تمديد الهدنة... آلاف الغزيين يحلمون بتوقف العدوان

27 نوفمبر 2023
بات الحصول على رغيف الخبز مهمة صعبة (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -

طوال اليوم الرابع والأخير من اتفاق الهدنة الإنسانية بين الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، كانت الأمنيات تراود سكان القطاع في تمديد أيامها، أو تحولها إلى وقف إطلاق نار دائم، ما يعني انتهاء العدوان، واستعادة الهدوء، وتواصل دخول شاحنات المساعدات الإنسانية، في حين يرى أخرون أن المطلب الأساسي ينبغي أن يكون رفع الحصار نهائياً، والسماح للغزيين بالتواصل مع العالم من دون قيود، وهو ما يراه البعض حلماً.
وشاهد كثيرون تحليق طيران الاحتلال، الحربي والاستطلاعي، في سماء القطاع طوال أيام الهدنة، ما يؤكد خرق جيش الاحتلال لبنود اتفاق الهدنة الإنسانية التي تنص على عدم السماح بتحليق الطائرات. 
حصلت الفلسطينية عزّة أبو حمدة (30 سنة) خلال أيام الهدنة على الفيتامينات التي تحتاج إليها لكونها حاملا في شهرها الخامس، ومن بينها أقراص الحديد التي لم تحصل على أي منها منذ أكثر من شهر بعد أن نزحت من حي النصر في مدينة غزة إلى مدينة رفح. كان زوجها يحاول طوال الأيام الماضية الحصول على الفيتامينات لكن من دون جدوى، فالصيدليات شبه فارغة.
زارت أبو حمدة في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني، مستشفى في مدينة رفح من أجل الاطمئنان على صحة جنينها، لكنها لم تتمكن بعدها من مراجعة أي طبيب، وأثناء أيام الهدنة، استطاعت زيارة الطبيب مرتين، الأولى من أجل الفحص الدوري وإجراء صورة سونار رباعي الأبعاد، وفي الزيارة الثانية، صباح الاثنين، تلقت بعض الأدوية المدعمة للحمل، والتي كانت من بين الأدوية التي دخلت ضمن المساعدات الإغاثية خلال الأيام الأخيرة.
تقيم أبو حمدة وزوجها داخل مدرسة خصصت لإيواء النازحين في حي تل السلطان غربي مدينة رفح، وتقول لـ"العربي الجديد": "اشترى زوجي خلال أيام الهدنة الفيتامينات التي أحتاجها، إذ فتحت بعض الصيدليات في مناطق مختلفة أبوابها، وقد تجول بينها عبر عربة يجرها حمار طوال اليوم حتى تمكن من إيجاد بعض الفيتامينات، كما حصلت على أدوية لتثبيت الحمل من المستشفى".

يتمنى سكان غزة تمديد الهدنة وتحولها إلى وقف إطلاق نار دائم

تضيف: "أتمنى أن يتقرر تمديد الهدنة حتى أستطيع تأمين الحليب والطعام لطفلي البالغ 3 سنوات، والذي أصابه الحليب الذي حصلنا عليه في المدرسة بعسر الهضم، كما أنه غير مدعم بالفيتامينات الأساسية، ونعيش على أمل أن يجد زوجي الحليب الذي اعتاد ابني قبل العدوان عليه، وهو حليب مستورد، وأحلم بالعودة إلى بيتي في مدينة غزة، وأن أستقبل طفلتي القادمة في منزلنا إن لم يكن مدمراً".
ووفق آخر بيانات لوزارة الصحة في غزة، فقد استطاعت طواقم الدفاع المدني انتشال جثامين مئات الشهداء من تحت الأنقاض خلال أيام الهدنة، من بين أكثر من 6 آلاف مفقود مبلغ عنهم في قطاع غزة، وسط توقعات بارتفاع أعداد الشهداء المعلنة بعد انتشال تلك الجثامين، وتكثيف محاولات الوصول إلى جثامين أخرى قبل انقضاء ساعات الهدنة.
وتشير طواقم الدفاع المدني إلى أنها تعمل في ظل ظروف غاية في الصعوبة، إذ إن أعداد المعدات اللازمة لإزالة الركام قليلة مقارنة بحجم الدمار الكبير، كما أن كميات الوقود محدودة، مطالبة بدخول طواقم إنقاذ عربية ودولية مصحوبة بمعداتها لمساعدتهم في إزالة الركام، وانتشال الجثامين من تحت الأنقاض، خصوصاً في المناطق التي كانت مكتظة بالسكان.

الصورة
دمار هائل تعرضت له مساكن غزة (محمد الحجار)
دمار هائل تعرضت له مساكن غزة (محمد الحجار)

واكتظت الأسواق الشعبية بالمواطنين في اليوم الرابع من اتفاق الهدنة، إذ يحاول كثيرون تأمين احتياجاتهم من المعلبات والبقول التي لا تحتاج إلى التبريد وبعض الدقيق اللازم لتجهيز الخبز، كما يتوافد المئات على محطات الغاز للحصول على الأسطوانات، في حين أن المعروض من السلع الغذائية وأسطوانات الغاز محدود، ولا يقارن بحجم الطلب.
بعد انتظار طويل، تمكن أكرم صيام (41 سنة) من تأمين أسطوانة غاز، والعودة بها إلى مركز الإيواء الذي تقيم فيه أسرته بمدينة رفح. يقول صيام لـ"العربي الجديد": "استطعت خلال أيام الهدنة شرب ماء نظيف، وقد بكيت عندها، كما كانت المرة الأولى منذ أكثر من شهر التي أتناول فيها خبزاً مع زعتر وزيت زيتون في الصباح. نتمنى تمديد الهدنة، وأخشى في حال تواصل عدوان الاحتلال من عدم قدرتنا على البقاء أحياء لوقت طويل، فغالبية الناس محبطون، ويخشون من القادم".

