- المناطق المستهدفة بالإخلاء تشمل مخيم جباليا وبلدة جباليا ومناطق أخرى، مما يثير قلق السكان حول مكان اللجوء المناسب في ظل الأزمة الإنسانية الراهنة.
- الوضع في غرب مدينة غزة، المقترح للنزوح، صادم بسبب الدمار الهائل ونقص الخدمات الصحية، مما يعكس الصعوبات والتحديات التي يواجهها النازحون.
تتعرض مناطق شمال قطاع غزة لحملة تهجير جديدة، بعد أن ألقى جيش الاحتلال الإسرائيلي مناشير يطلب فيها من سكان عدد من المناطق الإخلاء الفوري إلى غربي مدينة غزة، في مقدمة لاجتياح تلك المناطق مجدداً والإجهاز على ما تبقى فيها من بنايات، بعد الاجتياح السابق الذي تسبب في دمار واسع ومجازر كبيرة.
وأعلن جيش الاحتلال، مساء أول من أمس السبت، بدء عملية عسكرية جديدة على المنطقة الشمالية، خصوصاً في بلدة جباليا ومخيمها الذي يعتبر أكبر المخيمات الفلسطينية الثمانية في قطاع غزة، ما أجبر الآلاف على المغادرة، حاملين القليل من أغراضهم المنزلية وبعض الطعام.
وفي مناشير الإخلاء الجديدة، طلب جيش الاحتلال من السكان مغادرة مخيم جباليا وبلدة جباليا ومنطقة تل الزعتر وعزبة الكحاليت ومنطقة الروضة وأحياء النزهة والجرن والنهضة والزهور ومشروع بيت لاهيا، وغيرها من المناطق التي ضمّتها خريطة ظهرت في المناشير التي أسقطتها الطائرات على مناطق تواجد النازحين، والذهاب إلى منطقة غربي مدينة غزة، التي تضم جزءاً من حي الرمال وحي النصر وحي الشيخ رضوان ومخيم الشاطئ وشارع البحر ومنطقة مجمع الشفاء الطبي.
لكن تلك المناشير أثارت الكثير من الأسئلة في أذهان الجميع، وكان أهمها سؤال: "وين نروح؟". حتى أنها أصبحت وسماً يجتاح وسائل التواصل الاجتماعي، فالأهالي يؤكدون عدم وجود أماكن للنزوح الجديد، والمنطقة التي طلب جيش الاحتلال منهم النزوح إليها لا توجد فيها خيام، ولا يمكن إعدادها لاستقبالهم، فهي شبه مدمرة بالكامل.
المنطقة التي طلب الاحتلال من سكان شمالي غزة النزوح إليها مدمرة
نزح محمد المدهون من مخيم جباليا إلى شارع عز الدين القسام في حي النصر، تاركاً عددا من أفراد العائلة في مدارس وكالة "أونروا" بمنطقة سوق المخيم. وفي صباح الأحد، صدمته أنباء اجتياح قوات الاحتلال لمناطق شرقي مخيم جباليا، وتدمير عدد من المنازل، ومحاصرة المدارس التي تضم آلاف النازحين، وإطلاق الطائرات المسيرة النار على أي شخص يحاول الدخول أو الخروج.
يقول المدهون لـ"العربي الجديد": "نواجه تهجيراً جماعياً من دون أي حماية. الناس عادت إلى المنازل على أمل أن تكون هناك هدنة قريبة، وكنا نستبعد أن يعود جيش الاحتلال لقصف المنطقة الشمالية، لأن غالبية المنازل مدمرة، والركام فيها يشبه الجبال، والقمامة تتكدس في كل مكان لتشكل خطراً صحياً، لكننا فوجئنا بأوامر الإخلاء الجديدة. فقدت عائلتي ما لا يقل عن 100 شهيد حتى الآن، ونحتاج إلى إيقاف الحرب حتى نبحث عن المفقودين، ومن ضمنهم اثنان من أشقائي، لكن هذا التهجير قتل فينا الأمل. غادرت مع زوجتي وابنتي، ولم نحمل سوى فراش واحد وغطاء مهترئ، وعدد من أفراد العائلة ما زالوا داخل المدارس، وبينهم أطفال ومسنون، وبعضهم لا يقدرون على الحراك، وأشعر بقلق شديد من حدوث مكروه لهم".
وكانت الأوضاع في منطقة غربي مدينة غزة صادمة لعدد من النازحين الجدد، فهي من المناطق التي نفّذ فيها الاحتلال عمليات عسكرية واسعة خلّفت دماراً هائلاً في المباني والطرق والبنية التحتية، خصوصاً في أحياء النصر والرمال والشيخ رضوان، وكلها مناطق مليئة بالركام، وتتواجد فيها أعداد محدودة من المدارس التي يمكن اتخاذها مراكز للإيواء، لكنها متضررة هي الأخرى من القصف.
وتعتبر المنطقة الغربية من مدينة غزة أكثر المناطق تضرراً من القصف كما رصدت صور الأقمار الصناعية، خصوصاً بعد العملية الأخيرة التي جرت في مجمع الشفاء، وشملت تدمير مئات الوحدات السكنية في محيط المجمع الطبي، وأصبحت المنطقة خالية من مرافق الخدمات، ومكتظة بركام الدمار الظاهر في كل مكان. ورغم محاولات عناصر الدفاع المدني فتح بعض طرقها وتعبيد بعض شوارعها، إلا أن قلة الإمكانيات والمعدات حالت دون ذلك.
