لا شيء يمنع منوبية غريبة (66 عاماً) من زيارة مناطق جبلية وعرة، وأماكن لم يسبق لها زيارتها. اعتادت قطع مسافة 18 أو 20 كيلومتراً سيراً على الأقدام، وصعود قمم الجبال، والنوم في العراء، وفي حضن الطبيعة، حاملة معها حقيبة على ظهرها، مرتدية حذاء رياضياً.
تقول غريبة لـ "العربي الجديد" إنّها منذ تقاعدت من عملها كأستاذة تاريخ وجغرافيا، حاولت الاستفادة من أوقات فراغها مستغلة حبها للمغامرة، واكتشاف المناطق المنسية، مشيرة إلى أنّ هذه التجربة علمتها الكثير، كالصبر والتغلب على الخوف. تضيف أنها كثيراً ما احتمت بالأشجار عند الاشتباه بأمر ما قبل أن تواصل رحلتها. وفي الليل، تنام وصديقات الرحلات في الخيام.
تضيف غريبة أنّها دائماً تشجع بقية زميلاتها في الفريق على الاستمرار في السير رغم التعب أحياناً، وترفض أن يمسك أحداً بيدها طالما أنه في إمكانها المشي بمفردها في الجبال. وعادة ما تحرص على تصدّر الفريق، وأن تكون قدوة للآخرين. وحين تصل إلى قمة أي جبل، مثل جبل الرصاص في زغوان في العاصمة تونس، وجبل شيطانة في معتمدية نفزة في ولاية باجة، وبعدما تكون قد تغلبت على مسالكه الوعرة، تشعر بالسعادة والنصر.
وترى غريبة أن الأساس لدى محبي هذا النوع من الأنشطة هو العزيمة والشجاعة، مشيرة إلى أن هناك من يستغرب قدرتها خصوصاً في مثل هذا السن، علماً أنها تجد تشجيعاً من كثيرين في الوقت نفسه. وتؤكد أن لكل منطقة سحرها خصوصاً لدى خوض تحديات جديدة. ولكونها تواظب على هذه الأنشطة صيفاً وشتاءً، لم تعد تشعر بالمرض كما في السابق، بعدما واجهت ظروفاً مناخية عدة. وطالما أنها قادرة على القيام بهذه الأنشطة، ستستمر بذلك لأن في كل رحلة تجربة جديدة.
أما ألفة (39 عاماً)، وهي موظفة، فقد سبق أن شاركت في العديد من الرحلات الاستكشافية للطبيعة، لكنها لم تكن تروق لها بسبب الوقت الطويل المخصص للراحة والأكل. وتوضح أنه في بداية العام الجاري، بدأت تشارك في الأنشطة التي تنظمها جمعية "حركة لا"، المخصصة للنساء فقط، علماً أن غالبية الزيارات والأنشطة مدروسة وتعتمد على المشي والمغامرة. وتقول إن البعض قد يستغرب تواجد النساء في مناطق نائية وبعيدة، ويسأل عن السبب، مشيرة إلى أن الإحساس الذي ينتابها بعد كل تجربة لا يمكن وصفه، على الرغم من الخوف أحياناً، الذي تبدده مساعدة أهالي الجهات وعابري السبل لهن.
تضيف أنها عادة ما تعود إلى عملها بنفسية جديدة وذهن صاف، بعدما تكون قد ابتعدت عن روتين العمل اليومي ومشاكل الحياة، مشيرة إلى أن من يرد خوض مثل هذه التجارب، فعليه أن ينسى الرفاهية والراحة التي يعيشها لأنه سيختبر تجربة جديدة ومغامرة لم يسبق له أن خاضها.
قضت ألفة طفولتها في مدينة غار الملح وشاطئ سيدي علي المكي في ولاية بنزرت شمال تونس. لكن عندما زارتها مع الفريق النسائي، تمكنت ولأول مرة، من صعود الجبل وتأمل المكان من جديد وكأنها لا تعرفه أو لم يسبق لها زيارته، وخصوصاً أن زيارتها مع العائلة كانت تقتصر على الشاطئ.
إلى ذلك، تقول رئيسة جمعية "حركة لا"، المهندسة في وزارة البيئة حبيبة الوسلاتي، أن حبها للمغامرات والرحلات الاستكشافية دفعها إلى الخروج مع مجموعات من النساء وخوض التجربة، لافتة إلى أن إطار الجمعية يساعد في تنظيم أنشطتهن، وتشجيع أخريات على خوض مثل هذه التجارب. "ومن هنا كان اسم الجمعية الذي يعني الرياضة الجبلية".
تضيف الوسلاتي أن العنصر النسائي في هذا النوع من الأنشطة عادة ما يكون قليلاً. في هذا الإطار، تحرص الجمعية على تنظيم أنشطة للعائلات بهدف التعريف بالمعالم التاريخية والمساهمة في تنمية السياحة البيئية. واعتادت أن تنظم رحلات استكشافية في الربيع والشتاء في المناطق الداخلية وجنوبي البلاد، وفي المناطق الساحلية والجبلية صيفاً للاستمتاع بالبحر والاستجمام.
كذلك، حرصت الجمعية على تنظيم رحلات إلى مختلف الشواطئ في ولايات بنزرت وباجة ونابل سيراً على الأقدام. وعادة ما تستخدم النساء وسائل النقل العام للوصول إلى المنطقة، ثم يكملن طريقهن إلى المكان المقصود فيها سيراً على الأقدام. تضيف أنهن كثيراً ما يتواجدن بمفردهن في المنطقة التي يزرنها كونها بعيدة عن الأعين، وغالبيتها مناطق ريفية.
مؤخراً، زارت النساء موقعاً في منطقة قربص في ولاية نابل، علماً أن الوصول إليه لم يكن سهلاً بسبب شدة وعورته. وتقول الوسلاتي إنّ كل مغامرة تتضمن قصصاً طريفة. ففي إحدى المرات، اصطحبت سيدة ابنها وأصيب في ساقه، ما حتم عليهن السير ببطء إلى أن حل المساء، ثم بُلّغت الشرطة بأنهن مفقودات وراحت تبحث عنهن في وقت كن يستمتعن بالمكان وضوء القمر.
وتشير إلى أنّها وبحكم عملها كمهندسة، فإنها تجمع معلومات جيدة عن الأماكن السياحية وتزورها مسبقاً وتحدد الطرقات التي ستسلكها قبل أن تقود الفريق. وتقول إنه يبقى لبعض المناطق تأثير في ذاكرتها، منها جبل عرباطة في قفصة، إضافة إلى المناطق الصحراوية. تضيف أن الشواطئ البعيدة في بنزرت وباجة شمال تونس، تعد من أروع الشواطئ التي زارتها.