مع اقتراب موسم قطاف الزيتون في تونس في بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تستعدّ تونسيات لأحد أهم المواسم الزراعية في البلاد. فنسبة الأيدي العاملة من النساء تصل إلى 60 في المائة، على الرغم من عدم المساواة في الأجور بين الرجال والنساء.
ويُعَدّ موسم جني الزيتون فرصة جيّدة لكسب المال بالنسبة إلى النساء، إذ يتنقلن من قرية إلى أخرى لجني المحاصيل استناداً إلى اتفاقيات يعقدنها مباشرة مع أصحاب الحقول أو الوسطاء في مناطقهن. يبدأن العمل في الصباح الباكر، ويتجمعن عند نقطة معينة مع وسيط التشغيل الذي ينقلهن إلى القرى، وذلك حتى الخامسة من بعد الظهر، ويتقاضين ما بين 20 و25 ديناراً (ما بين 7 و8 دولارات) في اليوم.
وعادة ما يفرشن الحصائر والأقمشة تحت الأشجار، ثم يضعن السلالم للوصول إلى الأعلى، في وقت تتولّى فيه أخريات التقاط حبّات الزيتون التي تسقط أرضاً. ويعتمد أصحاب الحقول على النساء كثيراً لجني المحاصيل، خصوصاً أنهن أكثر حرصاً على سلامة الحبات قبل عصرها وإنتاج الزيت الذي يُصدّر إلى عدد من دول العالم.
تقول زينة العدواني (45 عاماً)، التي تشارك نساء قريتها في منطقة الحنشة (محافظة صفاقس) في قطف الزيتون، إنه مع بداية موسم جني الزيتون، تتغّير الحياة في القرية بحسب موعد الذهاب إلى الحقول. وتشارك زينة في عملية القطاف في بلادها منذ أكثر من 28 عاماً، لافتة إلى أنه خلال هذا الموسم، تنحصر الأحاديث حول الزيتون والأسعار وما ستجنيه العائلات من جراء بيع الزيوت. تضيف أنّ النساء أكثر تمكّناً من القطف، ما يجعل القرى الكبيرة تفضّل الاعتماد على الأيدي العاملة من النساء. وتقول إنّ حبات الزيتون تحتاج إلى رعاية خاصة للحفاظ على جودة الزيت، وهذه الرعاية تعدّ شيئاً مكتسباً لدى النساء.
وتُعدّ تونس البلد الأكثر شهرة في منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط في زراعة الزيتون، وتُخصّص أكثر من 30 في المائة من أراضيها لزراعة أشجار الزيتون. ولدى البلاد 88 مليون شجرة تمتدّ على مساحة مليون و800 ألف هكتار، وعادة ما يستمرّ الموسم حتى بداية شهر مارس/ آذار. وعلى الرغم من مساهمة النساء الفعالة في جني المحاصيل، تقول زينة إن أجور الرجال تفوق أجورهن بنحو 50 في المائة، نتيجة الأعراف المعمول بها في القرى والقطاع الزراعي عموماً، ما يشعرهن بنوع من التمييز على أساس الجنس. تضيف: "نبذل جهوداً لا تقلّ عن جهود الرجال، لكن هناك تمييز في حقنا، ونتقاضى أجوراً أقل".
وتُؤكّد زينة أنّ مشاركة عاملات متعلمات في موسم جني الزيتون ساهم في نشر ثقافة الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والمساواة في الأجر لدى العاملات الأقل تعليماً أو الأميات، متوقعة أن تثمر جهودهن في تحقيق المساواة. وتعتمد 500 ألف أسرة على بيع زيت الزيتون.
ولجني الزيتون أهمية كبيرة لدى العائلات، خصوصاً تلك التي تعتمد عليه لجني المحاصيل. كذلك، يشكل فرحة سنوية تجمع أفراد العائلة لأشهر عدة. ويتقاضى العامل ما بين 20 و25 ديناراً. وهذا البدل أكثر ارتفاعاً من القطاعين الصناعي والسياحي.
وتُمثّل شجرة الزيتون في تونس عاملاً مهماً في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المناطق المنتجة، حتى باتت جزءاً من ثقافة التونسيين، إذ تعود أصول شجرة الزيتون إلى الحقبة الفينيقية. واليوم، تمتد هذه الأشجار على مساحة 1.8 مليون هكتار، وإنتاجها يغطي 8 في المائة من الإنتاج العالمي.
ويحتاج موسم الزيتون في تونس إلى نحو 120 ألف عامل لجني المحاصيل، علماً أن أكثر من 80 في المائة من الحقول ما زالت تعتمد على الوسائل التقليدية في الجني. ويعتمد نحو 20 في المائة فقط على الماكينات. وتؤمّن زراعة وإنتاج وتصدير الزيتون أكثر من مليون فرصة عمل بحسب البيانات المحلية. كذلك تمثل الصادرات التونسية من زيت الزيتون 40 في المائة من إجمالي صادرات القطاع الزراعي و10 في المائة من إجمالي الصادرات الوطنية.
وتونس من الدول الأولى في إنتاج زيت الزيتون، وقد احتلت المركز الثاني عالمياً عام 2015 بعد إسبانيا، كذلك احتلت المركز الأول عربياً والرابع عالمياً عام 2018.
منافسة قوية
في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2019، أعلن رئيس الديوان التونسي للزيت شكري بيوض، أن بلاده تتوقع تصدير أكثر من 200 ألف طن من زيت الزيتون، بعائدات مالية تصل إلى ملياري دينار (640 مليون دولار)، مشيراً إلى وجود منافسة قوية من إسبانيا وإيطاليا. ويشغّل قطاع الزيتون آلاف الأيدي العاملة طيلة الموسم، وينعش الدورة الاقتصادية.