وصول المساعدات إلى مناطق شمالي القطاع ومدينة غزة لايزال محدوداً

أثناء الوقوف في انتظار الحصول على أسطوانات الغاز، هطلت الأمطار فوق رؤوس الناس. كان أحمد النحال (25 سنة) أحد هؤلاء، ويقول لـ"العربي الجديد": "أتمنى أن يتقرر تمديد الهدنة حتى نتمكن من الحصول على احتياجاتنا. أصبحت أحلامنا تقتصر على تناول طبق من الطبيخ الساخن، أو كأس شاي، والناس تقف لساعات في الطوابير للحصول على أي شيء يتيح لهم مواصلة الحياة قبل أن يتجدد القصف والدمار. نترقب أي حديث عن تهدئة طويلة، ونلاحق الأخبار والشائعات، وكلنا أمل أن يتوقف العدوان".
ومع تزايد دخول شاحنات المساعدات عبر معبر رفح أثناء أيام الهدنة، لامس الغزيون تواجد بعض المواد الغذائية التي كانت شبه غائبة تماماً عن جميع مناطق القطاع، كما تزايدت المساعدات التي تقدم لهم في داخل مراكز الإيواء، وفي مناطق التجمع الأخرى مثل محيط المستشفيات، لكن وصول المساعدات إلى المنطقة المحاصرة في شمالي القطاع ومدينة غزة لازال محدوداً.

الصورة
فلسطينية تجلس أمام منزلها المدمر في غزة (محمد الحجار)
فلسطينية تجلس أمام منزلها المدمر في غزة (محمد الحجار)

يقول المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، عدنان أبو حسنة، إن مناطق شمالي القطاع ومدينة غزة يعيشان حالة مجاعة، مع انتشار عدد من الأمراض، ويشدد على أن معبر رفح غير كاف لإدخال المساعدات، وينبغي فتح معبر كرم أبو سالم لإيصال الوقود ومواد الإغاثة، وأن القطاع بحاجة إلى تمديد الهدنة الإنسانية لتأمين حاجة الناس من الوقود وغاز الطبخ، وأنه تجري محادثات مكثفة مع الجانب الإسرائيلي لإقرار ذلك.
يضيف أبو حسنة: "قطاع غزة بحاجة إلى 120 طناً من الوقود يومياً لبدء تشغيل المرافق الأساسية فقط، ونتخوف من التداعيات الصحية لمياه الصرف الصحي التي تغمر شوارع القطاع، كما تسربت مياه الصرف الصحي إلى المياه الجوفية، ونخشى أن يكون هذا غير قابل للإصلاح مستقبلاً في ظل كون آلية إدخال شاحنات المساعدات من معبر رفح معقدة، فسعته القصوى 130 شاحنة يومياً، والمطلوب دخول 200 شاحنة مساعدات يومياً لمدة شهرين متواصلين".
يتمنى المتقاعد زكي أبو سليمان (59 سنة) تمديد الهدنة الإنسانية من أجل أن يذهب لتفقد منزله في منطقة الزرقاء شرقي حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، والذي كان يعيش فيه نحو 35 فرداً، ويوضح أنه أجبر على النزوح بعد أن وصل القصف إلى المنطقة في الأسبوع الأخير من أكتوبر/تشرين الأول، ويقول إن جميع سكان المنطقة نزحوا، ولم يتبق أحد يمكن أن يسأله عن مصير منزله.

كان أبو سليمان يعمل بأحد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، ولديه ثلاثة من الخريجين الجامعيين، وبعد تقاعده افتتح متجراً صغيراً في سوق البلد بشارع عمر المختار بمدينة غزة، لكن المتجر تم تدميره بالكامل خلال الأسبوع الأول من العدوان الإسرائيلي. يقول لـ"العربي الجديد": "بنيت منزلي من المال الذي ادخرته طوال سنوات عملي، وحالياً لا أعرف مصيره، وسألت عدداً من الناس، فكان كلُ منهم يدلني على شخص آخر، فمنزلنا بعيد عن التجمع السكني، وأخيراً وصلت إلى شخص أخبرني أنه في حال مددت الهدنة، سيقوم صباح الثلاثاء بالذهاب إلى المنطقة، والتأكد من حالة منزلنا، وآخر نازح من منطقتنا أخبرني أن المنزل لم يتضرر".
يضيف أبو سليمان: "المنزل مهم جداً، فلدي 9 أبناء وشقيقي لديه 5 أبناء، ونعيش جميعاً فيه، ولدي ابنة من ذوي الإعاقة العقلية، وغالبية الأبناء عاطلون من العمل، كما يؤوي والدتي المريضة بالقلب والتي يبلغ عمرها 80 سنة. المنزل جزء من حياتي، وأترقب أن يستطيع أحد من سكان المناطق المحاذية طمأنتي عليه، حتى أنني مستعد لدفع المال لمن يذهب من دون أن يخاطر بنفسه كي يحضر لي الخبر اليقين. فالخبر سيحدد إن كنت سأبقى هنا، أو سأعود بعد انتهاء العدوان".

المساهمون