تونس: أخطاء الكتب المدرسية تعمّق أزمة التعليم الحكومي

02 سبتمبر 2022
حجم أخطاء الكتب المدرسية التونسية يفسدها (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

بدأت مكتبات تونس خلال الأسابيع الأخيرة بيع النسخ الجديدة من الكتب المدرسية التي ستعتمد خلال العام الدراسي الجديد، والتي قوبلت بانتقادات واسعة كونها تضمنت أخطاء كثيرة، وسط مخاوف من تأثير ذلك على مكتسبات التلاميذ التعليمية، بينما يؤكد تربويون أن التعليم الحكومي بات في أسوأ مراحل تراجعه منذ عقود.
وكشف مدرسون عن عشرات الأخطاء في نسخ التدريس بالفرنسية من كتب المرحلة الإبتدائية، كما كشف أساتذة تاريخ عن أخطاء عدة في معلومات الكتاب المدرسي لطلاب المرحلة الثانوية، ونشر مدرسون وأولياء تلاميذ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً لمقتطفات من الأخطاء الواردة في الكتب المدرسية، منتقدين ما وصفوه بـ"الاستهتار الحكومي بمستقبل التلاميذ، وعدم إخضاع الكتب للتدقيق اللغوي قبل طباعتها".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

تقول ريم المعيطي، وهي مدرسة لغة فرنسية بالمرحلة الابتدائية، إن الكتاب المدرسي الذي ستعتمده في تدريس طلاب الفصل الثالث "تضمنّ أخطاء شنيعة"، مضيفة لـ"العربي الجديد": "أدرس الفرنسية منذ أكثر من 25 سنة، ولم أشهد طوال تلك الفترة في مهنة التدريس أخطاء بهذه الكثافة والخطورة في كتاب مدرسي رسمي. الخطأ البشري قد يقع في الرسم، أو الطباعة، لكن الأخطاء الواردة في كتب هذا العام تنم عن جهل شامل، أو أنها بفعل فاعل" على حد قولها. 
وأضافت المعيطي: "لا أعتقد أن لجان إعداد الكتب اطلعت على النسخ المطبوعة قبل طرحها في الأسواق، فالأخطاء واضحة، وتكشف حجم الدمار الذي يعم المنظومة التعليمية في تونس. طرح كتب مدرسية تتضمن أخطاء هو انتهاك لحقوق التلاميذ، وينبغي تدارك الأمر، وطرح نسخ جديدة بعد إخضاع كل الكتب المدرسية للتدقيق الشامل تجنّبا لتأثيرها على المكتسبات العلمية للطلاب".
وانتقدت المعلمة التونسية ما اعتبرته "عدم ترابط المواد التي يتلقاها تلاميذ المرحلة الابتدائية"، مشيرة إلى أن "تفكك المناهج، ووجود فجوات فيها لا يسمحان بتمكين التلميذ من التسلسل المعرفي اللازم".
ويعاني قطاع التعليم في تونس من أزمة حادة بسبب تراجع المنظومة التربوية، خاصة على مستوى المناهج، فضلاً عن النقص الكبير في عدد المدرسين، وتدهور البنية التحتية، وتداعيات المطالب النقابية على سير الدراسة، ما جعل البلاد تحتل مراكز متراجعة في التصنيفات الدولية للتعليم.
وتتضمن قائمة الكتب المدرسية المنشورة على موقع المركز الوطني البيداغوجي لمرحلة التعليم الأساسي 76 كتاباً لمختلف المواد، بينما تتضمن قائمة كتب المرحلة الثانوية 132 عنواناً، ويتولى المركز، وهو مؤسسة حكومية تابعة لوزارة التربية، عملية التزويد الحصرية بالكتب المدرسية عبر فروعه المتواجدة بكل مركز ولاية اعتمادا على إحصائيات لعدد التلاميذ بكل ولاية تونسية.
وفي وقت سابق، كشف وزير التربية، فتحي السلاوتي، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية "وات"، أن الوزارة تعتزم بداية من السنة الدراسية 2023- 2024، تقليص عدد الكتب في مستويات المرحلة الابتدائية إلى 3 كتب على أقصى تقدير بهدف تخفيف البرامج في التعليم الأساسي.

عشرات الأخطاء في كتب المرحلة الإبتدائية (ياسين جايدي/ الأناضول)
عشرات الأخطاء في كتب المرحلة الإبتدائية (ياسين قايدي/ الأناضول)

وقال السلاوتي إن "خبراء بوزارة التربية بصدد تطوير محتوى الكتب الخاصة بمرحلتي الإعدادي والثانوي، وتخفيض عددها، حتى تلبي متطلبات العملية التربوية بالتزامن مع توفر المعلومات وسرعة تدفقها عبر شبكة الإنترنت. هذه التعديلات تهدف إلى تنفيذ إصلاحات تعود بالفائدة على المنظومة التربوية، خصوصاً وأن البرامج التربوية لم تتم مراجعتها منذ 2002".
لكن رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ، رضا الزهروني، يعتبر أنه "لا جهود حقيقية تبذل من أجل تحسين محتويات الكتب المدرسية، وما تضمه من معلومات، وحتى أسلوب الطباعة، لا يرتقي إلى التطورات التي تشهدها الأنظمة التعليمية المتطورة".
وأضاف الزهروني في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الأخطاء الواردة في الكتب المدرسية تكشف عمق أزمة منظومة التعليم في تونس، وما شهدته من تراجع خلال السنوات الماضية، وهو أمر مخجل وخطير في آن واحد. الإصلاح الشامل لمنظومة التعليم انحصر في النوايا، ولم يرتق إلى التطبيق على أرض الواقع على خلاف ما يتم ترويجه، والطلاب يدفعون ثمن ذلك غالياً، لأنه يؤثر على تحصيلهم الدراسي في مختلف المستويات".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

بدوره، أكد رئيس الغرفة الوطنية لصانعي الكتاب المدرسي، سمير قرابة، أن إدارة النشر بالمركز الوطني البيداغوجي وحدها تتحمل مسؤولية الأخطاء، باعتبارها المسؤول الأول عن الكتب.
ومنذ إعلان مناقصة طباعة الكتب المدرسية، نشب خلاف بين وزارة التربية وغرفة مطابع الكتب المدرسية الخاصة، بعد إعلان السلطة منح المناقصة لمطابع تركية قدمت عروضا مالية أفضل مما قدمته المطابع التونسية، وقالت وزارة التربية حينها إن العرض الذي قدمته المطابع المحلية مرتفع جداً، ما دفعها إلى إجراء مناقصة دولية فازت بها مطابع تركية. 
وتبلغ قيمة صفقة طباعة الكتب المدرسية للموسم الدراسي 2022- 2023، 42.5 مليون دينارتونسي (نحو 14 مليون دولار)، وتضمنت طباعة دفعة واحدة من الكتب بحجم إجمالي يبلغ 13 مليون و773 ألف نسخة، مقسمة إلى 185 عنواناً.

المساهمون