الخدمات الصحية محدودة في شمال قطاع غزة منذ تدمير المستشفيات
ودفعت الأوضاع المزرية في تلك المناطق عدداً من العائلات النازحة إلى البقاء في المنازل شبه المدمرة في ظل عدم وجود أماكن إيواء، كحال عائلة فادي زرنوق (43 سنة) الذي وصل إلى غربي غزة صباح الأحد، بعد أن قضى ليلة صعبة في بلدة جباليا، ونجا بأعجوبة مع أسرته المكونة من 10 أفراد من ما يعرف بـ"الأحزمة النارية"، والتي دمرت عشرات المنازل في المنطقة.
يقول زرنوق لـ"العربي الجديد": "لا أعلم ما الذي تبقى في المنطقة الشمالية ليعيد الاحتلال اقتحامها وتدميرها؟ لقد قبلنا العودة إلى المنطقة من أجل البقاء بالقرب من منازلنا المدمرة. أقيم في منطقة مشروع بيت لاهيا، لكني ذهبت إلى بلدة جباليا للبقاء عند شقيق زوجتي، وكدنا نموت لولا الهرب في آخر لحظة، ومشينا على أقدامنا لساعات حتى وصلنا إلى حي الشيخ رضوان، ونعيش حالياً في إحدى المدارس شبه المدمرة".
يضيف: "أثناء النزوح تعرضت للعديد من الإصابات، ولم يكن أمامي حل سوى المضي في السير، حتى سمعنا من أحدهم عن مدرسة حكومية، فوصلنا إليها، وقررنا الاستقرار فيها. كل المناطق تغص بالركام، بعد أن كانت معروفة بأنها منطقة سكنية تضم العديد من الأبراج. إنها حالياً أشبه بمدينة أشباح، ونسمع القصف في الشمال كما لو أنه قريب علينا، ونحن الآن جائعون وتائهون، ولا نعرف إن كنا سنموت جوعاً أم تحت القصف، لأنه لا أمان للمحتل".
وتزايدت الصعوبات في شمال القطاع مع إعلان إدارة مستشفى كمال عدوان في منطقة مشروع بيت لاهيا أنها على مشارف التوقف بسبب عدم توفر الوقود للتشغيل، ويعمل المستشفى بقدرات محدودة حاليا، في ظل عدم تزويده بالوقود نتيجة إغلاق الاحتلال المعابر طوال الأسبوع الأخير، وبات على مشارف الخروج من الخدمة الطبية، رغم أنه المستشفى المركزي الوحيد في محافظتي غزة والشمال منذ خروج مجمع الشفاء الطبي من الخدمة، وقبله توقف المستشفى الإندونيسي في بلدة بيت لاهيا عن العمل.
وفي حال توقّف مستشفى كمال عدوان لن يتوفر لسكان الشمال أي مستشفى يقدم الخدمات الصحية، بينما يتواجد مركزان طبيان صغيران في حي الشيخ رضوان وحي النصر، في حين أن تلك المناطق تضم نحو 350 ألف نسمة، من بينهم عشرات الآلاف من النازحين الجدد، استجابة لأوامر الإخلاء الإسرائيلية الجديدة.
تشعر مريم أبو لبن (51 سنة) بالقلق على زوجها ونجلها الأكبر المصابين، واللذين كانا يتلقيان الرعاية الطبية في مركز جباليا الصحي. عادت عائلة أبو لبن إلى منزلها المدمر في بلدة جباليا قبل شهر واحد، ثم اضطرت العائلة إلى النزوح إلى حي النصر، وجمع أفراد العائلة بمساعدة الجيران الكثير من الأغراض من المنازل المدمرة لإنشاء خيمة بالقرب من الغرفة الوحيدة المتبقية من منزل متضرر، والتي أصبحت تؤوي مع الخيمة 12 فرداً، وهم يقومون بإعداد الطعام والجلوس والمبيت فيها.
تقول مريم لـ"العربي الجديد": "زوجي عيد (56 سنة) وابني حسام (30 سنة) مصابان في الأقدام، ما يجعلهما عاجزين عن الحركة بشكل جيد، ويجعل التنقل شديد الصعوبة بالنسبة لهما، ويحتاجان إلى التغيير على جروحهم كل ثلاثة أيام، وهما حالياً يجلسان في الخيمة التي أقمناها بالقرب من المنزل المدمر، لكن لا توجد أي وسيلة لتلقي العلاج، وقد نزحنا 12 مرة منذ بداية العدوان".
تضيف أبو لبن: "نزحنا إلى كل مناطق الشمال تقريباً، من بلدة جباليا إلى مدرسة في بيت لاهيا، إلى مجمع الشفاء الطبي، ثم إلى حي الشيخ رضوان، ثم حي النصر، وفي كل منطقة أو حي لاحقنا الاحتلال الإسرائيلي بالقصف، وفي كل مرة كنا نعيش تشريداً وجوعاً وعطشاً ومرضاً، لكن هذه المرة نزحنا إلى منطقة شبه مدمرة، ولا يوجد فيها أي خدمات، والمدارس ممتلئة، وغالبية المنازل مدمرة".
وعلى صعيد جنوبي القطاع، لا يزال النزوح مستمراً من مدينة رفح باتجاه منطقة المواصي ووسط القطاع ومناطق غرب مدينة دير البلح وبلدة الزوايدة، كما ينزح البعض إلى أجزاء من مخيم النصيرات، رغم أنه لا يصنف ضمن "المناطق الإنسانية" التي حددها جيش الاحتلال في الخرائط التي نشرها. وبدأت كثير من العائلات التي نزحت من المنطقة الشرقية لمدينة رفح إلى منطقتي الوسط والغرب تتحضر للنزوح مجدداً في أي وقت، تحسباً لأي هجوم إسرائيلي محتمل على تلك المناطق.