تتصاعد حدّة موجات الحرّ والفيضانات وغيرها من ظواهر الأحوال الجوية المتطرفة التي يواجهها العالم. وشهدت المملكة المتحدة وأجزاء من أوروبا في يوليو/ تموز الماضي حرارة تجاوزت 40 درجة مئوية، ما عطّل النقل وتسبب في نقص المياه، علماً أن الحرارة تصنّف بأنها متطرّفة في المملكة المتحدة إذا تجاوزت 30 درجة مئوية.
يفيد تقرير نشره فرع منظمة غرينبيس البيئية في المملكة المتحدة بأنّ "المناخ والطقس مرتبطان لكنّهما مختلفان، فالطقس هو ما يختبره الناس يومياً من شمس ومطر ورياح وثلج. أما المناخ فهو المتوسط الطويل الأمد للطقس في منطقة معينة والمحدد عادة بـ 30 عاماً أو أكثر. ويعني ذلك أنه يصعب ربط أي حدث لطقس شديد التطرف بتغيّر المناخ"، علماً أن العلماء يترددون غالباً في اعتبار الأحداث المناخية القاسية المنفردة ناجمة عن تغيّر المناخ.
لكن من الواضح أن أنماطاً جديدة لتأثير الظواهر الجوية المتطرفة تظهر حالياً. ومع ارتفاع درجة الحرارة، تزداد مخاطر الفيضانات لأنّنا نواجه أمطاراً أكثر غزارة. وتعتقد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة أن المملكة المتحدة ستتلقى زيادة في الأمطار مقدارها 10 في المائة في المتوسط سنوياً بحلول عام 2100، مقارنة بالفترة بين عامي 1986 و2005.
ويقول علماء كثيرون إن جميع الأحوال الجوية التي يمر بها العالم اليوم، وليس فقط الطقس المتطرف، تتأثر بطريقة أو بأخرى في حال الطوارئ المناخية التي تسببها بالدرجة الأولى الانبعاثات الناتجة من حرق الوقود الأحفوري التي تحبس الحرارة في الغلاف الجوي منذ بداية العصر الصناعي. وبما أنّ هذه الحرارة الزائدة لا تتوزع بالتساوي في أنحاء العالم، تظهر أحداث مناخية قاسية. وإذا لم تخفض الانبعاثات العالمية، ستستمر هذه الدورة.
وتسعى معظم دول العالم إلى الاعتماد على الطاقة النظيفة. وقد خفضت المملكة المتحدة خلال العقود الثلاثة الماضية، الانبعاثات بنسبة 44 في المائة، وهو أسرع انخفاض في أي دولة من دول مجموعة السبع، بينما نمت اقتصاداتها بمقدار ثلاثة أرباع. لكن "غرينبيس" تشير إلى أن "حكومة المملكة المتحدة تزعم أنها رائدة في المناخ، في حين تأخذ سياساتها الناس في اتجاه معاكس".
ويردّ الناطق باسم المكتب الإعلامي لوزارة قسم الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية لحكومة المملكة المتحدة على استفسارات "العربي الجديد"، بأنّ حكومات المملكة المتحدة زادت كمية الطاقة المتجددة المتصلة بالشبكة بنسبة 500 في المائة منذ عام 2010. واخيراً حصلت السلطات على 11 جيغاواط إضافية من الطاقة النظيفة وذات الكلفة المنخفضة والمصنّعة محلياً. والمملكة المتحدة تقود العالم في ما يتعلق بتغير المناخ، باعتبارها ساعدت خلال فترة رئاستها مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ أكثر من 90 في المائة من البلدان على تحديد أهداف خالية من الانبعاثات، علماً أن معاهدة قمة غلاسكو الأخيرة للمناخ طالبت العالم بتعزيز الجهود المبذولة لإقناع 190 دولة بالتخلص تدريجاً من الفحم".
لكن العالم يشهد المزيد من أحداث الطقس المتطرفة. وتؤدي درجات الحرارة العالية إلى موجات حرّ وجفاف وحرائق في أجزاء كثيرة من العالم، وبينها الحرائق المدمرة في أستراليا وغابات الأمازون وولاية كاليفورنيا الأميركية. ويبدو أن العواصف والفيضانات أصبحت أكثر حدّة، لذا يجري ربط هذه الأحداث بتغير المناخ.
وفي 19 يوليو/ تموز الماضي تجاوزت درجات الحرارة في المملكة المتحدة 40 مئوية للمرة الأولى في تاريخها. ويقول مكتب الأرصاد الجوية البريطانية إن "احتمال حصول الحرارة الشديدة التي شوهدت خلال الموجة الأخيرة، بات أكبر بعشر مرات بسبب تغيّر المناخ، ويمكن أن تسوء الأمور"، ويشير إلى أن موجات الحر ليست فقط أكثر سخونة، بل تدوم فترة أطول، وتضاعف فترات موجات الدفء في السنوات الخمسين الماضية. ويعلّق عالم المناخ في جامعة إمبريال كوليدج بلندن، البروفيسور فريدريك أوتو: "خلال بضعة عقود، قد يصنّف حال الصيف الحالي بارداً إلى حد ما".
ويحذر الخبراء منذ عقود من أن تغيّر المناخ سيعدّل أنظمة الطقس. وقد يؤثر الطقس المتطرف بشدة على المستوطنات البشرية، من خلال الحرائق والفيضانات والجفاف والعواصف والكوارث الطبيعية الأخرى المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة العالمية. وقد دمرت الحرائق فعلاً مساحات شاسعة من أستراليا والأمازون والولايات المتحدة التي عانت أيضاً من فيضانات غير مسبوقة عام 2019.