مرضهم. أمّا نسبة المصابين المشخّصين فوق 15 عاماً فهي 15.5 في المائة في عام 2021.
من جهتهم، قدّر باحثون في جامعة محمود الماطري في العاصمة تونس، في نهاية عام 2021، أنّ هذا المرض يطاول 19.8 في المائة من سكان البلاد، ويمثّل واحداً من أسباب الوفيات الخمسة الأولى بين التونسيين، فهو مسؤول عن وفاة 8.1 في المائة من النساء و5.7 في المائة من الرجال. ويؤكدون أنّه يُعَدّ مكلفاً جداً على الصحة العامة كما الاقتصاد، لا سيّما نتيجة المضاعفات الصحية التي تستلزم تدخلات طبية واستشفاء. يُذكر أنّ مرض السكري يتسبّب في حالات صحية أخرى من قبيل الفشل الكلوي والنوبات القلبية والسكتات الدماغية والإصابة بالعمى وبتر الأطراف السفلية في مراحل مرضية متقدّمة.
يقول رئيس الجمعية التونسية لأمراض الغدد الصماء والسكري والأمراض الاستقلابية ورئيس قسم أمراض الغدد في مستشفى فرحات حشاد بتونس قصي العش لـ"العربي الجديد: "في العشرية الأخيرة، تجاوزت نسبة المصابين بمرض السكري 15 في المائة والنسبة مرشّحة للارتفاع"، مشيراً إلى أنّها "نسبة كبيرة تدل على تغيّر كبير في نمط عيش التونسيين ونظامهم الغذائي والانخراط في نسق حياة جديد مليء بالضغوطات. فثمّة افتقار إلى نظام غذائي صحي إلى جانب قلّة النشاط البدني وإقبال على التدخين واستهلاك المشروبات الكحولية".
ويصف العش انتشار مرض السكري في تونس بـ"الكبير جداً، لا سيّما أنّه يُقدّر بنحو 20 في المائة في بعض المدن"، مضيفاً أنّ "تونس تُعَدّ من بين البلدان حيث السكري أكثر انتشاراً في الوقت الراهن". ويلفت إلى أنّ "الانتشار في السابق كان أكبر في البلدان الغربية الأوروبية والأميركية، أمّا اليوم ففي البلدان النامية. وهو يستهدف كذلك بلدان الشرق الأوسط والخليج والمغرب العربي".
يُذكر أنّه بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، تتصدّر الصين ثمّ الهند والولايات المتحدة الأميركية قائمة البلدان حيث تُسجَّل الإصابات الأكبر بهذا المرض. من جهتها، تفيد الفدرالية العالمية لمرض السكري بأنّ 537 مليون بالغ (20-79 عاماً) يعيشون مع السكري حول العالم (بحسب أرقام عام 2021)، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم ليبلغ 643 مليوناً بحلول عام 2023. وهو يصيب ثلاثة أشخاص من بين كلّ أربعة من مواطني الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض.
في سياق متصل، تقول خبيرة التغذية شيماء الفالح لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذا المرض الخطر يتفشى بصمت، لذا فإنّ الأخطر هو أنّ عدداً كبيراً من المصابين لا علم لهم بإصابتهم أو يكتشفونه في مرحلة متقدّمة". وتلفت إلى ضرورة التشديد راهناً على تزايد إصابة الشباب بهذا المرض الذي يظنّ كثيرون أنّه من أمراض الشيخوخة. تضيف الفالح أنّ "غياب الوعي يجعل التونسيين لا يقبلون على الفحوصات الدورية والكشوفات المنتظمة"، مشدّدة على ضرورة أن "يُواجَه هذا الداء بنظام حياتي ونظام غذائي وآخر رياضي متوازن، مع الإقلاع عن التدخين وشرب الكحول".
ويتحدّث العش عن "عوائق تحول دون الالتزام بمسار الوقاية، في غياب الأرضية الملائمة لاعتماد نمط عيش وغذاء ملائم لمريض السكري أو للأشخاص المعرّضين للإصابة به"، مشيراً إلى "وجوب أن تنخرط الدولة في سياسة كاملة لمجابهة مرض السكري، ومن بينها تغيير أوقات العمل وتنظيم وسائل النقل ووضع استراتيجية للإشهار". ويوضح العش أنّ "الدول الغربية بدأت بهذه الخطوات وقد سهّلت عملية التحكم بالإصابة".
ويرى العش أنّ "مريض السكري يواجه صعوبات عديدة، لعلّ أبرزها نظرة المجتمع التي ما زالت سلبية تجاهه، للأسف. فالمجتمع لا يساعد مريض السكري سواء على صعيد العلاقات الاجتماعية أو العلاقات المهنية خصوصاً، ونحن نطالب مريض السكري بتغيير عاداته الغذائية ونمط عيشه". ويتابع العش أنّ "هذا ليس بأمر هيّن في داخل محيط اجتماعي وعائلي لا يتفهّم كثيراً وضع مريض السكري الذي يجد نفسه أحياناً مرفوضاً أو مقصى. فالمجتمع ما زال يفتقر إلى الثقافة الاجتماعية التي تراعي مثل هذه الاستثناءات الصحية في مناسباتنا، ومريض السكري يجد نفسه أحياناً غير قادر على المشاركة في مناسبات معيّنة وتناول الطعام في أماكن عامة. ويأتي ذلك إلى جانب أعباء الأدوية، من هنا فإنّ مريض السكري يحتاج إلى كثير من الدعم والإحاطة النفسيَّين".
ويكمل العش: "نحن في الجمعية التونسية لأمراض الغدد الصماء والسكري والأمراض الاستقلابية نعمل على تحقيق هذا الهدف من خلال التنسيق مع الكوادر الطبية ووزارة الصحة وصندوق التأمين على المرض، لتمكين المرضى من الحصول على الدواء بشكل مستمر، إلى جانب المراقبة والمتابعة. ونحن نضع للمريض برنامجاً متكاملاً من أجل متابعة العلاج، وكذلك الإحاطة النفسية والتوعية بضرورة الالتزام بالحمية والدواء وممارسة نشاط رياضي، إلى جانب التشديد على الوقاية".