سجّلت تونس تزايداً لافتاً في جرائم الاستغلال الجنسي التي تستهدف أطفالاً وقصّراً، الأمر الذي يتسبّب في اضطرابات نفسية للضحايا، وقد أقدم بعض منهم على الانتحار وسط تقصير من قبل السلطات في مكافحة هذا النوع من الجرائم.
وبيّنت رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتّجار بالبشر، روضة العبيدي، في حديث إلى وكالة الأنباء التونسية، أنّ نسبة الاستغلال الجنسي للأطفال ارتفعت سنة 2020 إلى 180.6 في المائة مقارنة بسنة 2019، بحسب التقرير السنوي للهيئة لسنة 2020 والذي سوف يصدر في أواخر شهر أغسطس/ آب الجاري، علماً أنّ 26 حالة سُجّلت سنة 2019. أضافت العبيدي أنّ نسبة الاستغلال الجنسي للأطفال في خلال سنة 2020 ارتفع بشكل مفزع وخطير جداً لم تشهده البلاد منذ سنوات، معبّرة عن استنكارها تقاعس الهيئات الحكومية في التعاطي مع هذه الجرائم المرتكبة في حقّ الأطفال.
وقالت العبيدي إنّه في خلال فترة الحجر المنزلي المرتبط بأزمة كورونا في عام 2020، استغلّ عدد من العصابات تزايد إقبال الأطفال على استخدام وسائل التواصل عن بُعد لتنفيذ جرائمهم السيبرانية من خلال التغرير بالأطفال وحثّهم على إرسال صور لهم في وضعيات غير لائقة، ثمّ تهديدهم وابتزازهم للحصول على مبالغ مالية. وأشارت العبيدي إلى أنّ هؤلاء الأطفال يضطرون إلى سرقة أموال العائلة ومجوهراتها لإعطائها لتلك العصابات حتى لا تفضح أمرهم وتنشر صورهم غير اللائقة على شبكات التواصل الاجتماعي. وأكّدت العبيدي أنّ عدداً كبيراً من هؤلاء الأطفال باتوا يعانون من اضطرابات نفسية، نظراً إلى الضغوطات التي يتعرّضون إليها، علماً أنّ عدداً منهم أقدم على الانتحار أو حاول وضع حدّ لحياته.
من جهة أخرى، كشفت الإحصاءات الوطنية تنامي جرائم بيع الرضّع في تونس، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. وقد تزايدت بنسبة 60.2 في المائة في سنة 2020 مقارنة بسنة 2019. وأوضحت العبيدي في هذا الإطار، أنّ الأمّهات اللواتي يبعنَ أطفالهنّ لسنَ فقط أمّهات عازبات، إنّما تورّطت عائلات في مثل هذه الجرائم، وجعلت من إنجاب الأطفال وبيعهم مهنة لها.
ولفتت العبيدي إلى أنّه على الرغم من تسجيل تقرير الهيئة الوطنية لمكافحة الاتّجار بالبشر تراجعاً في عدد الضحايا من مختلف الأصناف في خلال سنة 2020، إذ أُحصيت 907 ضحايا سنة 2020 في مقابل 1313 ضحية سنة 2019، فإنّ ذلك لا يعني تراجع انتشار هذه الظاهرة في تونس بقدر ما يعود إلى إغلاق الحدود التونسية والحجر الصحي في البلاد في خلال سنة 2020.
واستنكرت العبيدي ظروف عمل مندوبي حماية الطفولة والفرق الأمنية المختصّة، إذ إنّهم يفتقرون إلى أبسط الإمكانيات المادية، الأمر الذي يحدّ من فاعلية تدخّلاتهم، مشدّدة على أنّ الأطفال مهدّدون بشكل كبير في تونس ولا بدّ من تضافر الجهود لوضع حدّ لهذه المخاطر.
في سياق متصل، يقول الخبير في علم الاجتماع حسن موري لـ"العربي الجديد" إنّ "تزايد تهديد الاستغلال الجنسي للأطفال بمختلف أشكاله يعود إلى أسباب عديدة من بينها الوضع الاجتماعي المتردّي لبعض الضحايا الذين يجبرهم أهلهم على العمل في ظروف غير قانونية ويتعرّضون للاستغلال من قبل المشغّلين أو الزبائن أو منحرفين آخرين بالنسبة إلى الأطفال العاملين في الشوارع".
يضيف موري أنّ "التطور التكنولوجي والثورة الرقمية ساهما بدورهما في تزايد الجرائم بمختلف أنواعها، منها الاستغلال الجنسي للأطفال الذين يستعملون مواقع التواصل الاجتماعي بعيداً عن رقابة الأهل ومتابعتهم، فيقعون ضحايا الاستغلال والابتزاز". ويتابع موري أنّ "ثمّة تقصيراً من جهة في مكافحة جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال، لكنّ تزايدها لا يُبرَّر مطلقاً بتقصير السلطات أو القدرة على الإفلات من العقاب"، موضحاً أنّه "يمكن تفسيره بتزايد الرقابة من قبل المنظمات والهيئات وتطوّر الوعي المجتمعي بضرورة رصد هذه الجرائم والإبلاغ عنها. يُضاف إلى ذلك مناخ الحريات والنفاذ إلى المعلومات اللذان يسمحان بتداول هذه الجرائم وفضحها مقارنة بدول أخرى مجاورة تبدو فيها هذه الجرائم أقلّ نسبة أو تبدو هي من دون جرائم، في حين يتمّ التعتيم على هكذا انتهاكات أو تتستّر العائلات عن كشف الجرائم الجنسية وتلك التي تُربَط باالشرف خوفاً على سمعة العائلات أو أبنائها".